الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بأس فيأس ... فانتحار !!

اسماعيل خليل الحسن

2005 / 10 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


لقد خدمت الظروف الدولية بعض الأجهزة الأمنية, فكانت لها مهمّات استطالت إلى خارج أقاليمها, مهمات غايتها تطويع هذا و إخضاع ذاك, ليصبح ( كلّه ماشي) لإرادة دوليّة عليا, من ذلك أصبحت الأجهزة ـ خارج المهمات التي أحدثت من أجلها ـ تضع الدولة و المجتمع و مصالح الوطن العليا في خدمة مصالحها التي أصبحت مصالح مستقلة, و في هذه الأثناء, تضخمت بعض الشخصيات الأمنية, سطوة و حظوة و مالا و سدنة و مريدين, و قد كان المحفل الدولي يغض الطرف عن تجاوزات تلك الشخصيات, في مجال استغلال النفوذ و انتهاك الحقوق و الحريات, و هذا ما يفسر كيف كانت العلاقات السياسية بين الحكومات تتأزم و تصل إلى مرحلة القطيعة, بينما يبقى جهازي الأمن في الدولتين يعيشان شهر عسل طويل, فالمخابرات هي المخابرات, أنها تعيش خارج المبادئ والأيديولوجية المعلنة للدولة, فلا هي اشتراكية و لا هي رأسمالية, و لا هي إسلامية, بل هي تعيش ذاتها و لذاتها, باحثة عن أي شيء خارج الطاعة لتطويعه.

و تغير الوضع الدولي, و آن وقت الاستغناء عن خدمات هذا الجهاز أو ذاك , فتبدأ مرحلة تقليم الأظافر و التحجيم و المساءلة, ثم تحميل بعض الشخصيات مسؤولية التجاوزات و التعديّات التي حدثت, فتشعر تلك الشخصيات أنها أصبحت زائدة عن الحاجة, و أنه على وشك التضحية بها, فيدخل أولو البأس في دوّامة اليأس و الشعور بالاكتئاب و الوحدة و انفضاض البطانة, و انقلاب القدر عليها, و ضيق أحوال الدنيا, فيصبح كل شيء من حولها إمّا جاحد أو غادر أو ناكر للجميل.

لا يمكن لصاحب السطوة, تصور الحالة التي سيؤول إليها, تلك الحالة التي لا يتمناها من عاشها حتى لعدوّه, فهو الذي كان يحقق مع الآخرين فيهيئ لهم أسوأ الأوضاع شعورا بالمهانة, لينتزع منهم ما يريد, سيترع الآن من الكأس نفسها, فهو كمن يتجرّع السمّ, فيشعر بالموت البطيء يتسلل إلى أطرافه فيشلّها واحدا إثر الآخر, ففي الفيلم المصري الرائع ( زوجة رجل مهم) يطلق الضابط أحمد زكي النار على نفسه بعد إحالته على المعاش, في محاولة لجهاز الأمن تبيض أوساخه وتحميلها لعناصر وشخصيات, بدعوى أنّها تجاوزات فرديّة.

سيقنع هذا الجبار,الذي أصبح مسكينا, نفسه أنه كان يخدم الوطن و المبادئ العليا, في مواجهة أعداء الوطن و خاصة الداخليين, و لكنه, في الحقيقة, كان يحرق هذا الوطن خدمة لمجده الشخصي, وكان يدمّر المواطن و المواطنة( بفتح الطاء), صانعا جيشا من المنافقين, و لأن المنافق أول شيء يكرهه هو نفسه, فهو لا يحب صانعه و وليّ نعمته لدرجة الحقد, و سيكون أول من يطعنه في الظهر, وسيقول الجبار( حتى أنت يا بروتس ) ثمّ تترى الطعنات و من ثمّ السقوط.

عادة ما تنتحر الشخصيات الرومانسية, أما الرجل العسكري فينتحر, حين يتعمّق شعوره في الهزيمة, لكنها في كل الأحوال شجاعة تحسب له فهو لا يطيق كونه خارج الأوج, شجاعة لوتحلّى بها جميع القادة, في هزائمهم أمام الأعداء, لكانت حالة الأمة غير حالتها اليوم, حيث لا يتحكّم بها إلاّ المهزومون.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حيوان راكون يقتحم ملعب كرة قدم أثناء مباراة قبل أن يتم الإمس


.. قتلى ومصابون وخسائر مادية في يوم حافل بالتصعيد بين إسرائيل و




.. عاجل | أولى شحنات المساعدات تتجه نحو شاطئ غزة عبر الرصيف الع


.. محاولة اغتيال ناشط ا?يطالي يدعم غزة




.. مراسل الجزيرة يرصد آخر التطورات الميدانية في قطاع غزة