الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تمثلات نقابية و سياسية رابضة في قلب الهوية

رضا لاغة

2015 / 8 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


في هذه اللحظة بالذات من تاريخ التجربة القومية تبتدئ السيطرة العلنية لمقاربات حزبية قطرية تستنجد من أول وجودها بتجارب سياسية لا تضع ذاتها موضع سؤال فترغمها على الظهور و النمو بنفس الحس الذي يحقق خطواتها من خلال فلسفة التعايش مع منظومات الحكم التي جاءت كحصيلة للأحداث التي عصفت بالمنطقة العربية و تحديدا في تونس و مصر. هذا واضح من خلال بزوغ عقلية جديدة داعمة للجغرافيا السياسية كالتزام يباشر مواجهة تدفقات الإسلام السياسي سواء بإحياء مقاربات ذات أساس تاريخي تقرع باب البورقيبية فتتسبب في تآكل الحراك الثوري باحتضان نقيضه في تونس أو تجانس منطق سلطوي عنيد يقاس بتمدد سلطة الجيش استنادا لنفس الأساس التاريخي الذي يستدعي التجربة الناصرية ليحمل الحراك الثوري معنى استطرادي يقيّد بشكل متزايد انطلاقة أداء القوى القومية التقدمية إما بالتورط في العمل المأجور المناصر للسيسي على نحو ما تفعل بعض الأحزاب القومية التي يثبت الفحص العارض لتموقعها أنها في الموالاة و كأن السيسي غدا استئنافا للمشروع الناصري؛ أو التجريبية الحزبية المطمئنة التي تحشد قواها في علاقات معوّقة لأهدافها باسم الواقعية الجديدة فتطبّق استراتيجيا تقليص الصراع مع نظام الحكم بحيث تكون قادرة على لعب دور الموازن الذي يحرص فقط على المحافظة على جاذبيته المهددة بالتلف.
إننا نسأل هنا عن التصورات القومية الجاري بها العمل في الساحة التونسية و التي بمقتضاها نعتبر أن الطروحات المتجذرة في النموذج الحزبي أو النقابي تظل أداتيّا قاصرة في الحالة الأولى و مهددة بالفشل و الانحراف في الحالة الثانية.إن النظرة الصحيحة التي تضع التجربة النقابية و السياسية موضع بحث تعلمنا أن هناك معوّقين أساسيين:
ـــ الشكل الذي تحددت به كلا التجربتين ،فعندما نعود إلى الظروف التي طبعت الحقبة الماضية نلاحظ ارتكازها على مبادرات فردية وجهت أنماط الفعل النقابي و السياسي الذي لم يكن يتقدم في اتجاه بلورة جوهر الفكر القومي التقدمي الذي يقوم أساسا على معنى الإعداد . لقد ظلت ملامح المشروع مجرد انعكاس للسمات الأساسية للتأمل الذاتي الذي يتحرك ضمن لعبة التوافقات الضيقة التي تخبر عن إنتاج صياغات فردية طامحة لصنع درب النضال القومي عبر مكافحة التنظم و وأد القيادة الجمعية المجددة بغرض و اهداف ذاتية لا صلة لها بالمشروع.
ـــ إن الأحداث المحرضة للتنظم الحزبي وفّرت مضلة سمحت بإنتاج تفاعلات معقدة أفرزت تغيرات حادثة لمعنى الهوية التي جاءت مطبوعة بانحرافات دلالية انبنت على المطالبة بالمكانة بذات المنطق الذي نشأت به مسلكية العمل النقابي. رسم تحالفات تكتيكية مع اليسار و السير على خطى التموقع كاستجابة عقلانية لموازين القوى و بالتالي تفجير مشكل الهوية الذي أضحى وضعه الداخلي غير مستقر لأن الحليف يروج معنى مشوه للهوية . فكنا كمن يفجر آثاره الذي بناها الأجداد لتخليد ذكرى أشخاص في معترك العمل النقابي . و كذا الشأن في العمل الحزبي : ننغمس في أدوار تعسفية وفق إحداثية التعايش المزيف و نبذ الصراع فننخرط من حيث ندري أو لا ندري في اجتثاث البريق الثوري لتجربة حزبية رائدة تتهيأ تدريجيا لتنسحب من ساحة الفعل نحو دبلوماسية " الصبورة" بتعبير كريستوفر هيلمان.
