الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هوية الفرد فى المجتمع الإنسانى

كريم عامر

2005 / 10 / 16
حقوق الانسان


عندما يعى الفرد أهمية ذاته ويعرف جيدا القيمة الحقيقية لها ، سيدرك على الفور أن الوسيلة المثلى للحفاظ على هويته الذاتية أن ينأى بنفسه عن الإنخراط فى المجتمعات الشمولية التى تعمل على تشكيل الأفراد فى قوالبها المتطابقة طامسة معالمهم .. مذيبة لهوياتهم .. مجهزة على ماتبقى لديهم من صفات تميزهم عن غيرهم .
فالثقة الشديدة بالنفس تدفع الإنسان - حتما - إلى الإنفصال عن العالم ، وبناء دولته المستقلة داخل كيانه الفردى والتى يسيطر العقل على مجريات أمورها ويتحكم فى كل صغيرة وكبيرة داخلها ، وبالتالى فهو الذى يشكل الهوية الفردية الحقيقية دون أن يكون للعوامل البيئية ( الإجتماعية ) أية آثار ملموسة .
والإنسان الذى يؤمن بذاته تفوق قدرته على التفكير وعلى الخلق والإبداع والإبتكار قدرة الإنسان الذى يعتقد أنه ينتمى إلى مجتمع ما ، حيث أن الإنسان الإجتماعى يعمل داخل منظومة قيمية تفرض على عقله خطوطا حمراء تحظر عليه تجاوزها وإلا عد خارجا عن عقدها الإجتماعى ، بينما الإنسان الفرد يؤمن بلامحدودية ذاته ويفكر ويعمل من خلال إيمانه هذا ، فهو إله نفسه وبالتالى .. فهو لا يسأل - داخل عالمه النفسى المترامى الأطراف - عما يفعل ، ومن البديهيات المسلم بها أنه كلما إتسع نطاق الحرية لدى الفرد كلما إزدادت قدرته الذهنية على الإبداع ، والعكس صحيح ، وبالتالى .. فإن تحرر الفرد - بشكل عام وعقله بصورة خاصة - من كافة القيود يجعل عقله هو المسيطر الوحيد على ذاته ومن ثم سيصل حتما إلى قدرة لا نهائية على الخلق والإبتكار والإبداع .
فالفردية إذن تعمل على بناء الإنسان ذو الشخصية القوية التى لم تتداخل خيوطها مع البيئة ( المجتمع ) ومن ثم تعمل على إثراء التنوع الإنسانى والفكرى فى آن ، وخلق أجواء من التبادل المعرفى والثقافى بين الكيانات الفردية بعضها البعض .
إن ضعف شخصية الفرد هو الذى يدفعه إلى الإنخراط فى المجتمع لإلتماس القوة المادية التى تعمل على إخفاء ضعف شخصيته ، وفى ذات الوقت يعزى ضعف شخصية الفرد إلى الضغوط الإجتماعية التى تمارس عليه لإخفاء ذاته الحقيقية خلف أقنعة إجتماعية زائفة ، وبالتالى .. فإن الإنسان ذو الهوية الفردية ( اللاإجتماعى ) هو الذى يتمكن من مقاومة ضغوط المجتمع وينجح فى عملية إستقلاله الذاتى وبناء شخصيته القوية ، ونجاح الإنسان فى مقاومة ضغوط المجتمع يرجع فى الغالب إلى ظروف التنشأة الإجتماعية القاسية التى مر بها فى مرحلة ما من حياته ( الطفولة غالبا ) والتى أكسبته فيما بعد مناعة قوية ضد المحاولات الإجتماعية لإخفاء هويته الذاتية .
إنه لمن الظلم البين أن يستغل المجتمع ضعف الإنسان كى يقولبه داخل الهوية السائدة ، كما أنه من غير المقبول إطلاقا أن يتم التحدث بإسم تجمعات بشرية بإعتبارها تنتمى إلى هويات عرقية أو دينية أو طائفية أو جغرافية .. الخ ، وذالك أن هذه الهويات لم يختارها الفرد بمحض إرادته وإنما تم فرضها من قبل قوى إستغلت منذ قديم الأزل نفوذها لدى الجماعة البشرية للحد من حرية الفرد وتقييدها داخل أطر تصب فى النهاية فى مصلحتها ، وحتى إن إدعى بعض الأفراد أنهم قد إختاروا هذه الهوية أو تلك بمحض إرادتهم فإن إدعائهم هذا غير مقبول لأن خياراتهم فى هذا المجال محدودة - على أفضل الأحوال - إن لم تكن معدومة ، أضف إلى ذالك أن إختيارهم لهذه الهويات يرجع إلى ضعف نفسى ناجم عن الضغوط الإجتماعية التى سبق ومورست عليهم ( سواء بالترغيب أو الترهيب ) لقبول هذه الهوية ، وأوضح مثال يمكن من خلاله إثبات هذا الأمر عملية توريث الهوية بين الأجيال المتعاقبة دون أن يترك للوارثين حرية الإختيار والمفاضلة ؛ أو حتى وضع الهوية الفردية كخيار آخر .
إن الشعارات الجوفاء التى يرددها أعداء الفردية من العنصريين تحت دعاوى العودة إلى التراث أو تعزيز الإنتماء إلى الجذور أو التمسك بتعاليم الدين أو المحافظة على الروابط العائلية .. الخ ؛ يجب أن تواجه بحزم وقوة حتى تحفظ للفرد حريته ويحافظ على قدسيته ويؤكد على وجوده كعضو فعال فى المجتمع الإنسانى الكبير ؛ وحتى نقطع الطريق على إنتهازية أرباب المصالح العليا الذين يضعون نصب أعينهم إخفاء ذات الفرد الحقيقية بأقنعة إجتماعية مزيفة .
لقد كانت الجماعات البشرية - ولا تزال - تعاقب من يسعى إلى تفتيت وحدتها وتعده خارجا عن عقدها الإجتماعى ، ولقد ثبت للبشرية على مر عصورها أن تعدد الهويات الإجتماعية هو الذى ساهم بشكل فعال فى خلق حالة من العداء والكراهية وساعد فى تأجيج جذوة الصراعات وإشعال نيران الحروب المدمرة بين أطراف المجتمع الإنسانى ، فمن باب أولى يجب على المجتمع الإنسانى أن يتصدى لكل من يحاول إثارة النعرات القومية أو الطائفية أو العرقية أو الدينية وكل ما من شأنه أن يؤثر على الهوية الفردية ويقوض من إستقرار المجتمع الإنسانى .
إن تشجيع الهوية الفردية يصب فى نهاية المطاف فى مصلحة المجتمع الإنسانى بأسره ذالك أنه يعمل على إثراء التنوع البشرى والفكرى ، الأمر الذى يساهم بفعالية فى خلق أجواء من التبادل المعرفى والثقافى والحياتى بين الكيانات الفردية داخل المجتمع الإنسانى اللامحدود فكريا والمحكوم بديمقراطية كياناته الفردية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تونس.. مؤتمر لمنظمات مدنية في الذكرى 47 لتأسيس رابطة حقوق ال


.. اعتقالات واغتيالات واعتداءات جنسية.. صحفيو السودان بين -الجي




.. المئات يتظاهرون في إسرائيل للمطالبة بإقالة نتنياهو ويؤكدون:


.. موجز أخبار السابعة مساءً - النمسا تعلن إلغاء قرار تجميد تموي




.. النمسا تقرر الإفراج عن تمويل لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفل