الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التشيع الخضرائي

حسين كركوش

2015 / 8 / 13
مواضيع وابحاث سياسية


حسين كروش

التشيع الخضرائي

يفرق الباحثون في الفكر الشيعي (المفكر الإيراني، علي شريعتي ، مثلا) بين نوعين من التشيع. الأول التشيع العلوي ، والآخر التشيع الصفوي.
التشيع العلوي هو التشيع الأصيل أو الصافي أو النقي أو العفوي. أي التشيع في بداياته الأولى عندما كان ثورة ضد الطغيان السياسي وضد التفرد بالسلطة ، و مع إلغاء الفوارق الطبقية و تحقيق العدالة الاجتماعية، والاعتماد على المعايير المبدئية و على الكفاءة والنزاهة، بعيدا عن التحزب والمحاباة.
باختصار ، أنه تشيع الحياة ، أو تشيع الواقع ، أو تشيع الحاضر المتجدد.

التشيع الثاني هو التشيع الصفوي ، الذي اقترن بالصفويين. وهذا التشيع يعيش في التاريخ أكثر مما يعيش في الحاضر والمستقبل ، ويهتم بالشكليات والمبالغة في الطقوس والمناسبات المذهبية ، ويعتمد في وجوده واستمراريته في إذكاء وتأجيج الخلافات المذهبية والقطيعة مع الأخر المختلف ، ونبش التاريخ وتحويله إلى حاضر.

وفي رأيي أن الباحثين سيتوقفون عند نوع ثالث من التشيع هو ما أسميه التشيع (الخضرائي / نسبة للمنطقة الخضراء ) الذي ظهر في العراق عام 2003 وما يزال.
التشيع الخضرائي هو معضلة أو مأساة أو محنة أو بلوى لم يخلقها للشيعة خصومهم. فمن يقود الحكم في العراق هم شيعة ، وهم يملكون سلطة الدولة وسلطة المال وسلطة الكلام (الإعلام). هذه البلوى خلقتها الإسلاموية الشيعية (أحزاب وحركات سياسية ، مليشيات مؤيدة لها ، سياسيون معممون يدافعون عنها بشراسة ، خطباء مساجد وحسينيات يحرقون لها البخور). هولاء كلهم يتحملون وزر انتشار مهزلة التشيع الخضرائي.

التشيع الخضرائي لا يمت بأي صلة للتشيع العلوي ، و يعيد أنتاج التشيع الصفوي ، لكن بطريقة مستنسخة أكثر سوادا.

(التشيع الخضرائي) ممارسات سريالية لا تُضاهى في غرائبيتها وعجائبيتها وفي تناقضاتها ، ولم يعرفها التشيع منذ نشأته.
إنها المرة الأولى في تاريخهم التي يصاب بها الشيعة في العراق بمرض انفصام الشخصية الجماعية ، بطريقة تراجيكومديية ، لكنها قاتلة و مميتة.

فلأول مرة في تاريخ التشيع العراقي ، كما أظن ، تظهر قطيعة ويظهر تعارض صارخ بين الإمام أو المرجع أو القائد الروحي للشيعة ، وبين طبقة سياسية شيعية حاكمة يردد أفرادها ليلا ونهارا أنهم يقتدون به. ولأول مرة تظهر قطيعة قاتلة بين عامة الشيعة وبين حكامهم الشيعة.
فمن جهة ، يوجد المرجع الأعلى للشيعة أو إمامهم أو قدوتهم أو قائدهم الروحي أو زعيمهم ، الذي هو حاليا ، السيد علي السيستاني.
السيستاني يمثل ويجسد التشيع العلوي الأصيل النفي الصافي. فهو يعيش حياته بعيدا عن كل مظاهر البهرجة ، مشرعا أبواب داره لمن يريد من الناس . و ما يزال السيستاني يحافظ على (لوغو) الشيعة والماركة المسجلة بأسمهم ، أي الحصيرة المفروشة على الأرض التي يجلس عليها ، ويعيش حياة الزهد و الكفاف ويسكن في دار مستأجرة ومتواضعة جدا. السيستاني يدعو ويحث ، بإلحاح ، على التسامح و المغفرة والصفح. السيستاني لا يريد حكومة دينية ولا يقبل ولاية الفقيه ويدعو (العمامة) الشيعية أن تنأى بنفسها عن ممارسة العمل السياسي.
وظل ينتقد أداء الحكام الشيعة ، ثم طردهم وأغلق باب المرجعية أمامهم.


