الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الديمقراطية .. - ما لها وما عليها

روني علي

2005 / 10 / 16
ملف 15-10- 2005 الديمقراطية والاصلاح السياسي في العالم العربي


أعتقد أن الحالة الصحية لمعالجة أية موضوع، أو الحوار فيه، يجب أن يدخل ضمن دائرة التفكير السياسي أو المنهجية السياسية والمعرفية التي تمتلك القدرة على استيعاب مفرداته، وبالتالي الإمساك بخيوط اللوحة التي ستحتضن تفاصيل الموضوع، بغض النظر عن درجات القرب أو البعد بين الرؤى التي تتحاور، أو الخلفيات السياسية والمنهجية التي ينطلق منه الحوار، وهذا هو الذي نفتقده – عملياً - في أدائنا السياسي والثقافي، فكيف لنا أن نتحاور في قضية معقدة ومتشابكة ومتداخلة مع جملة من القضايا الفلسفية والمعرفية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، كقضية الديمقراطية، والتي تتطلب بالدرجة الأولى الاستعداد الذهني لتقبل إرهاصاتها وإفرازاتها ونتائجها، ونحن ما زلنا أسرى الوعي التسلطي، الذي يستدعي البحث فيه أخذ التشكيلة الثقافية، والذهنية المسيطرة على تفكير البنية الاجتماعية بعين الاعتبار، وذلك بحكم أنها تعتبر الركيزة والمسند الأساس الذي يبنى عليه، بل هي الحامل - المحور - في ترسيخ وتوظيف ما يبتغيه أي مشروع كي يمتلك مقوماته . ومن هنا كان لا بد من التساؤل التالي : هل نحن - كشعوب المنطقة ( حكاماً ومحكومين ) - الذين ورثنا من مجمل المنابع الفلسفية، الأصولية منها والوضعية، ثقافة قائمة على شمولية الرأي والقرار، وعلى نسف الآخر وإقصائه .. ثقافة أسست لبلورة ركائز الأنظمة الدموية والديكتاتورية، مناخاً يؤسس لحالة توظيف الفهم الديمقراطي في التعامل والتعاطي مع مجمل القضايا التي تفرزها ثقافة العصر .؟.
بتصوري، ما زال هناك بون شاسع بين ادعاءاتنا وممارساتنا حيال مجمل القضايا التي تلامس الحقيقة، وتحديداً قضية الديمقراطية، وذلك بحكم غياب المنهج الديمقراطي في آليات عملنا، التي تقارب إلى حد ما مع مورثات ثقافة الدم والاستعلاء والاستلاب، ولو أننا نعيش عصر التغييرات المتسارعة التي تعصف بالعالم، والتطورات التي تؤسس لفهم وذهنية جديدة لمجمل القضايا والمشاكل العالقة على الصعيد الدولي، والتي تطرح – وبقوة – ضرورة تصدي مجتمعاتنا للحقائق التي تواجهها، والعراقيل التي تحد من تطورها، خاصةً وأن تيار التغيير والتطور، يستهدف – بالدرجة الأولى - البنى الأساسية في المنظومات السياسية والاقتصادية والفكرية والثقافية، القائمة على شمولية الرأي والأداء، وتحث على إنسانية الإنسان، المتحرر من قيود الغبن والتبعية، وتحقيق نوع من العدالة الاجتماعية، وحق الشعوب في تقرير مصيرها، بمعزل عن القسر والإكراه . والتي بدورها ستؤثر – دون شك – على موازين القوى، وما ستطرحها مستقبلاً من نتائج وتداعيات، ترافقاً مع هكذا ظروف دولية التي ستكون لها انعكاساتها الأكيدة على الصعد الإقليمية والوطنية، واستحقاقاتها سياسياً وجغرافياً وبشرياً، وذلك بالنظر إلى محددات الفهم السياسي الجديد لمستقبل المنطقة عموماً، والذي ينبغي أن تتفهمها مجمل التعبيرات السياسية، وما يجري من اصطفافات وتكتلات لمجمل المكونات السياسية في المنطقة بخصوص خيارات التغيير، والتي ما تزال أبعادها وآليات التفاعل مع استحقاقاتها، مفتوحة على مصراعيه، وغير واضحة المعالم، وذلك نظراً لما يشوب