الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شعوب مقهورة ونظم فاسدة

فهمي الكتوت

2015 / 8 / 15
مواضيع وابحاث سياسية


جاءت حزمة الإجراءات التي أقرها البرلمان العراقي بمبادرة من الحكومة؛ بإلغاء مناصب نواب رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، وتقليص أعداد الحمايات للمسؤولين في الدولة، وإبعاد المناصب العليا في العراق عن المحاصصة الحزبية والطائفية. خطوة لنزع فتيل الأزمة ومحاولة لاحتواء الحركة الشعبية التي انفجرت، احتجاجا على استفحال مظاهر الفساد، وسوء استخدام موارد الدولة، وتحميل المواطنين أعباء الأزمة المالية والاقتصادية، التي يعاني منها العراق الشقيق. فقد شهدت المدن العراقية مظاهرات شعبية واسعة بسبب تأخير الحكومة بصرف رواتب الموظفين، وزيادة الضرائب وتبديد أموال الشعب العراقي.
من سخريات القدر أن يتوقف العراق عن صرف رواتب الموظفين ويلجأ لزيادة الضرائب والاقتراض لتغطية نفقات الدولة، وهو صاحب خامس أكبر احتياطي للنفط في العالم، ليس هذا فحسب بل فشل العراق في تحقيق أمنه القومي، ويتعرض لاختراقات خطيرة من مختلف الاتجاهات. هل يعقل أن تسقط أهم المدن العراقية بأيدي متسللين من الخارج دون قتال، وأن تحتل حركة متطرفة ثلث الأراضي العراقية وفق التقديرات المعلنة. وتواصل الطائرات التركية قصفها للأراضي العراقية دون رادع. في حين تصمد مدينة مثل كوباني في سوريا بوجه نفس العدو وتوقفه عن التقدم، وترغمه على التقهقر رغم الحصار الذي تعرضت له.
ألا تحتاج هذه الكارثة التي ألمت بالعراق والوطن العربي الى مراجعة سياسية شاملة، فقد أصبح العراق والسودان والصومال من بين آخر عشر دول في مؤشر مدركات الفساد على المستوى الدولي. فالأزمة التي يعيشها العراق ليست بسبب انخفاض أسعار النفط كما تدعي الأوساط الرسمية، وإن كان انخفاض أسعار النفط كشف عوراتهم، بل إن الأزمة جزء من تركيبة النظام السياسي العراقي، ومؤسسة الفساد التي أصبحت بحجم الطبقة الحاكمة ليس في العراق فحسب بل في الوطن العربي عامة، فإن معظم الدول العربية غارقة بالفساد، حيث فشلت في تخطي درجة 50٪-;- على مؤشر مدركات الفساد، الذي تصدره منظمة الشفافية الدولية. مما يؤكد أن نظام المحاصصة "الديمقراطي" ليس أقل فسادا من السلطة المطلقة التي تعتبر مفسدة مطلقة، وليس ما يجري في العراق ولبنان إلا دليلا ساطعا على ذلك. وتشتم من رائحة مؤامرة جديدة تستهدف سوريا بفرض نظام المحاصصة عليها كإحدى صيغ نقل الصراع الى أشكال جديدة.
إن جوهر الأزمة التي يعيشها العراق ناجم عن الاحتلال الأمريكي في عام 2003، الذي فرض نظاما سياسيا يحمل في طياته صراعات داخلية، من خلال دستور طائفي ومذهبي، الذي حول العراق إلى جزر وكيانات، تمهيدا لتقسيمه بذريعة عدم التعايش فيما بينهم، وقد جاء تصريح رئيس الأركان الأمريكي المنتهية ولايته الجنرال ريموند اودييرنو الأسبوع الماضي في هذا السياق حيث أكد أن تحقيق المصالحة بين الشيعة والسنة في العراق يزداد صعوبة، معتبرا أن تقسيم هذا البلد "ربما يكون الحل الوحيد" لتسوية النزاع الطائفي.
ومن جانبه أكد فلاح حسن، عضو السياسات الاقتصادية في وزارة التخطيط، أن "جذور الأزمة الاقتصادية والمالية في البلاد، بدأت منذ عام 2003 ليست متعلقة بالنفط، وإنما بسوء التخطيط، وانعدام الرؤية الاستراتيجية طيلة السنوات الـ 12 الماضية، لبناء اقتصاد داخلي، وتفعيل المؤسسات الإنتاجية، بدلاً من إبقاء اقتصاد البلد معتمداً على إيراد أحادي الجانب"، مشيراً أن "الحركة الصناعية في العراق شبه معطلة، بسبب انعدام الطاقة الكهربائية، رغم أن قطاع الكهرباء أُنفق عليه مليارات الدولارات، لكنه لا يزال متعثراً، بسبب الفساد وسوء التخطيط."
إن التعرف على جوهر الأزمات المستعصية التي تواجه المجتمع العربي، والأسباب الحقيقية وراء إشعالها يمهد الطرق أمام تجاوزها. فإن مصادرة الحريات العامة، وتغييب دور الشعوب العربية عن القضايا الأساسية، وإخضاعها لحالة الاستلاب والارتهان لمصالح الاحتكارات الرأسمالية وفرض التبعية السياسية والاقتصادية، هي جزء من المشروع الإمبريالي الصهيوني، الذي يستهدف إنهاء الصراع مع العدو، وتصفية القضية الفلسطينية، وإلغاء حق العودة، وليس من قبيل الصدف أن تتزامن محاولات إنهاء خدمات وكالة الغوث للاجئين الفلسطينيين، مع تدهور الأوضاع السياسية في المنطقة، والتي تعتبر شاهدًا على الجريمة التي اقترفت بحق الفلسطينيين في عام 1948، واعترافاً دولياً بحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة، وإدخال المنطقة العربية في صراعات مذهبية وطائفية تستنزف طاقاتها، كجزء من محاولات فرض شرق أوسط جديد يشكل الكيان الصهيوني عموده الفقري.
أما الحديث عن دولة ديمقراطية، في ظل استمرار التبعية السياسية والاقتصادية، والتخلف والمحاصصة فغير وارد سواء كان ذلك في ظل أنظمة ديكتاتورية، أو في ظل أنظمة المحاصصة "الديمقراطية" بتقسيم الدولة عموديا على أسس طائفية ومذهبية، فإن المخرج الحقيقي، بإقامة نظام سياسي جديد قائم على أساس المواطنة المتساوية بين الجميع، بغض النظر عن الدين أو الجنس أو العرق، وبإرساء مبادئ الدولة المدنية الديمقراطية التي تعيد للشعب حريته الحقيقية، دولة القانون والمؤسسات الديمقراطية، التي توفر الشفافية، وتصدر القوانين الصارمة لمعاقبة الفاسدين. وتوفر قضاء نزيه ومستقل قادر على اجتثاث الفساد، وتحريم تشكيل الأحزاب الطائفية والمذهبية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. معرض -إكسبو إيران-.. شاهد ما تصنعه طهران للتغلب على العقوبات


.. مشاهد للحظة شراء سائح تركي سكينا قبل تنفيذه عملية طعن بالقدس




.. مشاهد لقصف إسرائيلي استهدف أطراف بلدات العديسة ومركبا والطيب


.. مسيرة من بلدة دير الغصون إلى مخيم نور شمس بطولكرم تأييدا للم




.. بعد فضيحة -رحلة الأشباح-.. تغريم شركة أسترالية بـ 66 مليون د