الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دراسات (Derasat) .. و دراستها لإيران

موسى راكان موسى

2015 / 8 / 13
السياسة والعلاقات الدولية


عمدت دراسات (Derasat) إلى إقامة ندوة بعنوان : "التدخلات الإيرانية الرسمية في الشئون الداخلية لمملكة البحرين .. الدلائل و المؤشرات" . و الندوة كانت في الإعلان عامة , و هذا ما دفعني إلى التورّط و الذهاب , و ما إن وصلت هناك حتى قال أحد الموظفين الصغار أن الندوة بدعوة و ليست عامة ! , و أقترح عليّ أن يكلم المسؤول علّه يفعل شيء لأجلي . و لا أدري إن كان الموظف النحيل أحب أن يستعرض فيتاميناته عليّ , أم أن الندوة قد تكون تحوّلت من عامة إلى خاصة بفعل حضور رئيس هيئة الأركان اللواء الركن دعيج بن سلمان آل خليفة , أو قد يكون سبب التحوّل هذا في كوني لم أكن مرتديا الزي الأرستقراطي الخليجي _الدشداشة بالغترة بالعقال_ و جئتهم بقميص متواضع بالجينز ! .

و لحسن الحظ أن ما قد تم تناوله بالندوة تم عرضه في الصحافة في اليوم التالي , و إن كان بشكل مُعدّل و مُختصر . و على ما يبدو فإن الندوة تقسمت إلى المحاور التالية :
موقف وطني جامع – تصاعد الخطاب الإيراني – إما الزوال و إما البقاء – 15 مليون إيراني تحت خط الفقر – دول الخليج تواجه / لا تواجه دولة – تغيير الثوب دون السياسة – لمواجهة مشروع إيران .


* و أبرز ما يجذبنا فيما وضع تحت عنوان محور (( موقف وطني جامع )) , هو :

"جاءت أوراق عمل و مداخلات الندوة (...) لترصد مؤشرات التدخل بشكل علمي" , و أيضا , "مسئولية كبيرة على عاتق مركز «دراسات» تلزم إيضاح الصورة الحقيقية" . فهل كانت ندوة دراسات علمية ؟ , هذا ما سنتعرّض له .


* فيما يتعلق بمحور (( تصاعد الخطاب الإيراني )) :

و يرد المدير التنفيذي الدكتور خالد الرويحي على سؤال : "لماذا تصاعد مستوى خطاب مؤسسات الحكم في إيران ضد مملكة البحرين و بعض دول مجلس التعاون؟" , بالتالي :
"تناول بدقة أنواع التدخلات الرسمية و تعدد مستوياتها و أسلوب تبادل أدوارها ، رابطا كل ذلك بتناقض و تداخل مؤسسات الحكم في إيران و من يحكمها" , و يكمل , "من أجل فهم الأسباب الخفية وراء تصاعد مستوى الخطاب الإيراني (...) لابد من أن نبدأ من النهاية ، قاصدا بذلك الإتفاق الإيراني مع مجموعة 5+1 بخصوص الملف النووي" . و من بعد الإشارة إلى إنقسام المحللين بشكل عام , بين من يرى الإتفاق مع مصلحة إيران , و من يراه ضد مصلحة إيران , يقول الرويحي "نحن نعتقد أن الإتفاق ضد إيران ، و هذا ما تحاول الإدارة الأميركية و بعض الدول الغربية المُشاركة في الإتفاق إيصاله إلى دول مجلس التعاون ، و نحن نريد أن نناقش القضية من منظور استراتيجي أصيل ، فإذا كان الإتفاق ضد مصلحة إيران ، لماذا وقعت عليه بموافقة المرشد الأعلى ؟ و هنا نخلص إلى أن المرشد هو الذي يقول نعم أو لا و ليس رئيس الجمهورية ، فلماذا وافق المرشد مادام الإتفاق ضد مصلحة النظام الإيراني ؟" .

في البدء الرويحي مع من يعتقد بأن الإتفاق ضد إيران , و يؤكد أن الولايات المتحدة الأمريكية و الدول الغربية تحاول أن توصل هذا الأمر لدول مجلس التعاون , إلى هنا الوضع مُستقر , حتى تبدأ السفسطة بالعمل تحت عنوان (( نقاش قضية من منظور إستراتيجي أصيل )) ! :
" فإذا كان الاتفاق ضد مصلحة إيران ، لماذا وقعت عليه بموافقة المرشد الأعلى ؟" , قد يتوهم القارئ فيستنتج أن الإتفاق مع مصلحة إيران و هو عكس ما يعتقده الرويحي . لكن الرويحي لديه إستنتاج آخر " نخلص إلى أن المرشد هو الذي يقول نعم أو لا و ليس رئيس الجمهورية" ! . و يعيد الرويحي التساؤل مرة أخرى "لماذا وافق المرشد مادام الإتفاق ضد مصلحة النظام الإيراني ؟" . و يجيب الرويحي بكل ثقة:
"السبب الأكيد أن الإتفاق النووي هو الحل الأخير الذي يخرج إيران من مأزق الإرهاب الذي جلب لها الويلات" ! .

