الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحنين الى الذاكرة

مصطفى حمدان
كاتب وشاعر

(Mustafa Hamdan)

2015 / 8 / 15
الادب والفن


ضباب ينساب في مخيلتي ، يبعثِرُ الأشياء ويُبعِدها خلف نقطة ضوء تتلاشى بسرعة
تأخذ معها اشكالاً ووجوه وأسماء عرِفتُها عند البداية ، أُحاول أن استعيد شيء
أو أوقِفُ ضياع وفقدان مخزَن ذاكرتي ، لأحافظ على أبسط الأشياء وأجملها
لتبقى في ركنٍ غير قابل للفقدان ، والتغير أو الانحراف
هي ثمة أشياء لَمْ تُنسى ، لأنها كانت البداية ، بداية تكوين الذاكرة ، وسفر المخيلة
الى البعيد ، ولا يهم تأثيرها إن كان حزناً ألماً أو فرح ، أو مجرَد أحداث عابرة
هي الذاكرة الأولى ، الحصاد الأول ، الحب الأول ، الخوف الأول ، المفاجئة الأولى
وأول دمعة ، وأول ضحكة ، هي أول الكلام وأول الصور ، تبقى أبدية مغروسة
في صلب الذاكرة ، لا يُغيرها الزمان ، ولا المرض
وبين الحين والآخَر ، ترجِع لتوقظ الأشياء المنتشرة المتلاشية ، لتجمَعَها لتكون الصورة الأولى
الوجوه الأولى ، وأول الأحداث ،لتُبقي الذاكرة حية ، تنبُضُ دماً وحياة ، وتعلِن البقاء

كان وجه أُمي ، كان وجه أبي ، وكانت السماء رمادية ، وخلف الأفق جبالٌ عالية ومجهول
ما لا تعرِفه مخيلتي ، وأصغر الأشياء في ذاكرتي كانت العصافير ، وكان الوطن
والسفر إلى المدينة كانت أطول المسافات وأبعدُها وأكثرها غربة
كنت أخاف البرق والرعد ، ظننته يقتُل العصافير ، لأنها كانت تختفي
وشجر السرو ما كان يحجُب عل مخيلتي أن تذهب إلى البعيد
وها أنا الآن بعيدٌ خلف كل البحار ، خلف ألف مدينة ، وراء كل الأشجار
كدتُ أنسى وجهه أُمي ، وجهه أبي ، وعتبة الدار
ونسيت لون السماء ، ولم أعد أرى هنا في المدن البعيدة ، جبالٌ أو عصافير
والألوان اختلطت وتغيرت الأشياء والأسماء
فالنجم في السماء خان الأثر والمسافر والطريق
وفقدت بوصلة الرجوع إلى أول الأشياء وأجملها
حيث كان أمي ، أبي ، والوطن

يا ايتها الساكنة في لحمي ، التي تختبئ بين عظمي وجِلدي
دليني إلى أقرب الطرق وأقصرها ، لأجمَعَ شظايا الذاكرة المنسية
واعطيني الوقت والزمان ، لكي أُسمي الأشياء باسمها ، واُميز ألوانها الشاحبة
لأحدد مَن انا ، لأضبط بوصلة الرجوع إلى المكان
ودعيني أستعيد بعض مِن الذاكرة
لأصف أولُ وجهٍ رأيته منذ الصغر
لأول كلمة نطقتها عند الفِطام
لأول خطوة خطوتها في فناء الدار
وابقي في دمي لتبتل عروقي بدفئ الحياة ودورتها الدموية
أنا لم أنسى مَن تكوني ، ومَن أكون أنا
ولكني سئمت كل المحاولات للرجوع اليكِ
واعتقيني مِن صلبكِ ، لأستعيد شيئاً مِن الذاكرة
لتنموا في مخيلتي ، صورً وأسماء جديدة
لأفصِل هذا العذاب ، عن قامة الجسد
لأجِد مكان آخر ، لعشق بدون حدود
لأغمِس قلبي المتجمد ، في دفئ بحيرات العلاقات الثانوية
واجعلي مني يائسٌ وميؤوس ، لأستأصل الحبل السري بيننا
لأفك وأنفك عنكِ ومنكِ
وارجعيني الى ابعد مِن الأمس وأكثر
لأصف وجوه مَن رحلوا مِن حولي
لأحدد أسمائهم ، ودورهم في حياتي
واصبري عليَ قليلاً
لأجمع صور فقدتها، أشكالاً نسيتها
بين سرعة الوقت ، وكثرة الأحداث
وسرحي الضباب مِن ذاكرتي
لأسميكِ باسمكِ الأول ، كما حفظته
ولأعرف مِن انا

مصطفى حمدان

من ديوان : نافذة مِن المنفى








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا


.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط




.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية


.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس




.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل