الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شريعة الغاب و الثورة العالمية الثالثة

صلاح شعير

2015 / 8 / 13
مواضيع وابحاث سياسية


نمد أيدينا كعرب نحو الغرب بأغصان الزيتون ، ولكننا نجدهم يطعنونا في ظهورنا بالخناجر ويدمرونا بلادنا في العراق وكل البلاد العربية والإسلامية ، ودائما ما نقول : ليت السلام يسود العالم ، ولكن بعض الأشرار مصممون علي دمار كوكب الأرض ، ومن ثم يحتاج العالم إلي ثورة جديدة لإنقاذ البشرية جمعاء .
فالثورة الصناعية عام 1776 منحت العالم أملا في التطور ، وأتاحت الصناعة كما هائلا من المنتجات الصناعية، ولكن مع بالغ الآسي مثلث الآلة العسكرية حجما كبيرًا من المخرجات الصناعية التي يمكنه تدمير العالم عشرات المرات ، وبدلا من أن تؤدي إلي رفاهية البشر أسفرت عن نمو موجات استعمارية غربية قادتها أوروبا ليتم سلب ، ونهب مقدرات الشعوب ، ولحسن الحظ سقطت الدول الاستعمارية علي حافة الحرب العالمية الأولي والثانية مما أدي لتتحرر الدول من الاستعمار العسكري ، بيد أن الفكر الاستغلالي حول الغزو إلي غزو اقتصادي فأطاحوا بمقدرات الدول النامية ليبقي التسلط كابوسا جاثما علي صدور كل الفقراء.

وجاءت ثورة الاتصالات في مطلع القرن الواحد والعشرين لتؤكد السيطرة العلمية والتكنولوجية الهائلة علي كل مجالات الحياة ؛ بما حول العالم إلي قرية صغيرة ، ورغم هذا النمو الكبير مازال العالم يرضخ ويئن من سيطرة الدول التي تمتلك العلم والمال ، ومازالت الأمور تتحرك وفقا لشريعة الغاب أذن ما هو الحل ؟

ربما يعلق الحالمون بغد مشرق الآمال علي الثورة الأخلاقية والقانونية كثورة ثالثة أو رابعة أيًا كان رقمها كي تنعم كل الأمم بالاستقرار ، وتتجلي صورة تلك الثورة المرتقبة في فكرة العدالة ، ومبدأ سيادة القانون علي المستوي الدولي ، فالثورة القانونية التي يجب أن تتم الدعوة إليها ؛ سوف تقضي علي الحروب ، والطائفية والعنصرية والتطرف ؛ لأن تلك الحروب هي صناعة المتعصبون في كل بقعة من بقاع العالم ، وربما لن يقتنع اليمن المتطرف في الغرب وفي أرجاء أخري بأهمية تلك الثورة القانونية المأمولة إلا بعد أن تزهق مئات الملايين من الأرواح نتيجة الحرب المباشرة أو جرأ الحروب الاقتصادية ، بسبب التصميم علي إفقار الدول الصغرى بالسطو علي مقدراتها .

إن الثورة القانونية أو العدالة حلماً بعيد المنال في ظل الظروف والأفكار الراهنة ؛ ولكنها هي الخلاص الوحيد للبشر علي ظهر هذا الكوكب ، فالنظام العنصري المتبع في مجلس الأمن الدولي يلبي مصالح الدول التي تمتلك حق النقض ( الفيتو ) فقط . ومن هنا تحولت تلك المؤسسة الدولية في عملها إلي صورة من صور العصابات المتطورة التي تحكم العالم في أحيان كثير وفقاً لشريعة الغاب.

لقد ابتكرت الدول الغربية محكمة جرائم الحرب الدولية تحت شعارات حقوق الإنسان ، وهي في الحقيقة شعارات كاذبة ، و يقصد بها أن تفقد بعض الدول السيادة الوطنية علي أرضها فمن السهل أن يتم تمويل مجموعات مسلحة لقلب نظام الحكم هنا أو هناك ، وعندما تتصدي لها الدول تصبح أنظمتها الحاكمة معرضة لتهمة ارتكاب جرائم الحرب ، ويمكن للدول المغرضة الدفع بفوضويين لضرب الاستقرار ، وعندما يتم مواجهة الموجات العشوائية بالعنف تتعرض الحكومات لنفس التهمة ، و هو ما يعني أن الصراع الاستعماري وجد منفذ أقوي يمكنه من تحطيم الاستقرار داخل الشعوب من أجل ضمان السيطرة الاقتصادية ، ولا يوجد مانع من محاكمة طاغية هنا أو هناك لحبك التمثلية .

ومن عجائب الأمور أن الدول التي رفضت التصديق علي ميثاق محكمة جرائم الحرب الدولية مثل الولايات المتحدة الأمريكية هي التي تحيل بعض قادة الدول التي تختلف مع سياستها لهذه المحكمة عبر بوابة الأمم المتحدة التي تعمل وفقا لقانون الغابة .

أن الثورة التي يمكن أن تغير العالم وتقضي علي أمراض التطرف ، وأوهام السيطرة ، والاستغلال هي تحول النظام العالمي نحو مبدأ سيادة القانون و العدالة لتحكم العالم النظم القانونية ، وفقا لنظرية قانونية جديدة من خلال محكمة العدل الدولية بعد إصلاحها لتكون رمزا للعدالة .

وفي عالمنا العربي كمثال لم تكن دعوة التصدي لإسرائيل لأزالتها من الوجود كفكر استراتيجي إلا في إطار حق الرد لتفكيك القدرات العسكرية دون التنكيل بالبشر والأطفال والنساء إيمانا بوحدة الأصل الإنساني ، ويأسًا من غياب العدالة ؛ نتيجة تعمد وإصرار الدول الكبرى علي استنزاف ونهب العالم العربي والبشرية جمعاء من خلف الترسانات النووية ، وهل سيكون حتميا أن تراق شالات من الدماء كي يتم ردع اليمن المتطرف في ربوع هذا العالم حتى يتحرك نحو العدالة مع مولد الثورة القانونية؟

وما هي قيمة العلوم الإنسانية إن لم تؤثر في سلوك البشر وتنزع كل بؤر الشر والعدوان ، ربما يري البعض أن هذا الطرح مجرد شطحات من نسج الخيال ؟ في ظل عالم يحكمه الأقوياء دون منازع ؟ ، فقط دعونا نحلم فحلاوة الحلم ربما تمنحنا بعض اللحظات السعيدة قبل أن نعود لمرارة الواقع من جديد .

(من كتاب صلاح شعير ، الطائفية والتقسيم ، الهيئة العامة للكتاب ، مصر ، 2015)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سرايا القدس: خضنا اشتباكات ضارية مع جنود الاحتلال في محور ال


.. تحليل اللواء الدويري على استخدام القسام عبوة رعدية في المعار




.. تطورات ميدانية.. اشتباكات بين المقاومة الفلسطينية وجيش الاحت


.. ماذا سيحدث لك إذا اقتربت من ثقب أسود؟




.. مشاهد تظهر فرار سيدات وأطفال ومرضى من مركز للإيواء في مخيم ج