الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العمال الكوردستاني والفخّ المنصوب

حسين عمر

2015 / 8 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


العمال الكوردستاني والفخّ المنصوب
لم يكن أكثر المتفائلين، من المراقبين والمتابعين للشأن التركي والكوردستاني، ليتوقّعوا بأن حزب الشعوب الديمقراطي HDP، سوف يحصل في الانتخابات البرلمانية الأخيرة في تركيا ( التي جرت في 7 يونيو 2015) على نسبة 13% ويضع تحت قبّة البرلمان التركي عدداً يساوي عدد برلمانيي حزب الحركة القومية التركية MHP (ثمانون نائباً). صحيحٌ أنّ الحزب لا يحمل أيّ طابعٍ قومي كوردي وأنّه يضمّ في صفوفه وضمن كتلته النيابية عدداً من اليساريين الأتراك وأنّه يمثّل، في بنيته العميقة، التيّار الأوجلاني في حزب العمال الكوردستاني PKK، ولكنّه استقطب خلال الحملة الانتخابية وأثناء التصويت إضافة إلى أنصاره ومؤيديه، القطاع الأوسع من الكورد من قوميين استقلاليين ( وقد شاهدنا خلال الاحتفالات بالنتائج بكثافة العلم القومي الكوردستاني الذي يتحفّظ عليه حزب العمال وكلّ فروعه) وكذلك من اسلاميين معتدلين، تحوّلوا من التصويت لحزب العدالة والتنمية AKP الحاكم إلى التصويت لحزب الشعوب. وبالتأكيد ما كان لهذا أن يحصل لولا أنّ غالبية الشعب الكوردي في شمال كوردستان قد أرادت أن تمنح حزب الشعوب طابعاً كوردياً وتخوّله السير في عملية السلام انهاءً للعقود الثلاثة من الحرب التي جلبت الخراب والتدمير.
كما ممّا لا شكّ فيه أنّ هذه النتيجة الإيجابية التي حقّقها HDP ما كانت لتتحقّق لولا مبادرة زعيم العمال الكوردستاني في السلام مع تركيا ولولا قرار وقف إطلاق النار وانسحاب قوات الكيريلا من شمال كوردستان نحو جنوبها ولولا الوعود التي أطلقها السيّد أوجلان بالدعوة إلى عقد مؤتمرٍ لحزبه يتمّ فيه التخلّي نهائياً عن حمل السلاح. فالمبادرة ووقف اطلاق النار وسحب الكيريلا والوعود بالتخلّي عن السلاح مع اعلان الحكومة التركية استمرارها في عملية السلام، كلّ هذا فتح آفاقاً للحلّ السياسي للقضية الكوردية في تركيا وحفّز الشعب الكوردي على الانضمام إلى هذا الخيار من خلال التصويت بكثافة لحزب الشعوب الديمقراطي مثلما حفّز قطاعات واسعة من اليسار التركي للاصطفاف مع الحزب المذكور بعد تخفيف هاجس العمل المسلّح.
لقد غيّر حزب الشعوب الديمقراطي بهذه النتيجة التوزيعة السياسية في تركيا، وبالتأكيد ما كان لذلك يحدث، أيضاً، لولا الالتفاف الكوردي حول HDB وإخراجه من دائرة كونه حزباً يمثّل واجهة حصرية للعمال الكوردستاني وتحويله إلى واجهة سياسية لكورد شمال كوردستان، إضافة إلى التفاف بعض فئات اليسار التركي من حوله.
وبهذا التحوّل، كان أمام حزب العدالة والتنمية (الفائز الأوّل في الانتخابات) وحزب الشعوب الديمقراطي (الفائز الأخير في الانتخابات) فرصة استثنائية لقيادة عملية سياسية عامّة في تركيا وعملية سلمية خاصّة بالقضية الكوردية، تغيّران ليس وجه تركيا فحسب بل وتمهّدان لحلّ سياسيّ سلميٍّ حقيقي للقضية الكوردية في تركيا.
في الحقيقة، لم تكن هذه فرصة ثمينة للحزبين فقط، بل وللشعبين الكوردي والتركي، حيث كان يمكن التأسيس عليها لمرحلة جديدة في العلاقة بين الشعبين يكون أساسها الحوار والمفاوضات بينهما وصولاً إلى صيغة لحلٍّ يرضي الشعبين.
بالتساوق مع هذه التطوّرات الإيجابية في شمال كوردستان، كان الموقف الدولي، وخاصّة الأمريكي، يشهد تحوّلاً كبيراً في دعمه المباشر عسكرياً، من خلال اسقاط الأسلحة والذخائر جوّاً في كوباني، ومن خلال تقديم الدعم الجوّي، لوحدات حماية الشعب YPG، الذراع العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي PYD، الذي لا يُخفى على أنّه فرع حزب العمال الكوردستاني في غرب كوردستان وسوريا وعلى أنّه يعمل في إطار التنفيذ الحرفي لاستراتيجيته وينخرط تماماً في منظومة المحور الإقليمي الذي يتموضع فيه العمال الكوردستاني بشأن الوضع في سوريا. كما اضطرّت تركيا تحت الضغط الدولي وتحت تأثير علاقاتها الإيجابية مع إقليم كوردستان، لأن تفتح (أراضيها) أمام مرور قافلة قوات البيشمركة التي توجّهت بأسلحتها الثقيلة من جنوب كوردستان إلى غربها، عبوراً في جنوبها، والتي وصلت إلى كوباني اسناداً للقوات الكوردية وحلفائها من الكتائب العربية المحلية في مواجهة مسلحي تنظيم داعش الإرهابي وطردهم من كوباني.
في الحقيقة، هذا الدعم الجوي الأمريكي وهذه المساندة من قوات البيشمركة هو ما ساهم جوهرياً في تحطيم قوة داعش في كوباني وأطرافها وهو ما مهّد وهيّأ لاحقاً الظروف لطرد التنظيم من تل أبيض وريفها وصولاً إلى طردهم من بلدة صرّين في ريف حلب الشرقي.
كلّ هذه التطوّرات الإيجابية فتحت الآفاق أمام تعزيز موقع ومكانة الكورد في شمال كوردستان وغربها، بل وأتاحت إمكانية انفتاح الغرب على حزب العمال الكوردستاني وتمهيد الطريق أمام إمكانية رفع اسمه من قائمة المنظمات الإرهابية ولو تدريجيا، وكانت هذه الإمكانية ستصبح أقرب إلى حقيقة لو أنّ العمال الكوردستاني أقدم على اتّخاذ الخطوات الثلاث التالية:
- تفويض زعيم الحزب أوجلان بالسير في مبادرته السلمية مع الحكومة التركية حتى النهاية.
- تخويل جناحه السياسي ( الحائز على مشروعية العمل السياسي في تركيا وشمال كوردستان )، حزب الشعوب الديمقراطي HDP التفاوض مع الحكومة التركية حول مبادرة أوجلان.
- رفع المصادرة عن قرار الكورد في سوريا وانهاء احتكار الساحة السياسية هناك بما يفسح المجال أمام تنفيذ الاتفاقيات بين الأطراف في غرب كوردستان وتشكيل جسد سياسي وإداري وعسكري موحّد يمثّل الإرادة الجمعية للكورد في غرب كوردستان وينطلق من مصالحهم الحقيقية ويتبنى السياسات والتحالفات الداخلية والإقليمية والدولية بما يضمن مكانهم في أيّ حلّ للأزمة السورية.
على الطرف الآخر من المعادلة، كانت تركيا تتّجه نحو المزيد من الاحراج والغرق في المأزق العميق؛ إذ واجهت سياستها في سوريا احتمالات الفشل وبدت في صورة الداعمة للجماعات المتطرفة المتورّطة في الإرهاب بما فيها داعش، أو على الأقلّ أنّها تغضّ الطرف عن أنشطتها، كما أنّها وجدت نفسها في مواجهة مع القوى الدولية الحليفة لها وخاصّة أمريكا التي أرادت أن تقوّض دورها ونفوذها في الملفّ السوري من خلال دعم الطرف الكوردي المناوئ لها. وقد استكمِلت كلّ هذه المصاعب التي واجهتها الحكومة التركية بخسارة حزب العدالة والتنمية APK أغلبيته المطلقة في البرلمان وبالتالي تفرّده بتشكيل الحكومة التركية.
