الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هشاشة الخطاب الديني في حركات الإسلام السياسي

هويدا صالح

2015 / 8 / 16
مواضيع وابحاث سياسية



هشاشة الخطاب الديني في حركات الإسلام السياسي
هويدا صالح
"الإسلام السياسي بين الأصوليين والعلمانيين " هو أحدث كتب الدكتور محمود إسماعيل الذي صدر عن دار رؤية للنشر والتوزيع. وهو كتاب يستجلي تلك الظاهرة التي اجتاحت العالم العربي منذ أوائل السبعينيات، وهي ظاهرة تُعد أخطر الظواهر السياسية التي تواجهها البلاد العربية خلال العقود الأخيرة. ولعل من أسباب تلك الخطورة ما تهدف إليه جماعات الأصوليين من إعادة صياغة المجتمعات العربية وفقا للنموذج الإسلامي المضبب في أذهانهم بعد فشل النماذج الليبرالية وعجزها عن تقديم مشروع حضاري نهضوي يلم شمل الأمة ويضعها على طريق التقدم والنمو. والأخطر ف هذا المخطط أنه اتخذ من أسلوب العنف المسلح سبيلا للقضاء على النظم القائمة والوصول إلى السلطة قسرا كوسيلة لتطبيق تصورات ورؤى تجنح إلى الماضوية وتفتقر إلى النضج والواقعية.يحاول محمود إسماعيل أن يكشف عن أسباب استشراء ظاهرة " الإسلام السياسي" وانتشارها وخصوصا بين أنصاف المتعلمين والأميين يعكس ما وصل إليه العالم العربي المعاصر من ترد سياسي وإفلاس اقتصادي واجتماعي وعجز فكري. كما يكشف عن هشاشة الأيديولوجيات السائدة وإخفاقها في التماس الحلول لمشكلات الواقع المتفاقمة. كل ذلك يفسر ظاهرة الهلع والخوف من النجاحات التي حققها الأصوليون الذين أثبتوا قدرة فذة على التنظيم بحيث يخططون لإحياء " دولة الخلافة" على مستوى العالم الإسلامي بأسره، ويتطلعون إلى مناهضة الإمبريالية العالمية بعد انفرادها بالهيمنة على الساحة الدولية.
يقسم الكاتب كتابه إلى خمسة محاور، الأول بعنوان:"أدلجة التراث" يمثل محاولة لدراسة الأساس النظري الذي انطلقت منه جماعات الإسلام السياسي، في محاولة لإثبات نزعة الإحياء الماضوية التي تشكل الطابع العام للظاهرة.
أما المحور الثاني"مفهوم الدولة في الإسلام"فيعول على اختلاف المفاهيم الفكرية والأيديولوجية، كذا تنوع التجارب التاريخية، بحيث يستعصي العثور على نموذج بعينه ثابت وقار، مما يفت في مصداقية التصورات الأصولية عن " الدولة الثيوقراطية".
أما المحور الثالث يتناول "ظاهرة التطرف الديني في مصر"باعتبارها الموئل الأساسي لحركات الإسلام السياسي، ويفسر الباحث طبيعة نشأة تلك الظاهرة من خلال البعد السوسيو-سياسي، ويتنبأ بمصيرها تأسيسا على مصائر الحركات المماثلة في التاريخ الإسلامي.
في حين أن المحور الرابع وعنوانه" العالم الإسلامي في نظر الغرب" فيتصدى لإبراز دور الدوائر الإمبريالية في التمهيد لنشأة تلك الظاهرة، ثم محاولة مواجهتها بعد أن اتخذت بعدا ثوريا يهدد على الأقل مصالح الغرب في العالمين العربي والإسلامي.
ويعالج المحور الخامس والأخير، وعنوانه" مفارقات الخطاب الديني المعاصر" تحليل هذا الخطاب لمعرفة خصائصه وسماته وقسماته بما يكشف عن المضامين الفكرية والأطر الأيديولوجية لجماعات الإسلام السياسي ويفيد الكاتب في هذا الصدد من عدد من المناهج التقليدية والجديدة خصوصا البنيوية والألسنية والسميوطيقا.