لكنك تجد من ناحية أخرى القادة السياسيين الشيعة ، الأفندية منهم والمعممين ، في الحكومة وداخل البرلمان. هولاء يطيعون المرجع السيستاني في الأقوال لكنهم يتصرفون بالضد تماما مما يفعل المرجع ويقول.
هولاء السياسيون ، الأفندية منهم والمعممون ، يرددون أنهم يقلدون المرجع السيستاني ، وكانوا قد رفعوا رفعوا صوره في أول انتخابات ، وهتفوا وقتها (تاج تاج ع الراس سيد علي السيستاني). و عندما يذكرون أسم السيستاني فأنهم يسبقون أسمه بكلمة (المفدى) ، أي أنهم يفدونه بأرواحهم. لكن لو فحصنا أفعالهم لتأكد لنا أن كل ما يقولونه عن السيستاني هي (ثرثرة). فهم يفعلون بالضد مما يقوله السيستاني ويفعله.
إنهم يركبون سيارات مدرعة مظللة ويؤسسون مصارف و شركات تجارية ، ويملكون حسابات مصرفية ، ويتمترسون داخل قصور وقلاع لا يمكن أن يصلها شيعي حتى لو كان من (علية) القوم ، فما بالك بالشيعي الفقير المعدم. وهم يطالبون ، عكس السيستاني ، بوجود حكومة دينية و تطبيق ولاية الفقيه. والمعممون منهم أو ما يسمون أنفسهم علماء دين ، غارقون في العمل السياسي حد النخاع ، عكس ما يطالب به المرجع السيستاني. ورغم أن المرجع السيستاني طردهم وأغلق أبوابه أمامهم ، ألا أنهم ما يزالون يصرون على الاحتماء تحت عباءته ، ويتاجرون بأسمه.

ومن جهة ثالثة ، تجد الجسد الشيعي العراقي بأكمله يعيش قطيعه مع حكامه الشيعة. الملايين من جياع الشيعة يتظاهرون في مدنهم ضد قادتهم الشيعة السياسيين ، الأفندية منهم والمعممين ، في الحكومة وفي البرلمان.
أليست هذه لوحة سريالية ؟
أليس هذا انفصام في الشخصية الجماعية الشيعية ؟

إن هولاء الشيعة الجياع المحرومين المهمشين يكادون أن يصابوا بالجنون وهم يقارنون بين تقوى و زهد وعدل إمامهم علي بن أبي طالب ، وبين أفعال حكامهم الشيعة الحاليين الذين خذلوهم دون أن يردعهم أي رادع أخلاقي وديني ومذهبي ، والذين لم يحسنوا شيئا غير التباهي بعدد المحابس في أصابعهم وبطرق قص لحاهم.
لسان حال هولاء الشيعة الجياع يقول ( يا علي يا علي ، أهل المحابس واللحى نزعوا الغيرة يا علي والمستحة ) ، بل هم قالوا ذلك علانية (بأسم الدين باكونه الحرامية. منريدكم كلكم حرامية) !!!

هل حدث مثل هذا قبل فترة التشيع الخضرائي ؟

وفي فترة التشيع الخضرائي اختفت ( خشبة ) دعبل الخزاعي وحلت محلها بطولات عنترية ينسبها لأنفسهم على شاشات التلفزيون أفاقون وأدعياء.
وفي فترة التشيع (الخضرائي) اختفى عمار بن ياسر وسلمان الفارسي والحر الرياحي ، وحل محلهم (ممثلون كوميديون) يضعون الوشاح الأخضر العلوي على صدورهم ويديرون قدور الهريسة أمام كاميرات التلفزيون ، حتى إذا إذا انطفأت الكاميرات عادوا لقصورهم وقلاعهم يتحصنون بها ويراجعون داخلها حساباتهم المصرفية.
وبعد أن كان ( القلم ) وسيلة الشيعة الوحيدة لإقناع الآخرين ، أصبحت الكلاشنكوف المليشاوية في فترة التشيع (الخضرائي) وسيلة لإسكات الآخر المختلف.
وفي حقبة التشيع الخضرائي أختفى أبو ذر الغفاري ومالك بن الأشتر وظهر رجال مليشيات سمموا حياة الناس ، وإذا لم يجد قادتهم من يقتلونه اقتتلوا فيما بينهم ، وخطف أحدهم الآخر ليبقيه رهينة عنده.
و في فترة التشيع الخضرائي ، تحول التشيع من أطروحة فكرية سياسية بمضامين ثورية اجتماعية طبقية ، إلى فن إجادة (الخرطات التسع). غاب علماء التشيع ومناضلوه وشعراءه ومجتهدوه ، و غابت من الذاكرة (كيمياء) جابر بن حيان ، وحلت محلها ثقافة (الجكليتة) التي تشبع عشيرة.
وفي حقبة التشيع الخضرائي غاب (الكاظمون الغيظ والعافون عن الناس) ، وغابت لغة نهج البلاغة ، وبدأ قادة و أعيان الشيعة يستخدمون لغة (أطلع بره أدبسز. أخليكم تحت نعالي. أكسر أسنانهم. معلمين المدارس اتلث أرباعهم مطايا.)
وفي هذه الحقبة اختير (حمامة المسجد) وزيرا للتجارة فتحول في اليوم الثاني متهما بالاحتيال وسرقة أموال اليتامى والأرامل ثم موقوفا في الحبس ثم هاربا من وجه العدالة.

وفي حقبة التشيع الخضرائي أصبح عالم دين في مدينة العمارة (مناف الناجي) منتجا ومصورا وبطل أفلام خلاعية !!

وفي هذه الفترة غابت ( ظبية البان ) التي كانت ترعى في ( قلب ) الشريف الرضي وحللن محلها سليطات لسان يتبارين أيهما أكثر من الأخرى في القسوة وفي المطالبة بسفك الدماء.

هذا على صعيد الحكم. أما فيما يخص التعامل مع حياة الناس ونمط عيشهم وسلكوهم وطرق تفكيرهم ، فأن التشيع الخضرائي حول الحياة إلى مقبرة.
الفرد الشيعي في فترة التشيع الخضرائي أصبح دمية ملفوفة بالسواد و خزان دموع متنقل ، لا يعرف البهجة و لا الفرح ولا المسرات ، يتلفت حوله إذا أبتسم ، خشية أن يضبطه حراس الفضيلة وهو يقوم بهذا المنكر.
و إذا تجرأ الناس وعبروا عن فرح و ابتهاج فأن أسلحة التفسيق والتهم الشنيعة بانتظارهم: ( ينفذون عملية خرق وغزو ثقافي وأخلاقي / يريدون تغيير الهوية الدينية والثقافية / أصابع مجهولة تقف وراء مشروعهم / أقوالهم وأفعالهم أقرب إلى الشيطان والبدعة والتشبه بالغرب / إنهم كلاب ضالة من قوم لوط / مصيرهم أن يرموا في مزبلة التاريخ (هذه التهم كلها قيلت ونشرت بالحرف الواحد بحق مجموعة من شباب النجف احتفلوا بما يسمى عيد الحب قبل ثمانية أشهر.)
أما إذا غنى الإنسان وطرب في حقبة التشيع الخضرائي فتنتظره ليس أسلحة التفسيق و وإنما أسلحة التفخيخ ورمي جثته على أرصفة الشوارع.
وهذه حياة لم يعرفها حتى أكثر الشيعة ورعا وجهادية في القرون الماضية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رغم المعارضة والانتقادات.. لأول مرة لندن ترحّل طالب لجوء إلى


.. مفاوضات اللحظات الأخيرة بين إسرائيل وحماس.. الضغوط تتزايد عل




.. استقبال لاجئي قطاع غزة في أميركا.. من هم المستفيدون؟


.. أميركا.. الجامعات تبدأ التفاوض مع المحتجين المؤيدين للفلسطين




.. هيرتسي هاليفي: قواتنا تجهز لهجوم في الجبهة الشمالية