الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إنتقام ..

قاسم حسن محاجنة
مترجم ومدرب شخصي ، كاتب وشاعر أحيانا

2015 / 8 / 13
الادب والفن


إنتقام ..
كعادته ، كل صيف ، يحضر عبد الحفيظ إلى البلاد لزيارة العائلة والأصدقاء من الدنمرك ، التي يعيش فيها منذ عقود ... ولكي يضمن خصوصيته وخصوصية عائلته فقد بنى بيتا في البلدة ، لكي لا يُشكل عبئا على أحد .
يقضي الصيف في الزيارات واللقاءات مع الأصدقاء ، ويُشارك برغبة كبيرة في كل المُناسبات التي يُدعى إليها ، دون أدنى إهتمام بالمصروفات الكبيرة ، وخاصة "نقوط العرسان "، على شكل "اوراق مالية " تُقدَّم لصاحب الفرح ، ترتفع قيمتها كلما كان صاحب العرس قريبا أو صديقا عزيزا ، والنقوط يتسببُ في العادة إلى إحداث ثقب في الجيب . فقد درجت عادتنا على تقديم "نقوط " لكل عريس أو عروس يدعونا الى حفلة زفافه . وإلّا فسوف "يزعل" عليك أصحاب الفرح والذين ما يكونون عادة من الأقارب ، المعارف أو الجيران .
وموسم الأعراس "همٌّ" كبير على ذوي الدخل المحدود ، لكن ما من مفرّ..!! لكن عبد الحفيظ لا يهتم بذلك ، فالذين يدعونه قلةٌ ، وايام تواجده في البلاد قصيرة، بحيث لا يتكلف مبلغا ضخما ..
إلتقينا وسافرنا معاً في رحلة الى جنوب البلاد ، وكانت ذكريات الطفولة والصِبا المبكر ،"مائدة " سفرنا الطويل .... تذكرنا وتذاكرنا نهفات وذكريات موجعة ضحكنا لها بصخب .
-هل تتذكر الأُستاذ "توفيق " ؟! سألني
- ومن لا يتذكر ؟؟ أجبتُه ..
لقد كان هذا الذي لا "يستحق " لقب أستاذ ،شخصا ساديا ، هكذا شخّصتُ حالته بعد أن كبرتُ ..
يدخل إلى الصف ، عابسا وغاضبا ، يبحثُ عن سببٍ للإنفجار كقنبلة موقوته ... وفي الصف ، الأجواء مكهربةٌ ، التلاميذ يرتعدون متوقعين الأسوأ .
يكون قد تأبط عصا عريضة بدل الكتاب ، يبحث بين الوجوه عن شيء مثير للريبة أو الشك ،ولا يهم أي شيء . ضحكة مكبوتة ، مشاكسة بين إثنين ، طبشورةٌ على أرض الغرفة ..وحينما تُعييه الحيل ، يطرح سؤالا تعجيزيا ...!!
-بماذا تشتهر السويد ؟ صدمنا بسؤال ..
بالكاد سمعنا بالسويد ..!! ولكي نتخلص من الورطة ، بدأنا بإجابات تكهنية ..
بالصناعة ؟؟ الزراعة ؟؟ الساعات ؟؟ الأهرامات ؟؟ قال أحدهم... وكانت إجابته لا تتغير .. لا... لا.. لا .. وهو يتلذذ بحيرتنا وخوفنا ..
-شيءٌ تستعمله امهاتكم يوميا ...!!
الفرن ؟ الطنجرة ؟ طشت الغسيل ؟ السكين ؟ ليفة الجلي ؟ الثياب ؟؟ لا.. لا.. لا..
-إنه بابور الكاز ، أو البريموس ..!! كل الصف "سيأكل قتلة " !!
ويبدأ بضربنا بقسوة ونشوة ، دون تمييز ..
طبعا فهمتم بأن درسنا لم يكن عن السويد ولا عن البريموس ..!! وهو ، كان معلم تاريخ ودرسنا عن التاريخ القديم ..!!
لا يمر أسبوع ، دون أن يُحضّر لنا مفاجأةً من هذا النوع ..!! وهات يا ضرب ..