مشروع التغيير ذاته من بعض الضبابية في صيرورته، وخاصةً في جوانبه المتعلقة بالأنظمة الشمولية التي لا تمتلك الركائز المعرفية والأدوات السياسية لمواكبة صيرورة التغيير ومفاهيم المرحلة، وليست لديها القدرة على الاستجابة لاستحقاقات قضاياها الوطنية، والتفاعل مع مكونها المجتمعي، وبالتالي الانفتاح على مفردات التغيير وروح العصر وسماته، سوى قدرتها على إدارة أزماتها الداخلية بالاستناد إلى وسائل القمع والإرهاب، ودعمها للمنابع الأصولية والتيارات المتشددة التي لا تعرف من الآليات في التعامل سوى القتل والدمار، وكذلك احتضانها لقوى الإرهاب، المحارب أخلاقياً وسياسياً، سواء على صعيد الفرد أو الشعوب التواقة إلى السلام والوئام، وذلك بغية درء ما تتطلبها الحرية من ركائز ومستلزمات، وإمكانية الاستمرار على وضعها في وجه ما يجري وما هي مطالبة به .
في هكذا أجواء، وفي هكذا حاضن ثقافي وسياسي ومجتمعي، نتلمس – نحن الشرائح التي تدعي البحث عن الحقيقة – خيارات الديمقراطية، أو نحاول ملامسة الجانب النظري من الفعل الديمقراطي، دون أن نخضع ذواتنا وأدواتنا إلى مختبرات الديمقراطية، لنرى مدى مصداقيتنا مع آرائنا وتوجهاتنا ..
فالحديث الدائر اليوم بين مختلف التيارات السياسية والثقافية، هو محاولة التقرب من موجة العصر، والتي تتجسد في الديمقراطية والحريات العامة، لكونها مدعومة من أكبر قوة دولية أولاً، وهذا يوحي بأن الذي يتبنى هذا الخيار وسط موروثات الثقافة السائدة، يحاول أن يحتل لنفسه موقع قدم ضمن دائرة مشاريع التغيير الجارية في المنطقة، وتلبي آمال الفئات المسحوقة والشعوب المغلوبة على أمرها ثانياً، بحيث تشكل قوة داعمة لحامل مشروع التوجه الديمقراطي، وهذا ما يمكن لنا أن نسميه، في الثقافة السياسية، بالتكتيك السياسي، وهو مشروع ومباح، كون الكل له الحق – وفق المفهوم الديمقراطي – في إتباع الأسلوب الذي يرتأيه، ناهيك عن طرح السلطات الحاكمة نفسها لشعارات التغيير والتحديث والديمقراطية، محاولةً منها دغدغة مطاليب المشاريع الخارجية، بمعنى آخر الكل يتحرك وفق صيرورة الأداء الخارجي تجاه تحديد الخيارات، وهذا الكل يدعي في الوقت نفسه وقوفه في وجه الخارج، وتصديه للمشاريع التي تهدف البنى القائمة والسائدة في المنطقة، دون أن يلتف إلى ذاته ويبحث في خبايا رؤيته، أو يفتش عن مكامن القوة التي تدفعه باتجاه حمله لفكرة التغيير، أو يجادل في الدوافع التي تدفع بالأنظمة الحاكمة إلى تبني شعارات التغيير والديمقراطية .. أليست كل ذلك بفعل الضغط الخارجي، أم أنه من نتاج التطور الذهني المجتمعي ..؟، وإن كان لذلك دوره في الارتقاء بالمشاريع التغيرية، وهو نفسه على صلة وثيقة بقوة المشروع الخارجي، لأنه وعبر تلك القوة، يتم اختراق حاجز الخوف والإرهاب .. إذاً نستطيع القول وبجملة مختصرة، بأن جملة المشاريع التي تهدف التغيير، سواء أكانت مطروحة عبر التغيير من الداخل، أو التغيير من الخارج، ترتكز بشكل أو بآخر على العامل الخارجي وتستفيد منه، هذا العامل الذي برهن حقائق التاريخ والتطور في المنطقة، أنه وبمعزل عنه لا يمكن لأية قوة أن تدفع الشارع باتجاه المطالبة بحقوقه ومطاليبه، هذا إذا استثنينا صراعات وتصارع القوى التي تهدف السلطة سواء من خلال الانقلابات العسكرية، أو من خلال التوازنات الطائفية والمذهبية، والتي - وفي مجملها - ترسخ ديكتاتورية