الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ناس تأكل الكباب...

عماد حياوي المبارك
(Emad Hayawi)

2015 / 8 / 13
كتابات ساخرة




لم تخلُ ذكريات أي عراقي من (سالفة) عن الكباب، عندها تشتهي الأنفس ويسيل له اللعاب.
هنا بأوربا ولكي نحضى بوجبة كباب عراقية، قد يتطلب الأمر أن (نتعنّى) عدة عشرات من الأميال وندفع كراجيات لسياراتنا كي نحضى بمطعم أكراد حيث وجبة كباب شهيّة وطرشي أحمر وعمبة ولبن وخبز عراقي حار.
في العراق الوضع مختلف وأسهل بكثير والمهم أن النكهة ألذ، فمهما أجتهد الطهاة (الكبابجية) فيها في الخارج تبقى مختلفة عنها بالعراق، وببساطة فسر (الخبطة) العراقية للكباب تتعلق بنوعية وطعم اللحم العراقي، وهو حسب ظني كون الخروف (يُجاهد) من أجل رزقه فيكون أقرب لطعم اللحم البري والذي هو ألذ من التربية، وهذا الأمر نفسه في الطيور البرية والأسماك وغيرها.
وكم راهن المصريون في الثمانينات أن ينتجوا كباب من اللحوم المستوردة، كانت نتائجهم مُخيبة للآمال بأحسن الأحوال، ويكتشفها المتذوقون بسهولة.
ونفس المسألة بطعم الفواكه والخضر، فالمشمش والخوخ القيسي والبطيخ والخَلال وغيرها، تجد أن الشجرة بالعراق تجاهد من أجل بقاءها ونموها في تربة قاسية ومياه غير نقية خالصة وبتسميد بدائي ووسط بيئة قاسية وآفات زراعية تفتك بها، وبالتالي فمن ينشأ بصعوبة وبشحة في كل شيء، أكيد يكون ألذ و(العيون) تترقبه أكثر.
وهذا الأمر مختلف مائة وثمانون درجة مما نراه هنا بأوربا، فشجرة التفاح مثلاً تحمل بضعة عشرات الكيلوات في غضون عدة سنوات وهي بطول مترين، وبقليل من التسميد، لإن الطبيعة تتكفل بسقيها والمحافظة عليها، كذلك الدابة فهي تجد الحشائش في كل مكان حولها، فتأكل المزيد بدون جهد لتخزن الغذاء شحوم بين اللحم.
إذاً الطبيعة لها الكلام الفصل بطعم ونكهة الأطعمة، فالبيئة بأوربا تسمح للحيوان والشجر بالنمو بسهولة وتحصنهم من الآفات الزراعية فتطرح منتوج ولحم وفير لكنه لا يضاهي طعم ولذّة انتاج بيئة وأرض وماء العراق.
× × ×
كان يتردد على محلنا بشارع النهر صديق يأتي للسوق كي يتبضع من تجار الجملة، وعندما يجوع يتذكر أن يزورنا، ومع أنه كان يدفع ثمن نفر الكباب لأبو العباس ـ كبابجي شارع النهر ـ لكن كان يتطفل ويزعجنا حين يتناوله ويترك صينيته ويمضي.
ولنا معه مواقف، كانت كأجراس الإنذار كي يحس ويتركنا، أحدها وأول ما وصل (نفر الكباب) له وبدأ بإفتراسه، كانت الكلبة (لواكة لُبي) له بالمرصاد، تراصفت في مدخل الدكان بإنتظار عطفه عليها الذي طال إنتظاره، فقمتُ (نيابة) عنه مرحباً بتواجدها ومبرر له أن تواجدها مصدر تفاؤل لنا، (فناوشتها) شيش كامل، ولما إعترض صاحبنا، قلت بأن المسألة كتجربة أن نرى كيف يقوم الكلب بتناول شيش كباب.
لكن تبريري ذهب بمهب الريح، فلم يكن لدى الكلبة وقت أو جهد يتطلب عملية ابتلاعه التي استغرت رمشة عين دون مضغ ولا حتى أحساس بمتعة!
بقينا نعمل (مقالب) بهذا الصديق كلما يأتي بصينية كبابه عندنا، كي (نتوّبه) عسى أنه لن يكرر ذلك، ففي أحد المرات أوصى له نفر الكباب، وبينما دخل ليغسل يديه، زارنا أحد الأقرباء ممن كان على (كد حاله) ومعه ولده في سن العاشرة، فدعَونا الصبي ليأكل الكباب قبل عودة صاحبنا من المغسلة، وبينما تردد الصبي وجد أبوه الفرصة لإبنه أن يتمتع بالكباب، فحثه أن ينقض عليه بشكل غير طبيعي.
عند عودة صاحبنا، لم يجد من اللائق أو الإصول طرد الولد وقد تلوثت يداه وفمه بوجبة كباب حارة شهية، فحلف (صاحبنا) أن لا يجلس بالمحل ولا يأكل الكباب في محلنا، وهو ما كنا نرجوه. وقرر لكي (يتمتع) بوجبته كاملة، أن يجلس عند أبو العباس على صفيحة (تنكة مزنجرة)، واكتفى بأن يأتي ليغسل يداه ويشرب الشاي.
قلنا: مو مشكلة، أرحم من دوخة وزفرة الكباب، وعلى رأي المثل، ناس تاكل الكباب وناس. تتلكة التراب!
× × ×