وذات يوم ، شاكس صالحٌ أحمدا ، فغضب أحمد الذي كان يجلس في المقعد الأمامي ، لأنه صغير الحجم وقصير ، فشتم صالحا ً .. وهو أمر عادي بين الطلاب ، لولا أنه حدث في درس الاستاذ توفيق ...!!
تلقفَ "الاستاذ" هذه "الهدية" غير المتوقعة ، وفجّر قنبلة غضبه في أحمد ، ضربا بالعصا ولطما بالكفوف ..
وفيما أنا سائرٌ على قدمي في البلدة قبل سنتين ، توقفت الى جانبي سيارة ، يُطل أحمد برأسه من شباكها ويدعوني بفرح للصعود ..
فرقت بيننا الأيام ، وأعادت لم شملنا في مناسبات غير متوقعة .. وأحمد الذي كان صغير الجسم ، أصبح بقدرة قادر، طويلا ، بل يفوقني طولا ، أنا القصير .. درسَ الرسم في كلية مرموقة ، أقام معارض وحظي ببعض التقدير .. لكن وبما أن الفن لا يُطعم خبزا ، قرّر العمل في مهنته التي أكتسبها من العمل مع إخوته الكبار ، مهنة النجارة ..
لكنه ليس نجاراً كباقي النجارين ، فهو نجارٌ فنان ، وأُشتُهر بذلك ..خاصةً في أوساط الذين لا يُحبون الأثاث الجاهز ، أو لدى الذين لديهم ذوق خاص ، وهم على استعداد وقدرة لدفع الثمن الباهظ الذي يطلبه أحمد ..
ما أن جلستُ الى جانبه ، حتى بادرني بالسؤال :
-هل تذكر "القتلة " التي "أطعمني" إياها أستاذ توفيق في الصف الثامن ؟
- وشو جابها على بالك ؟ (لماذا تذكرتها ،يعني ) ،سألتُه ..
- ذاتَ يوم وبعد أن توفيت زوجته ، وقرّر الزواج بأُخرى ، جاءني الاستاذ الى المنجرة وطلبَ مني أن أقوم بتصليحات وتجديد على الخزائن والأسرة في البيت ، لكي تكون لائقة بعروسه الجديدة . وهو يطمع بأن "أتساهل " معه في الأسعار ، لأنه "من علمني حرفا كنتُ له عبدا " ، هكذا قال ..
وعدتُه بذلك ، وفي الوقت المحدد ، كنتُ في بيته ، "تملقني " مُرحباً ، وتفقدتُ الأثاث في البيت ..
-أستاذ ، هذا أثاثٌ متهريء ولا يصلح لإستقبال زوجة جديدة ..
-ما الحل إذن ؟ سألني
-أن تُغيّره ..!! أجبتُ بثقة العارف ، يقول أحمد.
- ما باليد حيلة ، فليكن ..وأمري الى الله ..!! قال الاستاذ توفيق مستسلما ، فهو متعجل لكي يضمه والزوجة الجديدة بيت ..
صنعتُ له خزانة وسريرا زوجيا جديدا ، وتقاضيتُ منه سعرا عاليا ..!!
-ما ألغريبُ في الأمر يا أحمد ؟؟ الرجل حصل على أثاث جديد ، وأنت تقاضيتَ أُجرة جيدة !! قلتُ مستنكرا..!!
- أنتَ لا تفهم ..!! قال أحمد . لقد كان أثاثه القديم جيدا وصالحا ، بل وممتازا وله قيمة ، وليس بحاجة الى تغيير ..!! لقد انتقمتُ "للقتلة " إياها ، ودفّعته ثمنها ألافا مؤلفة من الدولارات ..
كانت قد مضت ما يقاربُ من الخمسة عقود ، ما بين "القتلة " والإنتقام .......!!
قهقه عبد الحفيظ بعد سماعه لقصة أحمد الذي انتقم لنا جميعا .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - العنف
.ماجدة منصور ( 2015 / 8 / 13 - 12:48 )
ان الغلظة و الشراسة و العنف هي ميزة الأستاذ العربي بامتياز0
حالنا،نحن الاناث، مع مدرساتنا لم تكن أفضل حالا فهم قد تربوا على ثقافة العنف0
سعدت بمقالك0
احترامي


