الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


غرب المتوسط زمن الزعبع4 / مشهد روائي

سمير دربالي

2015 / 8 / 15
الادب والفن




تقدمنا نحو الدرج ....نزلنا واحدا واحدا ،كان الدرج غائما وممتدا الى قاعة فسيحة موصولة بالمدخل الكبير .. وكنا كمن دُفع من شاهق لا نقدر على التوقف أو الالتفات أو التراجع..
أمام البناية الشاهقة رتلٌ من السّيارات ،حرسٌ و كلاب تتوثّب..أُمرْنا بالرّكوب ، فركبنا...دون أن نعرف إلى أي مكان ستقودنا الرّحلة هذه المرة.. الأسئلة ظلتْ معلّقة في الحناجر ..ولا أجوبة تذيب جبال الحيرة التي تكدّست في القلوب ..أو أنهار الخوف التي حفرت عميقا في مجرى الدّم.. وحدها أعيُننا الزائغة كانت تنبسُ، تتهامسُ.. تتكلّم ..تسأل عن المجهول القادم ..
انطلقت السيارات ..تجوب الطرقات مترنحةً سكرى..كنا محشورين مكدسين كمن يقبع في جوف الحوت ..ننتظر أن يقذفنا لنعود إلى اليابسة ..لعلنا نستعيد توازننا من جديد ..نحن المعلّقين بيْن السّماء و الأرض..الأموات الأحياء .. أعيننا تسترق النظر من فتحات الضوء الصغيرة ..تركض خلف الأشجار التي تهرب ..قلوبنا تتفرس وجوه المارة تصافحهم على عجل..وتعانق الأرض بحرارةِ نبضِ جندي عائد من ساحات الموت .. يتوسّل أحدنا بوليسا جالسا بجانبه..فيرمقه بنظرة لامبالاة ..يشيح بوجهه عنه هنيهة ثم يلتفت اليه مبتسما : "لا تخف ..أنتم محظوظون لقد صدرت تعليمات من فوق بإطلاق سراحكم.. " نتلقّف الخبر كالمجانين فترتفع أعناقنا غير مصدقة .. دبيبٌ يشبه عودة الرّوح في جسد ٍموات .. وطمأنينة حذرة

ظل الرتل يتوقف في كل مرة يقذف ببعض الطلاب على الرّصيف ثم يمضي....في الأثناء ناداني أحدهم كان تعرّف إليّ من خلال بطاقتي التي مازال يحتجزها.. سألني عن بعض أقاربه بالجامعة وطلب مني تنبيههم ودعوتهم إلى ترك الكلية..ثم أعاد إليّ بطاقتي..وأمرني بالنزول ..كوّمت رأسي نحو الأسفل قريبا من القاعة ومددت ساقي .. ظلت عيناه تراقب انحناءة الرأس حتى اصطدمت بالقدم الحافية ..سألني:" أين حذاؤك الآخر؟" قلت : "انتُزع منّي في الجامعة "..ثم إنني لا أملك نقودا للعودة .. " أثارت كلماتي في نفسه حميّة بدوية لم تقدر هشاشة حياة المدينة ولا عمله كبوليس أن تبددها أو أن تخفّت منها .. تبدّلت سحْنة وجهه دفعة واحدة ..وبقوّة أدخل يده في جيبه ..تناول قطعا نقدية .. ثم بإشارة من يده أوقف سيارة تاكسي ودفع للسائق وأمره بأن يوصلني إلى الجامعة..

في الطريق ظل السائق يرمقني حذرا ..ينظر الى الكدمات على وجهي ..يهم بسؤالي ثم يتراجع ..وظللت مخطوفا بالاجساد التي تعبر سريعة نحو الخلف ..فيما كانت السيارة تعبر الشارع المحموم بالحركة ..تتقاذفني هواجس وأفكار ومشاعر هي مزيج من الرغبة في البكاء والشعور بالقهر والرضا بعدم وقوع الاسوء ..ماذا لو قدر لي ان اكون الان في مكان ما كزيدان ..كيف سيكون غدي ..ومن أين لي أن أكفكف دموع أمي ولوعتها حين تعلم بخبر سجني ..كيف سأهرب من اوجاع ابي ّ وهو يرى حلمه يتداعى أمامه كمنطاد فارغ .. وظل شريط الأحداث يعاودني متقطعا متداخلا وكانت حواسي تهرب منه الى إغفاءة ظللت أقوامها فلا أقدر ..
الظلام بدأ يتمدّد .. أعمدة الشارع الشاهقة أضيئت تباعا فانسلّت منها أضواء خافتة رقصتْ على أوتارها فراشات النار وجسيمات صغيرة لها أجنحة ظلت تتحدى الموت تصارعه..فيتساقط بعضها ملفوفا بالنار ..يرتطم بالأرض .. فتدوسه غير عابئة أرْجلٌ ظلت تمشي وعجلات ..ويستمر البعض الأخر في الرقص ..في دورة العبث التي لا تنتهي ..
أنزلني السائق أمام مدخل المبيت ..سيارات الأمن مرصوفة على الجانب الأيسر من الطريق ..باب الكلية موصد ..وأمام مدخل المبيت أعوان البوليس بأسلحتهم يقلّبون الوجوه ..حقائب متروكة على الأرض .. بعض الطلبة هنا وهناك ينتظرون الحافلة لمغادرة الجامعة ..ملامح الخوف بادية على وجوههم ..صمتٌ وترقبٌ كمن خرج لتوه من فاجعة ..وتوجسٌ بحدوث الأسوء ..هرول البعض لافتكاك مقعد ..فتركت الباب مفتوحا ..مشيت خطوات قليلة ..ثم نزعت فردة حذائي وتأبطتها وبيدي الأخرى ظللت أمسك المحفظة ..وسرت حافيا في الطريق الطويل إلى المبيت .. الأعين ظلت ترمقني بحذر .وكنت أقود جسدي المتعب نحو الغرفة لينام ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بحضور شيوخ الأزهر والفنانين.. احتفال الكنيسة الإنجيليّة بعيد


.. مهندس الكلمة.. محطات في حياة الأمير الشاعر الراحل بدر بن عبد




.. كيف نجح الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحسن طوال نصف قرن في تخليد


.. عمرو يوسف: أحمد فهمي قدم شخصيته بشكل مميز واتمني يشارك في ا




.. رحيل -مهندس الكلمة-.. الشاعر السعودي الأمير بدر بن عبد المحس