الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ديموقراطية الاحتلال..!

هادي فريد التكريتي

2005 / 10 / 16
ملف 15-10- 2005 الديمقراطية والاصلاح السياسي في العالم العربي


في العام 1917 ، عشية انتهاء الحرب العالمية الأولى ، و سقوط الدولة العثمانية ، ظهرت على الخريطة السياسية العالمية ، دولة العمال والفلاحين ، على أنقاض دولة روسيا القيصرية ، ذات نهج تحرري ، مخاطبة شعوب العالم ، وبالذات شعوب الشرق ، بالتحرر والخلاص من ربقة الاستعمار وهيمنته ، وقد دعمت ثورة أكتوبر الشعوب المناضلة من اجل حريتها واستقلالها ، وأقامت علاقات مع أحزابها الوطنية والديموقراطية التي كانت في بداية تشكليها ، وأقدمت على فضح المعاهدات والاتفاقيات السرية التي أبرمتها الدول الاستعمارية ، آنذاك ، فيما بينها لتقسيم العالم ، وخصوصا المشرق العربي . وقد تمخضت فترة الحرب العالمية الأولى ، عن ثورات وطنية مطالبة بالجلاء والاستقلال ، كما حدثت في مصر وسوريا والعراق ضد الأنكليز والفرنسيين ، تشكلت جراءها حكومات شبه مستقلة بواجهات وطنية ، شرعت دساتير ضمنت بعض الحريات للشعب ولقواه السياسية في تشكيل أحزاب ونقابات وجمعيات ، طالبت هذه القوى بالحرية الكاملة ، والاستقلال الناجز ، بجلاء القوات الأجنبية وإلغاء المعاهدات الثنائية الجائرة ، التي ُعقدت في ظروف غير متكافئة ، بين قوات احتلال غازية وحكومات صنيعة لا شرعية لها .
إن دخول القوات البريطانية إلى العراق واحتلال أرضه وتقييد شعبه بمعاهدات واتفاقات جائرة ، لم يكن بهدف تحرير الشعب العراقي من الحكم العثماني ، الذي أذل العالم العربي بجوره وظلمه ، ولم تكن الغاية منه تأسيس حكم دستوري ، يمنح الحرية والديموقراطية للشعب العراقي ، إنما كان للسيطرة على منطقة استراتيجية مهمة ، اقتصاديا وجغرافيا وسياسيا ، تؤمن حماية خطوط المواصلات ، كما تؤمن الطاقة والغذاء لقوات صاحبة الجلالة البريطانية المسيطرة على العالم آنذاك كله ، وما كانت تفكر بريطانيا وقياداتها العسكرية المحتلة بمصالح العراق وشعبه ، لذلك فإنجازاتها في العراق ـ إن كانت هناك إنجازات بالمعنى الدقيق ـ كانت تحصيل حاصل لما كانت تحتاجه قواتها العسكرية من خدمات لخطوط مواصلاتها ، البرية والبحري والجوية ، وتأمين مصالحها في مستعمراتها التي لا تغرب عنها الشمس ، وشعار الحملة البريطانية على العراق كان جئنا " محررين لا فاتحين " الذي صدقه البعض من قادة العراق الجدد من المتعاونين مع بريطانيا ، وحاولوا إيهام الشعب العراقي بمصداقيته .! كان مضللا ولم يكن حقيقيا ، فبريطانيا ، حكومة وشعبا ، كانت تمارس حكما ديموقراطيا على كل الصعد ، داخل أراضيها ولشعبها ، أما في داخل مستعمراتها فكانت تمارس التمييز والقهر والاستغلال ، فالعراق لم يجن من الحكم البريطاني سوى إفقارا لشعبه ونهبا لخيراته وسلبا لحرياته ، فبدلا من بناء المدارس والجامعات ، شيدت الإدارة البريطانية السجون والمعتقلات حماية لقواتها ، وتقييدا لحرية المواطنين وطلائع الشعب الوطنيين المناهضين للاحتلال ، فسجن نقرة السلمان الصحراوي ، كان وسيبقى شاهدا على زيف الحرية والديموقراطية التي حملتها قوات الاحتلال للعراق ، وما تحقق للعراق من حريات نسبية ، وتأسيس مدارس وكليات ، وإيفاد الدارسين للخارج ، وإنشاء بعض المصانع والمعامل وورش العمل ، أغلبها ، كانت جهودا وطنية خالصة ، ونتيجة لنضال الشعب العراقي طيلة الحكم الوطني ، فالمستشارون السياسيون البريطانيون ، الممثلين لقوات الاحتلال ، في كل وزارة ومؤسسة عراقية ، كانت تعرقل كل مسعى طموح يحقق تقدما أو يخلق ظرفا افضل لتقدم ورفاه الشعب ، ومن هذا المنطلق مارس الوطنيون العراقيون ، نضالا على كل المستويات ، من أجل إسقاط النظام الملكي صنيعة الاحتلال المعادي لطموحات وأماني الشعب ، فكانت أغلب قيادات الحركة السياسية ، الوطنية والديموقراطية ، والنخب الثقافية ، مقتنعة أن الحرية والديموقراطية لا تمنح من قبل محتل أو حاكم ، مهما كانت مسوغات ادعاءاته ، كما لا يمكن أن تفرضها ، أو تحققها ، قوى خارجية مهما كانت قدرتها وقوة باسها ، إنما ، الحرية ، والمساواة ، بين المواطنين ، ومساواة المرأة بالرجل ، وعموم الحقوق الديموقراطية ، يتم انتزاعها عبر النضال السياسي والمطلبي الدؤوب . وتدريب الجماهير الشعبية صاحبة المصلحة الحقيقة في الدفاع عنها والتمتع بها عند تحقيقها .وللاحتفاظ بهذه الحقوق وديمومتها ، ضرورة ممارستها في كل مجالات الحياة وميادينها ، البيت ، المدرسة ، ومكان العمل ، . إن إشاعة التعليم في كل مراحله ، ضرورة وحق لكل مواطن ، من أجل تعميق وعيه الوطني بالقضايا الوطنية والديموقراطية والسياسية ، وتمتعه بحريته وفق دستور تضمنه الدولة ، بتشريع قوانين مقيدة ومحددة لتجاوزات السلطة التنفيذية على الفرد ومؤسسات المجتمع المدني ، الرقيب والمدافع عن الحقوق العامة والخاصة بالمواطن والوطن .
فالمحتل البريطاني ، للعراق منذ العام 1914 وحتى نهاية الملكية المرتبطة به في العام 1958، لم يحقق شعاره المضلل " محررين لا فاتحين " بل حقق المصالح الاستعمارية ، وكذلك هو الحال بالنسبة للشعارات التي رفعتها الإدارة الأمريكية ، عند إعلان حربها على العراق واحتلالها له ، كانت كلها زائفة ، بدء من " أسلحة الدمار الشامل " ومرورا ب " الحرب على الإرهاب "وانتهاء ب " ديموقراطية العراق " النموذج الأمريكي المقبل لكل " منطقة الشرق الوسط " فالهدف الحقيقي هو تحقيق المصالح الأمريكية بالدرجة الأولى ، وكل حديث عن الديموقراطية وحقوق الإنسان ضمن المواصفات الأمريكية نسج من الخيال ، وإلا كيف نفسر تشريع إدارة بريمر لقانون " إدارة الدولة " ضمن المواصفات الطائفية والمحاصصة العنصرية ، المناقضة كليا لكل توجه ديموقراطي .! وماذا ننتظر من تشريع مسودة الدستور الجديد غير التشردم والتجزأة والتوجه نحو بدايات حكم إسلامي ـ طائفي . ؟ فعلى الرغم من أن قانون إدارة الدولة ، كان قد شرع لفرقة طائفية وعنصرية ، ينتهي مفعولها بانتهاء مفعوله في إقرار دستور جديد بعد حكم انتقالي قصير ومؤقت ، فإن مسودة الدستور الجديد ، المصاغة وفق المخطط والفهم الأمريكي لمصالحه ، قد كرست الطائفية والعنصرية بشكل دائم وهذا بعيد كل البعد عن الديموقراطية ومفاهيمها ، ووضعت ألغاما ، تتفجر تحت أقدام العراقيين في كل منعطف وحارة ، وشرعت الأساس لاضطهاد طائفي مقبل في الكثير من أبوابها وموادها ، وتحقق الديكتاتورية للولي الفقيه ، ورسمت المستقبل لقيام دويلات هزيلة عنصرية وطائفية متناحرة ، تسهل المهمة على المحتل ، الأمريكي ، لأن ينفرد بفرض تواجده في مناطق وأزمان