2 - اهلا عزيزة ماجدة
قاسم حسن محاجنة ( 2015 / 8 / 13 - 14:58 )
مرحبا بك ونورتي
الهالة الرومانسية للمعلم في بلادنا هي مجرد كلام فارغ .
كاد ان يكون رسولا ، ومن علمني حرفا .
مع احترامنا للشرفاء والانسانيين ففي مهنة التعليم هناك أناس يعانون من اضطرابات وانحرافات .
وفي أجواء القمع الرسمية ، لا يمكن ان يكون جو المدرسة ديموقراطيا .
تحياتي
ولكنها مع ذلك قصة قصيرة !!


3 - العزيز قاسم حسن محاجنة الورد
عبد الرضا حمد جاسم ( 2015 / 8 / 14 - 06:54 )
باقة ورد لكل من ورد اسمه في هذه القصيرة القصة الطويلة و لكاتبها
يمكن ان تُقرأ من قهقة عبد الحفيظ الاخيرة الى حضور عبد الحفيظ من الدنمارك و يبقى المحور هو الاستاذ توفيق و اللقاء بعدالفراق
اكرر التحية


4 - الاخ العزيز عبد الرضا المحترم
قاسم حسن محاجنة ( 2015 / 8 / 14 - 09:08 )
باقات الورد لك ولتعليقك الجميل
رغم أن الأستاذ توفيق قد توفي ، فهو يفرض -حضوره- علينا رغما عنا
تحياتي


5 - معلم الامس ومعلم اليوم
عتريس المدح ( 2015 / 8 / 14 - 18:27 )
في نفس اللخظة التي أنكر فيها على بعض معلمي زمننا الماضي عنفهم و أساليبهم في الضرب والتعذيب، أو أن أنوه إلى أن جزءا ليس باليسير منهم كان مخلصا متفانيا في عمله محبا لطلابه
لكن وفي نفس اللحظة أرثي الى معلمي اليوم الذين يتبعون أساليب تربوية جديدة وهم يتألمون من هزء ومسخرة ومقالب طلابهم فيهم وشظف العيش الذي يعيشونه نتيجة تدتي رواتبهم ومكانتهم الاجتماعية
اضافة إلى خيبتهم نتيجة عدم تمكنهم من ايصال رسالتهم التعليمية بصناعة جيل متعلم مبدع حيث أدين السياسات التعليمية التي لاتمكنهم من الحياة بل وتذلهم و لا تمكنهم من ايصال رسالتهم خيث تعمل هذه السياسات على زرع الجهل وتنمب قلة العقل
عزيزي قاسم تحياتي لك و لابطال قصتك وتحياتي الى حبيبنا وعزيزنا عبد الرضا حمد جاسم


6 - الغالي عتريس المدح
عبد الرضا حمد جاسم ( 2015 / 8 / 14 - 19:15 )
محبـــــــــــــــــــة و ســـــــــــــــــــــــلام
لك تحياتي و شكري ايها الكريم
و سلام لتلك الربوع الجميل و تلك الوجوه الطيبة
مع امنيات بالسلامة و تمام العافية
و اكرر التحية للغالي قاسم محاجنة


7 - القضية مترابطة وشائكة
قاسم حسن محاجنة ( 2015 / 8 / 14 - 19:23 )
تحياتي عزيزي عتريس
نعم ، ليس الجميع كالاستاذ توفيق ، لكن عنف المعلمين منتشر .
اما بالعودة الى الدائرة السحرية ، تدني الأجور يؤدي الى ان الذين يختارون مهنة التعليم او يدرسون في كليات تأهيل المعلمين هم من ذوي الحظوظ المتدنية لدخول كليات مرموقة وتدر لاحقا راتبا كبيرا .
فالمشكلة في الأصل هي في -تعامل - الدولة مع مهنة التعليم والتعليم .فعلى سبيل المثال ، ففي بعض الدول من يُقبل في كليات تأهيل المعلمين هم الشريحة الأذكى وصاحبة افضل معدلات وعلامات في الدراسة الثانوية .
في سنغافورة على ما اذكر ، اهم كلية هي كلية تاهيل المعلمين وتتفوق على كليات الطب والعلوم .
لذا تدفع الدولة اجورا تتناسب مع قدرات هؤلاء .
كل هذا لا ينفي بأنه ومن بين شريحة المعلمين هناك من يعانون من اضطرابات نفسية وعدم قدرة على التعامل مع الغضب الذاتي .
موضوع شائك وشكرا للتعليق الهام .
يجب ان تحدث ثورة في جهاز التعليم
خالص مودتي