نحن نعتقد أن طريقة كهذه في أن يكون الفكر القومي التقدمي مستحضرا لإسقاط معنى للهوية يقذف من ذهنية العمل النقابي في وجه السياسة لا يمكن أن يتخذ مرجعا و ماهية . إن جوهر عملنا يقوم على افتراض التأصيل الاستحضاري لاستكمال معنى الهوية و استيعابها وفق مدخلات الحوار التي حثنا عليها عصمت سيف الدولة.( سنأتي إليها لاحقا حين نستعرض كتبه ).
هذا الطرح يؤكد على وجه التعارض بين الهوية كمنطوق معرض لهشاشة الفعل الذي لا يتقبلها سلوكا و التزاما و ييستسيغها قولا و كلاما و الهوية كانكشاف أصلي يتضح بطريقة الفعل نفسها لتغدو إمكانية داخلية ضامنة للتوافق لا بين مراكز النفوذ و إنما بين التنظير و الممارسة.
نحن هنا نحدد الهوية كاتجاه يتجلى في أحضان الفعل . و هكذا تغدو قابلة للانكشاف بكونها ليست سوى ما يريد الطليعي العربي أن يحرزه من خلال ممارسته النضالية.
وفق هذا الطرح تصبح الهوية مهمة و هدف له حضور دائم في مجال الفعل عن طريق الطليعة العربية بوصفها الأساس الجوهري الذي يرسخ الطابع المنكشف للهوية ( خوض معارك ضد الفرنكفونية مثلا ) . و ضمن هذا الإطار يتطور سلوك الطليعة العربية و تنبثق ماهيتها ككوكبة مؤهلة للقيادة لتنتج خطوة حاسمة نحو الحرية بعيدا عن منطق التعايش مع النظم الهجينة التي افرزها الحراك الثوري.
احد نواتج هذا الانحراف الاستراتيجي الذي بدأ يتكشف في التجارب الحزبية القومية طغيان المجادلات المعيارية عند عموم القوميين و انخفاض منسوب أدائهم الذي يقتصر تقريبا على خرافة الطعن أو التأييد لبعض شخوص التجارب الحزبية .
إذا نظرنا إلى سجل هذه التجارب سنجد هجومات بينية عشوائية أحيانا تلهب نظراء كل جناح . و لعل المقارنة الأكثر مغزى الانقسامات و التنافس على المكانة بين قيادات تكلفة الحرب بينها المشروع القومي نفسه.
إن من يتجاهل الجهود التي بذلت في الغرض من قبل القوى القومية في تونس بغية إعادة تقييم استراتيجية العمل القومي يعد شخصا جاحدا، غير أننا يبدو على أعتاب انتكاسة تؤذن بفشل يكفي ليسبب ركودا لقدرات التجربة القومية في عصر تحتفظ فيه بمصداقية قيمها لتزاول القوى التقدمية فعلها من داخل نظام الحكم.
هنا ندرك مخاطر شهوة القيادة التي تحرق المسافات في سياق علاقات نفعية وثيقة مع أعداء المشروع.
إن أشد الأحزاب تنظيما و أكثرها ديمقراطية حين يتقلص منطق التوجيه لمنتسبيها و يتدنى سقف تنفيذ المهام بالنسبة إليهم ،تتحول في أجل قصير إلى كيانات مناقضة للغايات التي تأسست لأجلها.و في أحسن الأحوال تحوّل صلتها بمنخرطيها إلى علاقة عابرة لتصورات رائدة تحيل إلى ضرب من الحنين الإيديولوجي الذي يظهر في بعض الخطابات أو البيانات.
لكل هذه الاعتبارات يصبح العمل السياسي هو تأصيل للهوية ابتداء. ( يتبع)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رفح: هل تنجح مفاوضات الهدنة تحت القصف؟ • فرانس 24 / FRANCE 2


.. مراسل شبكتنا يفصّل ما نعرفه للآن عن موافقة حماس على اقتراح م




.. واشنطن تدرس رد حماس.. وتؤكد أن وقف إطلاق النار يمكن تحقيقه


.. كيربي: واشنطن لا تدعم أي عملية عسكرية في رفح|#عاجل




.. دون تدخل بشري.. الذكاء الاصطناعي يقود بنجاح مقاتلة F-16 | #م