و ما يمنع الرويحي من أن يستبدل دول المجموعة و على رأسهم أميريكا في تساؤله بإيران , هو ذاته الذي يمنعه في أن يكون علميا : السطحية الساذجة . و يا للمصيبة إن أضفت بعض السفسطة عليها ! .


* أما تحت محور (( إما الزوال و إما البقاء )) , فالعجن و الغمضنة فجّتان و ثقيلتان :

"إن من الأسباب الخفية ، تلك التي تتعلق بفشل النظام الإيراني في تحقيق الهيمنة الإقليمية (...) لكنها نجحت في إحداث بلبلة في المنطقة و هز إستقرار بعض الدول ، لكن لم تتمكن من بسط هيمنتها ، ثم لابد من النظر إلى سبب مهم للغاية و هو قرار «عاصفة الحزم» الحاسم لقادة دول مجلس التعاون ، علاوة على وصول النظام الإيراني إلى منعطف تاريخي خطير : إما الزوال و إما البقاء ضمن شروط ، و هذه هي الأسباب التي دعت إيران للتوقيع على الإتفاق النووي" .

رغم رغبتنا إلى النزوع مع الرويحي إلى تأكيد هذا (( الفشل في تحقيق الهيمنة )) , إلا أن (( الفشل )) و (( النجاح )) يقتضي : (( الحسم )) , فنحن لسنا بصدد خطاب إعلامي , إنما يصدد طرح علمي . و هذا (( الحسم )) لم يأتِ بعد , و حتى لو لم يكلل المشورع الإيراني بالنجاح , فهذا لا يعني أنه فشل , بل يعني أنه لا يزال يحاول النجاح , بمعنى آخر هو في منطقة ما بين (( النجاح )) و (( الفشل )) .

ثم وضع هذه الحالة بالإضافة إلى عاصفة الحزم , و المنعطف التاريخي الخطير _الذي لا نعرف ما عساه يكون !_ , كأسباب خفية دفعت إيران لتوقيع الإتفاق , هراء متعالي لا أدري كيف تحملته آذان المستمعين . الإتفاق لم يكن مع طرف واحد , و الذي يوّد الرويحي أن يجعله كذلك (إيران) , بل كان بين طرفين , و هو ما يجهله الرويحي , أو يتجاهله .

و بقية المحور يتحدث الرويحي عن غرامياته بكتاب جوزيف ناي (( القوة الناعمة .. وسيلة النجاح في السياسة الدولية )) , و الذي سبق إن تناولناه ضمن طرحه في مقالة سابقة له .


* إما في محور (( 15 مليون إيراني تحت خط الفقر )) , فيبدأ بالحديث عن كون عاصفة الحزم هي سبب توقيع الإتفاق النووي _و لا أدري ما الرابط العجيب_ . ثم يبدأ بالحديث عن سوء الوضع الداخلي الإيراني مركزا على الفقر و الإعدام .


* أما في محور (( دول الخليج تواجه / لا تواجه دولة )) , ينتقل الحديث إلى الباحث أشرف كشك , و الذي يبدو أكثر إختصاصا و وضوحا من الرويحي إلا أنه يماثله في السطحية , إذ يقول _بعد الإشارة إلى أن دول الخليج تواجه مشروع لا دولة_ :

"إذا أدركنا أبعاد هذا المشروع الحالية و المستقبلية سنرى أن إيران تسعى الى أن تكون القائد الإقليمي" . و قد تطرق إلى "مادتين في الدستور الإيراني هما (154 - 152) ، و فيهما إشارة إلى دعم إيران للمستضعفين في العالم بشكل يتناقض مع عبارة : «و لا تتدخل في الشئون الداخلية للدول الأخرى» . و إشارة أخرى مضمونها الدفاع عن المسلمين في العالم ، لتنصب نفسها مدافعة عن المسلمين" .

فكل دولة لا تواجه دولة أخرى فقط , بل مشروعها أيضا الذي يتجاوز الدولة ذاتها , و هذه بديهية (على ما أعتقد) . الدولة في النهاية ليست إلا أداة , و من السخافة القول _على سبيل المثال_ : أن السيف يواجه السيف , أو البندقية تواجه البندقية , بل صاحب السيف يواجه صاحب السيف الآخر , و كذلك هو ذاته مع صاحب البندقية .

و أما السعي إلى إستحصال موقع (( القائد الإقليمي )) , فهو سعي و طموح لا ينحصر في إيران , بل إن كل دولة (و نقصد السلطة) تظن أنه بمقدورها أن تكون (( القائد الإقليمي )) , لن تزهد في سعيها هذا . و أما مسألة نصرة المستضعفين و عدم التدخل في الشأن الداخلي , فهو ينطبق على كل الدول , سواء أكان موجود علني (كما دستور إيران) أو موجود ضمني (كما هي خطابات معظم الدول) , و تتفاوت كل دولة عن الأخرى , بل الدولة نفسها تتفاوت في ذلك على مراحل زمنية أو تجاه الدول الأخرى .