8 - عزيزنا عبد الرضا الغالي
قاسم حسن محاجنة ( 2015 / 8 / 14 - 19:25 )
البيت بيتك
وانت اخ غال وعزيز
محبتي


9 - الاستاذ قاسم محاجنة
امال طعمه ( 2015 / 8 / 16 - 12:09 )
احيانا الكلام اقسى من الضرب هنالك موقف من معلمة وانا في الابتدائي ما زلت اتذكره بغضب واعجب انني سكت وقتها ولم اشتكي لاحد من ذلك ربما مثلا خجلت من الموقف او حسبت كلامها صح
بذلك الوقت كنا نرى الكبار دائما على حق ليس كايامنا هذه
ذكرني مقالك بها واو لكني لا استطيع الانتقام اذن سماح هههههه
تحياتي


10 - العزيزة امال طعمة المحترمة
قاسم حسن محاجنة ( 2015 / 8 / 16 - 12:20 )
تحياتي
قد ينتقم لك زميل او زميلة ........هههههههه
يومك سعيد


11 - سيد قاسم
جميلة ( 2015 / 8 / 21 - 17:57 )
أضحكتني قليلاً، و دعني أخبرك هناك معلمة للصف الثاني ابتدائلي كنت امقت بل استعجب عجب العحاب طريقة تعاملها، و حتى لا أطيل عليك، كان باقي الأطفال التلاميذ يخشونها، وجدت زميلة لي في السنوات المتقدمة تخبرني عن المعلمة - أبلة غولة-، و عن أسرتها

زوجها رجل مدمن، أطفالها يشبهون الأب، و هي بصراحة قوية الشخصية صوتها مخيف عينيها جاحظتين، و لكني ما لبثت أن رايتها في السنوات الأخيرة بعد أن تخرجت من الجامعة، وجدتني شابة هادئة طموحة في حالي- استنظرتْ أن استعطفها بتحية وسلام.. و في النهاية وجدتُني اخرج من واجهة محل البقالة دون حتى أن أجاملها كما توقعتْ..

ماذا يريدون أن نستنظر منهم و العلاقة شائكة و مبنية على المصلحة، لأنه لا أحد في مجتمعنا مسموحا له أن يكون
و هناك تفاصيل و قصص أخرى عن أساتذة يصحكونني قليلا- هل أنا قليلة الاصل اني لا أجامل بالتحيات، أم انني غير لحوحة على افتقاد الذكريات..

على العموم.. راحة البال هي المبتغى و هي ليست بمتناولهم!




12 - العزيزة جميلة تحياتي
قاسم حسن محاجنة ( 2015 / 8 / 21 - 18:03 )
واهلا بيكي
بنينا تصورا للمعلمين ، وكأنهم انبياء ورسل . والحقيقة هي بأنهم كأي مجموعة بشرية ، فيهم من كل نوع ..
فيهم الطيب والشرير ، فيهم العطوف وفيهم الحاقد ، فيهم اللطيف وفيهم العنيف .
لك خالص شكري

اخر الافلام

.. فـرنـسـا: لـمـاذا تـغـيـب ثـقـافـة الائتلاف؟ • فرانس 24 / FR


.. الفنانة نجوى فؤاد: -أنا سعيدة جدًا... هذا تكريم عظيم-




.. ستايل توك مع شيرين حمدي - عارضة الأزياء فيفيان عوض بتعمل إيه


.. لتسليط الضوء على محنة أهل غزة.. فنانة يمنية تكرس لوحاتها لخد




.. ما هي اكبر اساءة تعرّضت لها نوال الزغبي ؟ ??