في جانب هادئ من شارع العرصات، يقع مطعم (...) وكان لي أنا زوجتي وولديّ الصغار فيه في العام 1998 جلسة عائلية بمناسبة ذكرى زواجنا العاشر، كان المطعم يتحلى (بأتيكيت) وأجواء رومانسية وموسيقى على الكمان.
جميع أكلات المحل من شعبة الكبابيات والكفتيات، أي لحوم حمراء مفرومة، جاءت المنيو ومن ضمنها... (كباب أورفه لي).
(هذا نريد ناكلة) قلت للكرصون بعد أتفاق الآراء.
كان انتظار الطبق قارب الثلاث أرباع الساعة، جاع الأولاد ومسكوا بطونهم، وكنا نترقب الزبائن يأكلون ولينتهون ويغسلون أيديهم ويشربون الشاي، ونحن بإنتظار التمتع بكباب (أورفه لي)!
جاءنا الطبق وكان عبارة عن كُفتة بماء طماطم مشوية، وقد ترطب اللحم وغدا... مركة كباب!
(خبزة أضافية ماكو، صحن عوازة ماكو)... صاح بنا الكرصون.
وعلى رأي أخوتنا المصريين ـ أخذنا (بعضنا) ـ وذهبنا قرب بيت أهلي بحي القادسية حيث محل فلافل (أبو رياض)، أوصينا لفات دبل حلت مشاكل الجوع وإسترحمنا الدنانير الحلوة التي من خلالها تشرفنا بمعرفة كباب (الأورفه لي) وقلنا...
(لا تتورط وتأكل كباب اورفه لي، لأنك راح بطعمة وبسعرهِ تبتلي)!
× × ×

كنتُ في الثمانينات أخرج مع أحد أولاد عمي لبيع بضاعة ذهبية في الحلة والنجف وكربلاء، والمشوار اسبوعياً يبدأ الظهر وينتهي بعد منتصق الليل...
كان السوق جيد والربح وفير نتقاسمه بعد خصم المصاريف، وكلما يزداد معدل أرباحنا، نحضي أنفسنا عند العودة في الليل المتأخر بعدد (شياش) كباب أكثر، نوصيها (فريش) من صاحبنا المصري (أنور) بمطعمه بطريق عودتنا تحت اشجار النخيل عند أطراف مدينة المحمودية.
يقوم (أنور) بتقطيع اللحم من فخذ خروف (فريش) أمامنا ويفرمه ويضعه على تخت خشبي ليضيف له بصل وملح، ثم يقلبه ويدفعه لصينية تحت التخت، لكنه يكون قد هيأ مسبقاً (عجينة) كباب من لحم (هندي) مستورد في صينية أخرى وضعها بظل الأنوار بحرص شديد، ويبدأ يشيّش اللحم الهندي المفروم بهدوء وهو يتحدث معنا ووأمام أعيننا ليبدو لنا أنه اللحم العراقي!
المشكلة أنه يحاول بالبهارات والملح أن يوهم الجميع بأنه لحم الغنم العراقي فيتكلم ويشكو لنا أرتفاع أسعاره، ويدفعنا لترك (بقشيش) له كونه لا يرفع أسعار كبابه.
(أنور) وبعد انتهاء يوم عمله يكون قد أكمل تجهيز (الخبطة) العراقية ليقدمها فطوراً لزبائنه أبناء المنطقة في صباح اليوم التالي، زبائن يمكنهم تمييز اللحم العراقي من الهندي بسهولة...
لم نكتشف هذا الأمر إلا لاحقاً، عندها ضحك مجموعة فلاحين من رواد المطعم، وقال أحدهم بصوت عالٍ فيه نبرة المشتفي بنا، بأنه يمكن فقط لأهل بغداد أن نميزون (اللحم) الهندي على شاشة السينما، لكن ـ والحديث بخباثة له ـ ابن الريف الأصيل لا يحكم على طعم اللحم إلا بعد أن (يتذوقه)، حينها يكتشف هل هو هندي أم محلي!

عماد حياوي المبارك

× كان لا يبخل (أنور) أن يناول (الكلاب والبزازين) بعض القطع، ربما ـ قال ابن عمي ـ دفع بلة على أفعاله... الله اعلم!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وفاة زوجة الفنان أحمد عدوية


.. طارق الشناوي يحسم جدل عن أم كلثوم.. بشهادة عمه مأمون الشناوي




.. إزاي عبد الوهاب قدر يقنع أم كلثوم تغني بالطريقة اللي بتظهر ب


.. طارق الشناوي بيحكي أول أغنية تقولها أم كلثوم كلمات مش غنا ?




.. قصة غريبة عن أغنية أنساك لأم كلثوم.. لحنها محمد فوزي ولا بلي