أمام هذه المعطيات المستجدّة، كان حزب العدالة والتنمية يحتاج إلى خلق وضع جديد يخرجه من هذه المآزق. كانت مجزرة سروج في توقيتها ومفاعليها بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير في مسار عملية السلام وكشف الأقنعة عن وجوه رافضي هذه العملية وبداية قلب الطاولة من قبل حزب AKP الذي اضطرّت حكومته إلى اعلان الانضمام إلى التحالف الدولي المناهض لداعش واتّخاذ القرار بفتح قاعدة انجرليك أمام طائرات التحالف التي تقوم بالإغارة على مواقع التنظيم الإرهابي في سوريا، بل وقيام سلاح الجوّ التركي بغارات جوية على مراكز للتنظيم بعد أن استغلّت الحكومة التركية هجوم عناصر من داعش على موقعٍ تركي حدودي وقتلها لجندي تركي.
ومثلما استغلّت الحكومة التركية حادثة هجوم داعش على أحد مراكزها العسكرية الحدودية، استغلت أيضاً اعلان حزب العمال الكوردستاني قيامه بقتل رجال شرطة أتراك لكي تقوم بالإغارة على مواقع حزب العمال الكوردستاني PKK، في المناطق الحدودية من جنوب كوردستان، مستهدفة من ذلك في وضع تنظيم داعش وحزب العمال الكوردستاني في نفس سلّة الإرهاب، ولتظهر أمام المجتمع الدولي وأمام الداخل التركي على أنّها تخوض معركة ضدّ الإرهاب.
يخطّط حزب العدالة والتنمية، مستغلاً هذا التطوّر، لتعديل الوضع وتغييره داخلياً، إذ يسعى إلى الافلات من استحقاق تشكيل حكومة ائتلافية سيفقد فيها هيمنته على القرار في البلاد، كما يسعى إلى إظهار حزب الشعوب الديمقراطي بمظهر التابع لقيادة قنديل والمؤتمر بأمرها وبالتالي التأثير على المصوتين له وخاصّة من الأتراك وممّن انتقلوا من صفوف AKP إليه. ولذلك تسعى الحكومة التركية إلى تصعيد الهجوم العسكري على حزب العمال الكوردستاني تمهيداً للدعوة إلى انتخابات جديدة تُجرى تحت هاجس الخوف الذي، على ما يعتقد AKP، سيدفع بالناس مجدّداً إلى الاحتماء بمظلته وتفويضه من جديد بحكم البلاد منفرداً.
الغريب في الأمر، أن طيلة فترة اتّهام الحكومة التركية بدعم داعش في مواجهة الكورد، كان حزب العمال الكوردستاني يتمسّك بالهدنة مع الحكومة التركية، وكانت وفود فرعه PYD والتشكيلات المتفرعة منه تتقاطر على تركيا طالبة التعاون والتفاهم معها، في حين تُسمَع أصوات مرتفعة من بين الحزب وفروعه تعلن انتهاء وقف اطلاق النار أو تدعو إلى انهائه بعد أن أعلنت الحكومة التركية، حتى وان كانت غير صادقة وغير جادّة في ذلك، انضمامها إلى التحالف المعادي لداعش.
من الواضح أن الحكومة التركية قد نصبت الفخّ لحزب العمال الكوردستاني بهدف الإيقاع به ومن مصلحة الشعب الكوردي عموماً وفي شمال كوردستان خصوصاً أن يتفادى الحزب هذا الفخّ. كيف ذلك؟ العمال الكوردستاني وحده لديه الجواب!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انعكاسات مقتل رئيسي على السياسة الخارجية لإيران |#غرفة_الأخب


.. تحقيق للجزيرة يكشف مزيد من التفاصيل حول جرائم ميدانية نفذت ب




.. منير شفيق: وفاة رئيسي لن تؤثر على سياسة إيران الخارجية والدا


.. كتائب القسام تطلق صاروخا طراز -سام-7- تجاه مروحية إسرائيلية




.. خامنئي يكلف محمد مخبر بمهام إبراهيم رئيسي وتعيين علي باقري ك