* أما في محور (( تغيير الثوب دون السياسة )) , فيقول كشك :
"أنه تتبع الخطاب الإيراني منذ العام 1979 و استنتج أن الثورة الإيرانية لم تنته ، لكنها مستمرة عبر التحوّلات الإقليمية ، و مشروعها يقوم على ركائز منها جيواستراتيجي و منها التفوق العسكري و بُعد أيديولوجي" . و بسبب هذه التحوّلات الإقليمية "لجأت إلى تغيير ثوبها و لباسها دون تغيير سياستها ، و شكلت شبكة من العلاقات السياسية رسمية و غير رسمية" . أليست السياسة في النهاية هي أدب الصراع الطبقي ؟! . لكن رغم رزانة حديث كشك إلا أنه يبتذل مصطلح (( الثورة )) , و لعل هذا يعود إلى إبتعاده عن التحليل الإجتماعي , و هو ما يتضح أكثر في الآتي :
"و أطلع كشك الحضور على عملية رصد التصريحات الرسمية [الإيرانية] (...) ما يشكل تأثيرا على الشيعة في المنطقة" . هنا لا يكتفي كشك بسطحية مشابهة لسطحية الرويحي , بل يقع في وحل التجريد , و لعل ذلك _كما تمت الإشارة له سابقا_ يعود لإبتعاد كشك عن التحليل الإجتماعي . فالأمر يتجاوز مجرد أن تصريح إيراني بالتالي تأثير على الشيعة في المنطقة , الأمر يجب أن يدرس المنطقة ككل بما فيها من الشيعة [إجتماعيا] , ثم الإجابة على السؤال : لماذا يتأثر الشيعة في المنطقة بالتصريحات الإيرانية ؟ _هذا إن سلمنا بصيغة السؤال و صحته_ .


* أما في محور (( لمواجهة مشروع إيران )) . فلخص كشك المواجهة في :
"تركيز الإهتمام بالداخل الإيراني و تعزيز النفوذ الخليجي و توحيد السياسات الخليجية تجاه إيران (...) فالتدخلات الإيرانية عمل ممنهج متفق عليه بين مؤسسات الحكم في إيران" . هو بإختصار (( مشروع خليجي )) في مقابل (( مشروع إيراني )) , و ما يثير الأسف في كون الكشف عن (( المشروع الإيراني )) كان سطحيا جدا و المؤكد أنه لا علمي , بعيدا عن أي تناول إجتماعي أو إقتصادي سياسي . بالتالي ما يثير التخوّف هو كون (( المشروع الخليجي )) , إن قام على هذا الكشف أو ما شابهه , هو رد عملي لنتيجة تشخيص يعتريها ما يعتريها من الغلط و الخلط و النقص .

و إنتهى هذا المحور كما يبدو بعرض مُمِلل عن مؤسسات الحكم في إيران , كي تبدو الندوة علمية ! .


و في ختام الندوة أجمعت الآراء على :
"العمل على إجراء المزيد من الدراسات و وضع الاستراتيجيات لكل المحاور المهمة كمنهج علمي يهدف إلى قراءة المخاطر من كل الجوانب" . و ليس لنا أن نجيب عن سؤالنا [هل كانت ندوة دراسات علمية ؟] , إلا بكتم الغيظ و شعور الشفقة .


===============================


من سوء حظ القائمين في الندوة على الحديث , في عدم إطلاعهم على آخر تصريح لوزير الخارجية جون كيري بخصوص الإتفاق النووي , و أحسب _و كلي حسن نية_ أن حديث الندوة ككل قد يتغيّر , فيما لو إطلعوا . و نقلا عن موقع روسيا اليوم الإخباري :

" أكد وزير الخارجية الأمريكي جون كيري ، الثلاثاء 11 أغسطس/آب ، أن الدولار لن يبقى عملة الإحتياط في العالم في حال عدم موافقة الكونغرس على الإتفاق النووي مع إيران" . إذ يقول :
"في حال رفضنا الإتفاق فهذا يعني وصفة سريعة جدا أيها الأصدقاء لكي يتوقف الدولار الأمريكي عن أن يكون عملة الإحتياط العالمية" , و أضاف في مؤتمر صحفي _في حالة عدم القبول بالإتفاق النووي مع إيران_ :
"في حال تصرفت الولايات المتحدة بهذه الطريقة فلن نخسر دعم بعض شركاء الولايات المتحدة في مجال العقوبات فحسب ، بل أيضا دعمهم في حال قررنا اللجوء إلى القوة العسكرية" .


ألا ليت كلمتك هذه يا كيري تصلهم , علّهم يتعلّمنون حقا و جدية في دراساتهم .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. #ترامب يهدي #بايدن أغنية مصورة و النتيجة صادمة! #سوشال_سكاي


.. التطورات بالسودان.. صعوبات تواجه منظمات دولية في إيصال المسا




.. بيني غانتس يهدد بالانسحاب من حكومة الحرب الإسرائيلية


.. صحفيون يوثقون استهداف طاي?رات الاحتلال لهم في رفح




.. مستوطنون ينهبون المساعدات المتجهة لغزة.. وتل أبيب تحقق