الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أخلاقيات الإعلام.. خطاب بائس

نورالدين هميسي

2015 / 8 / 11
الصحافة والاعلام


"وظيفة الإعلام هي مقاومة أي فانتازم جماعي قد ينشأ".
جيل ليبوفيتسكي.


أضحى من السهل جدا أن ينطق أبسط مشاهد أو قارئ ليتهم أي وسيلة إعلامية بالكذب، ومهما اختلفنا في تقييمنا لدرجة الكذب فإننا نتفق على أن التلفزيون والصحيفة والإذاعة لا ولن تتوقف عن الكذب. يصيب مثل هذا الطرح مهمة الإعلام، أو الباراديغم الصحفي، في صميمه، لأننا اعتدنا من خلال مقولة أخلاقيات المهنة التي لا نكف عن اجترارها في المنابر الأخلاقية، على أن نتخيل بأن الصحافة وظيفة اجتماعية نبيلة، تسعى لكشف الحقيقة على الدوام.
في الأصل، هناك اختلاف حول مفهوم الحقيقة، ولكن هناك اتفاق على أن هناك حقيقة واحدة، ووسائل الإعلام التي ندمن استهلاكها غالبا ما تنهي إلى وعينا حقائق متناقضة بحدة في الغالب الأعم، ونحن في سياق اعتراضنا على هذا الأمر نرفع عادة ذلك الخطاب البائس حول أخلاقيات المهنة، لتنقسم آراؤنا بسرعة حتى حول ما يجب أن يكون، لأننا في البدء لا نعرف ما هي الحقيقة. رغم ذلك، يبقى خطاب أخلاقيات المهنة حاضرا باستمرار، ولا يتفوق عليه في قوة الطرح سوى خطاب راديكالي حاسم.
في تعاطينا مع خطاب أخلاقيات المهنة، غالبا ما نتناول الموضوع من وجهة نظر مؤسساتية وظيفية بحتة، حيث نفترض دورا معينا لوسائل الإعلام في المجتمع يكمن في تتبع الأحداث ونقلها وتفسيرها والتعليق عليها، ونفترض كذلك بأن للصحافة سلطة توازي في تأثيرها على الواقع تأثير السلطة السياسية، ولكن هذه الأسطورة تسقط في الماء أمام تلك الإرادة التي يمكن فك شفراتها عن طريق مقاربة الاقتصاد السياسي لملكية الإعلام: ثمة إرادة واحدة تريد توجيهنا إلى مظهر واحد للحقيقة، وعندما تتوفر أكثر من إرادة، مثلما هو الحال في الأنظمة الديمقراطية، سوف نواجه أزمة أخلاقية أعمق.
بناء على هذه القاعدة، يمكن أن نقرأ كتاب كولين كراوتش الموسوم بـ"ما بعد الديمقراطية"، وهو في الحقيقة طرح ذو نقذ لاذع لواقع الديمقراطية في الغرب يمكن أن يسهم في انهيار الكثير من الأساطير والخرافات التي تسربت إلى أذهان الباحثين في السياسة والإعلام بطريقة محيرة. يرى كراوتش، بأن أسلوب "ما بعد الديمقراطية"، أو ديمقراطية الواجهة، أضحى حاضرا بقوة في كثير من الدول حتى تلك التي تدعي بأنها ديمقراطية، وهي في الأصل حقل لمواطنة مجروحة برصاص الإعلام.
رغم الديكور التعددي الذي يزين الواجهة السياسية للكثير من الدول الغربية، إلا أن الفاعلين الأصليين في لعبة الديمقراطية لا يملكون بنظر كراوتش أي تأثير على مجرى الأحداث، من المواطن إلى الحركة العمالية إلى الدور الاجتماعي للمؤسسات، حيث ساهم الإعلام بوصفه عامل تشويش دائم في إفساد أي سعي إلى الديمقراطية بعد أن تحالف مع نخب أرباب المؤسسات في تحوير الدولة عن مسار انفتاحها على المجتمع.
وبرأي كراوتش دائما، فإن تحول ملكية السلطة داخل المجتمع والدولة إلى الرئيس المدير العام للشركة العملاقة بنموذجها الأنغلو-أمريكي، والتي استولت على مختلف القطاعات الاجتماعية التي كان يجب على الدولة أن تتواجد فيها باستمرار، يمثل السمة الغالبة على الحياة السياسية في الغرب، ويقع الإعلام تبعا لذلك في سلطة هذا الشخص بالنظر لانعدام أي بديل آخر عن الإشهار، ولذلك فإن أي معركة قد تدور رحاها في الإعلام لن تكون سوى مظهرا خارجيا لمعركة تجري في الخفاء بين أرباب الأعمال حول مشروع واعد ومربح أو لإطفاء روح الاحتجاج التي قد تندلع في جهة من الجهات.
ورغم أن كراوتش يقف عند حدود هذا التحليل، إلا أن المعجبين بأبحاثه التي واجهت تهميشا كبيرا بدعوى غياب الموضوعية، تتبعوا مسارات الإصلاح القائمة حاليا، وهم يؤكدون في الحقيقة بأن ظهور الأنترنت أصبح يعري بشكل واضح تورّط الإعلام في تكريس ديمقراطية الواجهة. هناك تصاعد واضح في قوة فاعلية النشاط الحقوقي عبر النت online activism، وهناك التفاف متنامي حول مصادر جديدة للحقيقة وللعمل الجماعي المشترك لقوى بإمكانها أن تغير مجرى الأحداث ولا يمكن محاكمتها عبر ذلك الخطاب البائس: خطاب أخلاقيات المهنة الصحفية.
في النقاش الدائر حاليا حول إمكانية أن يتراجع الإعلام التقليدي أمام ضربات مختلف أشكال الاتصال الناشئة عبر الإعلام الجديد الذي يستوطن شبكة الإنترنت، يلاحظ بجلاء بأن التلفزيون يفقد نسب المشاهدة باستمرار، فيما أضحت الصحف أعباء لا طائل منها بالنسبة لأرباب المؤسسات، لذلك رحل التلفزيون والصحيفة بسرعة إلى النت وصار يسترق السمع مما يقوله الناس، بينما أنشأ الناشطون مراصد تقتفي آثار الكذب فيما تبقى من تلفزيونات وصحف تقليدية. وسط هذه المعركة، لا حديث مطلقا عن أخلاقيات للمهنة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحدي الشجاعة داخل نفق مظلم.. مغامرة مثيرة مع خليفة المزروعي


.. الحوثي ينتقد تباطؤ مسار السلام.. والمجلس الرئاسي اليمني يتهم




.. مستوطنون إسرائيليون هاجموا قافلتي مساعدات أردنية في الطريق


.. خفايا الموقف الفرنسي من حرب غزة.. عضو مجلس الشيوخ الفرنسي تو




.. شبكات | ما تفاصيل طعن سائح تركي لشرطي إسرائيلي في القدس؟