هو يختارها ولعشرات من السنين القادمة ، ستؤثر على عموم منطقة الشرق الأوسط ، تحقق له الهدف والغاية التي جاء من أجلها .! فأمريكا لا يهمها من يحكم بل ما يهمها هو تحقيق مصالحها ، وعراق بهذه الخريطة غاية الطموح في تحقيق مكاسب لها ، أفلا يشكل الواقع العراقي ، المتسم بهذه خطورة ، خطرا قادما على باقي البلدان العربية وقواها السياسية وخاصة الديموقراطية واليسارية ؟! وألا يثير هذا الوضع أمام القوى السياسية في العالم العربي قضية جديرة بالبحث والمناقشة عن أساليب جديدة ، لنضال كل بلد على حدة أولا ، وثانيا على عموم العالم العربي ؟ .
تتعقد مهام القوى الوطنية والقومية في العالم العربي بشكل عام ، واليسارية والديموقراطية بشكل خاص ، في نضالها من أجل إصلاح أوضاع بلدانها السياسية والديموقراطية ، وفي تنفيذ برامجها الوطنية والاجتماعية من أجل حياة أفضل لشعوبها ، ضمن واقع مربك ومعيق ، ليس لنشاطاتها الجماهيرية فقط بل لما يعتري مواقفها من تناقض وتذبذب ، وعدم وضوح رؤيا ، وعدم فهم لسياسات ومواقف حكوماتهم المعادية للديموقراطية والحرية ، السياسية والاقتصادية ، فالاصطفاف مع السلطة في قمعها وتسلطها والانجرار خلفها ، بحجة التدخل الأمريكي في الشأن الوطني ، يبعد هذه القوى عن جماهيرها ويزيد من عزلتها ، وللخروج من تبعة تحمل مسؤولية سياسة السلطة ، يتوجب على هذه القوى إعادة تقييم مواقفها من العراق والشعب العراقي ، بعد سقوط النظام البعثفاشي ، ومعالجة ما يعتبرونه ( مقاومة للاحتلال ) ، ظاهرة الإرهاب التي تسود العراق حاليا ، ضمن علاقات التضامن مع الشعب العراقي ، وإدراك الوضع المأساوي لمستقبل العراق ، وهذا ما يتطلب عقد لقاءات مع القوى الوطنية والديموقراطية واليسارية العراقية ، للخروج بموقف موحد يعالج المواقف المختلف عليها ، ومن ضمنها الموقف من القوات الأمريكية والأجنبية في العراق ، إن لم تتدخل القوى الوطنية والديموقراطية واليسارية العربية في ما يجري بالعراق من إرهاب ، ومحاربتها له ، بالضغط على حكوماتها للوقوف بشكل جدي وحازم إلى جانب الشعب العراقي ، فالإرهاب قادم لا محالة إليهم ، أولا نتيجة لسياسات هذه الحكومات وما تضعه بيد الإرهاب من إمكانيات تستدعي التدخل الأمريكي لا محالة ، وثانيا على القوى السياسية العربية أن تتذكر عودة الأفغان العرب بعد سقوط أفغانستان وانتشارهم في الكثير من البلدان ، وما مارسوه من قتل وتقتيل لأبناء الشعب الجزائري والمصري وفي اليمن ولبنان بعضا منه ، فإن انتهت مهامهم في العراق فإلى أين سيتوجهون ؟ إن بقيت الحال على ما هي عليه في العراق وفي الكثير من البلدان العربية ، فلن يفسح في المجال لكل القوى السياسية ، على مختلف توجهاتها الفكرية ، للعمل بحرية لتنفيذ برامجها السياسية والاجتماعية ، ولن تفوز سوى الحكومات التي تضحي بكل مصالح شعوبها من أجل أن تبقى تمارس القهر والطغيان ، وتنفذ لأمريكا خانعة ومطيعة كل ما يطلب منها ، ولن تخسر سوى القوى المناضلة لرفاهية الإنسان والمناهضة لكل ظلم وطغيان ، وفي ظل مثل هذه الأنظمة الذليلة والمتخلفة ، يصعب الحديث آنذاك عن أوضاع ديموقراطية وقيم حضارية وحقوق إنسان .