يحاول الكاتب إثارة حوار علمي بناء حول ظاهرة من الأهمية والخطورة بمكان لا لشئ إلا لأنها تمس الدين والمجتمع في آن، ورغم أهمية الظاهرة وكثرة ما كتب عنها إلا أن معظم الكتابات، وخاصة كتابات المستشرقين التقليديين عولوا على مناهج شكلانية ـ كالوصف المحايد دونما تعليل أو تفسير ـ ومن ثم اتسمت بطابع" المحافظة " خشية الاتهام بالإساءة إلى الإسلام. أما المستشرقون المعاصرون، فلم يهتموا بدراستها أساسا، لاعتقادهم بأن معتقدات تلك التيارات محض هراء أبعد ما يكون عن جوهر الإسلام؛فضلا عن ارتباط تلك المعتقدات بأبعاد سياسية مراهقة وطوباوية. ومن كتبوا عنها ـ وهم ندرة ـ من أمثال" برنارد لويس" فقد اهتموا بتلك الأبعاد السياسية لخدمة مشروعات صهيوني ـ إمبريالية تستهدف قهر الشعوب العربية والإسلامية؛عن طريق "تغذية" وتوجيه تلك التيارات لتكريس التخلف، وإثارة ما أطلقوا عليه" الفوضى الخلاقة" للحيلولة دون نهضة هذه الشعوب، وتأكيد تبعيتها للغرب.أما الكتابات العربية كما يرى محمود إسماعيل، فمعظمها يدخل في إطار " الأدلجة" التي تفتُ في مصداقية المعرفة. وندر من تحرر منهم من مغبة تلك النزعة اللاعلمية، واختط نهجا قويما في مقاربة دراستها.
ويشير الكاتب إلى أهمية كتابات المفكر الراحل محمد أركون في هذا الصدد والذي يعزي إليه الفضل في نعت هذه الحركات بـ " الإسلاموية" ـ لا الإسلامية ـ لا لشئ إلا لأن معتقداتها لا تمت للإسلام بأدنى صلة اللهم إلا الاتجار به طلبا لأغراض دنيوية. كما يرجع الفضل لأركون في إصدار عدة مؤلفات كشف فيها عن مثالبها، ووفق في تعرية مواقفها وسلوكياتها اللا أخلاقية . وهو ما أكدته الوقائع والأحداث بعد وصولها إلى السلطة عقب اندلاع ثورات " الربيع العربي" التي أجهضها الغرب الإمبريالي بتآمر مع تيار جماعة الإخوان المسلمين كما هو معروف.
إن أركون كما يرى محمود إسماعيل استند في مقارباته إلى عدة مناهج حداثية؛تاريخية وسوسيولوجية وأنثربولوجية وألسنية، وسيكولوجية نقدية؛أهلته ليس فقط للكشف عن خطابها الديني ـ السياسي "الملغوم"و " الزائف" بل للغوص في مقومات "مخيالها المريض"و" الحفر" في طبقات عقلها العشوائي الفارغ. ويكفي إن نعت محمد أركون معتقدات الإسلامويين بالهشاشة، ووصف "عصاباتهم " بـ " التلاعب بالدين من قبل النشالين السالبين؛أي من قبل المافيات السياسية ـ المالية" التي تتاجر بالدين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هامش
محمود إسماعيل: مفكر وباحث ومؤرخ مصري، له عدة إصدارات منها: موسوعة سوسيولوجيا الفكر الإسلامي، الخوارج في بلاد المغرب، الحركات السرية في الإسلام، قضايا في التاريخ الإسلامي، تاريخ الحضارة العربية والإسلامية، الخطاب الأصولي المعاصر، فرق الشيعة بين الدين والسياسةن هل انتهت أسطورة ابن خلدون، التراث وقضايا العصر، في نقد حوار المشرق والمغرب،قراءات نقدية في الفكر العربي المعاصر، العروبة والإسلام بين الإرجاف والإنصاف، الخلافة الإسلامية بيت الفكر والتاريخ، الحب بين ابن حزم الأندلسي وابن دواود الأصفهاني.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
محمد أركون مفكر وباحث جزائري، توفي عام 2010، له العديد من المؤلفات الفكرية والفلسفية منها:الفكر العربي، الإسلام: أصالة وممارسة، نقد العقل الإسلامي، الفكر الإسلامي:نقد واجتهاد، العلمنة والدين: الإسلام،المسيحية، الغرب، نزعة الأنسنة في الفكر العربي، معارك من أجل الأنسنة في السياقات الإسلامية، القرآن من التفسير الموروث إلى تحليل الهطاب الديني، تاريخ الجماعات السرية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مظاهرات الطلاب الأمريكيين ضد الحرب في غزة تلهم الطلاب في فرن


.. -البطل الخارق- غريندايزر في باريس! • فرانس 24 / FRANCE 24




.. بلينكن في الصين.. مهمة صعبة وشائكة • فرانس 24 / FRANCE 24


.. بلينكن يصل إسرائيل الثلاثاء المقبل في زيارة هي السابعة له من




.. مسؤولون مصريون: وفد مصري رفيع المستوى توجه لإسرائيل مع رؤية