السلطة/ الفرد، وتهمش دور المجتمع في أدائه لمهامه الوطنية، هذا من جهة، ومن جهة ثانية، لابد من الإقرار بحقيقة التشكيلات المنبثقة عن رحم الثقافات المتوارثة في المنطقة، والتي – وإن كانت في تناحر وتصادم – إلا أنها تلتقي على أرضية القاسم الذهني المعرفي، وبالتالي يحق لنا القول بأننا – كشعوب هذه المنطقة – ما زلنا قابعين تحت أسطورة ثقافة الأنا والذات، والتي تعتبر العدو الأكثر شراسة لمفاهيم الديمقراطية .. فلو حاولنا دراسة الواقع المعاش في منطقتنا وفق منظور أقرب إلى الحياد، لوجدنا أن هناك توزيع للأدوار في رسم ملامح تلك الثقافة، ففي الدول التي تحاول أنظمتها التقرب قليلاً من الواقعية، نرى فيها معارضة أكثر دمويةً، والعكس صحيح تماماً، حيث أن الدول التي تبتلي بأنظمة ديكتاتورية، نرى فيها معارضة مهادنة ومستسلمة إلى حد ما .. ومع هذا وذاك، نحاول طرق أبواب الديمقراطية عبر مقولات تحد من عملية التفاعل مع الجانب المعرفي للديمقراطية ..
فالديمقراطية هي ليست مقاسات محددة بحسب المناطق الجغرافية، أو وفق سيكولوجيتها، بقدر ما هي نتاج حضاري ساهم الكل البشري في تغذية منابعها، فلا يمكننا الحديث عن دولة ديمقراطية وفق مقاييس الديمقراطية في رقعة جغرافية من العالم، ما لم تتبلور ذهنية الديمقراطية في العالم أجمع، كون المجتمع الدولي بكل أطيافه وتلاوينه قد اخترق جدار الصمت، وتجاوز حالة العنة تجاه عولمة الديمقراطية، وإن كان نظرياً . ومن هنا كان لابد لدعاة الديمقراطية من الانفتاح على ثقافات الشعوب والتفاعل معها، ومن هنا كان لا بد من الإقرار بحقيقة الديمقراطية الإنسانية، بعيداً عن التقوقع في صومعة الخصوصيات التي هي من نتاج ثقافة الأنا والذات .. فكم من الحالات التي برهنت وما تزال تبرهن على عقم مثل هكذا تفكير، حين تحاول أدلجة الديمقراطية وتخصيصها وفق شروط ثقافتها أو وفق منابعها الفكرية .. وكم من الحركات التحررية التي كانت تنادي بالديمقراطية وتحقيق إنسانية الإنسان، وقعت في فخ ثقافة المجتمع المورثة إما من الجوامع أو الكنائس أو الإديرة، أو التي تمت ترويضها في أقبية الزنازين، وتحولت إلى آلة تمارس أبشع أنواع الديكتاتورية حين تصدت للسلطة واستملتها .. وهنا لست في وارد نفي بعض الخصوصيات التي تتحتم الأخذ بها حين ممارسة الشكل الديمقراطي، وإنما ما أريد قوله، هو أن الديمقراطية ليست قائمة على أساس الجغرافيا أو العرق واللون ..
وفي الحقيقة فإن تعامل النخب المتنورة أو القوى السياسية في منطقتنا مع قضية الديمقراطية، يتم وفق آليات السوق التجاري، وعقلية التاجر في تفاعله مع البضاعة بحسب درجة العرض والطلب، والتي تخضع بدورها – البضاعة – سواء في مرحلة الكساد أو الازدهار إلى عوامل مختلفة، تعود في جزء منها إلى نموذج السياسة الاقتصادية المتبعة، وفي بعضها الآخر إلى الشكل الإداري الذي ينتهجه النظام السياسي .. وبالتالي يمكننا القول بأن القوى الحاملة للمشروع الديمقراطي في منطقتنا، لم تحسم بعد خياراتها تجاه ما تتضمنها الديمقراطية من شروط ومستلزمات، أي لا يمكنها أن تؤسس لثقافة ديمقراطية في الوسط الاجتماعي، كوننا على يقين بأن الممارسة الديمقراطية لا يمكن لها أن تأتي بنتائج أو تترجم ذاتها بفعل قرارات سياسية، وعلى هذا – واستناداً إلى العوامل الذاتية والموضوعية الآنفة الذكر - لا يمكننا المراهنة على أي مشروع، خارجياً كان أم داخلياً، ونعتبره المنقذ للوضع المعاش، سوى أن المشروع الذي يمتلك عناصر القوة، من شأنه تهيئة المناخات التي تمتلك القدرة على احتضان حراك سياسي وثقافي، وذلك بحكم قدرته على إخراج الفرد/المواطن من براثن القمع وسلطة الإرهاب، ويمكن إدراج التجربة العراقية في هذا الإطار ..