فالنضال من أجل إشاعة الديموقراطية في المجتمع ، و التمتع بدستور يضمن حرية الرأي والعقيدة والتنظيم السياسي والمهني ، وإشاعة منظمات المجتمع المدني ، وإجراء انتخابات برلمانية حرة ونزيهة ، على أساس البرنامج لكل حزب أو منظمة ، ومن دون زج الدين في الشأن السياسي العام ، كفيل بأن يضع المواطن أمام خياراته التي يراها في الفئة أو الشخص الذي يحقق طموحاته ، وآنئذ لن يصل إلى قبة البرلمان من هو غير جدير بتمثيل المواطن ، وطالما كانت الديموقراطية هي الحكم ، السائدة من دون إكراه أو تزوير ، فلا ضير أن يصل من يصل ، ولا خوف إن كان من تيار إسلامي أو غيره ، طالما يكون مؤمنا بتداول السلطة وسيادة القانون ، ومتمتعا بثقة المواطن ، ويسعى لإشاعة مظاهر التحضر والرفاهية في المجتمع .
تتحسن أوضاع شعوبنا إذا تحسنت مجمل أوضاع البلدان العربية، وهي بحاجة ماسة لإصلاح حقيقي في أنظمتها السياسية ، والبداية من رأس السلطة ، فمن يقفز إلى السلطة ، نتيجة لانقلاب سياسي.! أو عسكري يحاول أن يبقى في السلطة ، هو شلته ، حتى آخر لحظة من حياته ، وهذا يشمل كل الحكام العرب ، دون استثناء ، وهذا نتاج تخلف فكري وحضاري ، وعدم إيمان بالمواطن وقدراته ، اعتقادا من هؤلاء الحكام ، أنهم خير ما أنتج الشعب والمجتمع ، وإن هؤلاء الرؤساء أو الحكام ، لم تلد غيرهم ولادات شعوبهم ، فعليهم أن يتموا الإحسان لشعوبهم ، حتى يهيأ الله لهم من لدنه بديلا..! فالرئيس يعدل الدستور من أجل تمديد ولايته ، ليس لمرة أو مرتين بل لمرات ، لماذا ؟ لأن الشعب متمسك به ! زورا وبهتانا ، ,وإن بلغ من العمر عتيا ، أو عجل الله برحيله ، عُدل الدستور لصالح ولده المراهق ! وإن طولب هذا الحاكم بتعديل الدستور للصالح العام انبرت أصوات الردح معارضة ، فخصوصية البلد لا تسمح ، فما هي خصوصية البلد في تعديل قيد على مرشح الرئاسة ، مثلا ،الذي فرضها الحاكم الواحد الأحد .؟ فالعرب نشأوا وتربوا على حب وعشق القديم الموغل في قدمه ، وهذا سبب من أسباب انحطاطنا وتأخرنا ، فالإصلاح السياسي هو ما يجدد المجتمع ومؤسساته ، وهذا ما نحتاجه في كل مؤسساتنا ، وهو ما يجب أن يتم وفق الحاجات الضرورية والموضوعية لحياة المواطنين دائما وباضطراد ، وفق التطور الزمني وما تمليه الحاجة لذلك ، وهذا ما تمارسه كل أنظمة الدول الديموقراطية ، إلا حكوماتنا ، فهي تجري " إصلاحا " ولكن بالمقلوب ، أي بما يقف حجر عثرة أمام تطور المجتمع وتقدمه ، ونتيجة لهذه "الإصلاحات " نفقد تطور العشرات بل المئات من السنين ، نحل بديلا لها التخلف ونورث مجتمعاتنا الانحطاط ، بحجة خصوصية المجتمع ، وعدم تقبله للجديد ، من قيم حضارية ومدنية تسود مجتمعات راقية ومتقدمة ، لذلك فأنظمتنا بحاجة لمن يجبرها على الصلاح والإصلاح ، وليس مثل الثورات ما يحقق هذا .! ولكن أين هي هذه الثورات ؟ فقد اندثرت وتلاشت وحل بديلها القطب الأمريكي الواحد ، وهذا لن يرضى إلا بديموقراطية الاحتلال ، كما هو واقع في العراق..!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لحظة إسقاط مسيرة إسرائيلية بعد استهدافها في أجواء جنوبي لبنا


.. كيف ستتعامل أمريكا مع إسرائيل حال رفضها مقترح وقف إطلاق النا




.. الشرطة تجر داعمات فلسطين من شعرهن وملابسهن باحتجاجات في ا?مر


.. مظاهرة في العاصمة الفرنسية باريس تطالب بوقف فوري لإطلاق النا




.. مظاهرات في أكثر من 20 مدينة بريطانية تطالب بوقف الحرب الإسرا