فما حدث في العراق له دلالاته وانعكاساته المعرفية على الذهنية المجتمعية في التفاعل مع قضية الديمقراطية، كون التدخل الأمريكي استطاع أن يغير النظام، إلا أنه لم يغير التشكيلة السياسية والثقافية والاجتماعية، وما يحث فيه اليوم، هو عملية دفع لفاتورة الثقافة المتوارثة منذ الأجيال، التي لم تكن لديها قدرة الارتقاء بالذهنية المجتمعية إلى مرحلة تقبل بذور التعامل الديمقراطي، أو الإقرار بالواقع كما هو عليه، وإن استثنينا بعض الحالات أو بعض الممارسات، ولكن يجب في الوقت نفسه ألا يغيب عن أذهاننا، على أن قوة المشروع التغيري، استطاع أن يقونن بعض حالات الفعل ورد الفعل، وبالتالي أسس لمرتكزات من شأنها احتضان الفعل الديمقراطي مستقبلاً بعد أن يتم تجاوز مورثات التخلف وبعض حالات التناحر والاحتراب، بمعنى آخر، بعد أن تصل هذه الحالات إلى مرحلة الإشباع، والتي يمكن أن نسميها بمرحلة المخاض، وفيها يعبر الكل عن ذاته وفق أدائه الفكري والسياسي، وقد يتبلور في أحشائه بعض التيارات الأصولية أو النماذج التي تمارس الإرهاب في سبيل تحقيق بعض المآرب، أو بعض القوى التي تدعي العلمانية، يسارية كانت أم ليبرالية، والتي هي كما غيرها أسيرة المناهج الشمولية المأخوذة من قوانين المجتمع . إلا أن ذلك سيكون مرهوناً بظروف المرحلة وصراع المفاهيم والأجيال، إلى أن تفرض ثقافة الديمقراطية ذاتها على الوعي الاجتماعي، وعليه لا يمكن لا لأمريكا ولا لأية قوة أخرى أن تفرض الشكل الديمقراطي لا بقوة الدبابة ولا من خلال القمع، وإنما فقط عبر قوننة الحاجات والاحتياجات .. بمعنى آخر، واستناداً إلى الوعي السائد، ستدفع شعوب المنطقة ضريبة الانتقال من ثقافة القمع إلى ثقافة التحرر من قيود المورثات الآنفة الذكر، سواء من خلال صناديق الاقتراع أو من خلال التوافقات السياسية، التي هي على شاكلة ما يجري في العراق بين الكتل السياسية، حيث نرى لدى البعض إرادة منهجية في دحض بعض الحقائق التاريخية والجغرافية والبشرية ...
خلاصة القول في هذا الشأن، هو أن المنطقة تعيش أزمة بنيوية عميقة، هو أزمة الانتقال المعرفي من حاضن إلى آخر، وبما أن الكل لا يمتلك مشروعاً متكاملاً بخصوص آليات التغيير، فإن الرهان على الشكل الديمقراطي في الأداء سيكون مرهوناً بمدى تطور المجتمع، بعد خروجه – سياسياً وثقافياً - من قمقم الأنظمة والإيديولوجيات الشمولية، وكذلك انقلابه على بذور الفكر القومي والطائفي والمذهبي، بمعنى، ستتغير الحالة وفق جداول زمنية لها صلتها المباشرة بمعطيات ما يفرضه المستقبل من آفاق ومعطيات .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حزب الله ينتقم لمقتل 3 من قادته وإسرائيل تحشد ألوية عسكرية ع


.. التصعيد الإسرائيلي الإيراني يسحب اهتمام الغرب من حرب غزة




.. الأردن يؤكد أن اعتراضه للمقذوفات الإيرانية دفاعا عن سيادته و


.. رئيس وزراء قطر: محادثات وقف إطلاق نار بغزة تمر بمرحلة حساسة




.. تساؤلات حول أهلية -المنظومة الإسرائيلية الحالية- في اتخاذ قر