الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مظاهرات الطبقة الرثة العراقية

كاظم الفياض

2015 / 8 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


قرأت مقالا بعنوان "الطبقة الرثة" لمفكر اقتصادي عمل نائبا لمحافظ البنك المركزي العراقي، ثم محافظا بالوكالة، قبل أن يلقى عليه القبض للتحقيق معه حول شبه فساد، والآن يعمل مستشارا اقتصاديا لرئيس الوزراء، حاول أن يقول فيه إن سبب ما نعانيه من أزمات هو صعود نجم الطبقة الرثة العراقية لدرجة تمكنها من الحكم. وقد أورد في ما كتب شرحا مبتسرا لظهور المفهوم وتطوره في كتابات أبرز من تناوله من الباحثين الغربيين الذين أضافوا هذه الطبقة إلى التقسيم الثلاثي الذي يعتمد القدرة الاقتصادية معيارا وهي: الغنية، المتوسطة، الفقيرة.
كلمة الرثة اعتمدت اختصارا لجملة "البساط الرث"، ولما تمايزت عن الطبقة الفقيرة يمكننا القول إنها جملة تشير إلى مخالفة أفراد هذه الطبقة للمثل الاجتماعية النبيلة، وتحديدا الدعارة، ولا شك إن اتخاذ الجنس مهنة أمر لا يمتّ للشرف بصلة فيما يخص أدبيات الشعوب الغربية. وتتوسع لتشمل تجارة المخدرات، والسرقة، وكل ما يضع المواطن الغربي تحت طائلة القانون، وربما ينفتح المفهوم خارج المحور الاقتصادي فيضع ضمن أفراده الذين يمارسون أفعالا يرفضها الدين، المثليين مثلا.
الكاتب تتبع النشاط الزراعي ودوره بجذب وطرد الشطر الأكبر من مجمل الأيدي العاملة العراقية، وتأثيره على التحولات الاجتماعية العراقية، رغم إن المورد الأساسي لخزينة الدولة هو النفط. ليس من العسير على قارئ المقال أن يلاحظ جهد الكاتب وهو يحاول إسقاط النظرية الغربية على الحالة العراقية دون أن ينتبه إلى أن الطبقة العراقية التي يتحدث عنها تناظر الفقيرة غربيا، لا الرثة. هناك تناغم في المجتمعات الغربية بين الشعوب ودولها، فاعتماد الديمقراطية أساسا لإدارة الدولة جعلت المواطن العادي يظن أن قراراتها عادلة، وهي صفة لا تتمتع بها الدولة العراقية، على الأقل بنظر غالبية مواطنيها. فالشيعة يرون أنها ظالمة فهي لا تدار من قبل المعصوم، والكرد يجدون فيها حاجزا أمام طموحهم رغم أنهم ليسوا عراقيين، بل قبائل مسلحة اجتازت الحدود في منتصف القرن التاسع عشر، وعملت قتلا وتشريدا بالعرب والآشوريين، وقد اشتبكت مع الحكومات العراقية كلها، ورغم أن القوانين الدولية في العالم أجمع تعطي العراق الحق بطردهم خارج البلاد، وبعدم منحهم الجنسية العراقية،وهل قولك لمن تسلق بيتك، وأقام بجانب منه، ودعاك للتخلي عنه:" اخرج من داري " فيه الكثير من التناقض مع تدينك أو علمانيتك. بل وقد بلغ بهم الصلف أنهم طردوا عرب كركوك لأنها مدينة كردية بزعمهم إلّا أن العراق عاملهم بإنسانية جميعا، بينما كان من الأجدى معاملة قادتهم بقوة تؤمن الدولة والكردي البسيط من شرهم. وكان المبدأ السني إطاعة الحاكم قبل أن يظهر على مشهد الأحداث رجل دين، وزعيم محفل ماسون بمصر جمال الدين الأفغاني الذي جعل الطاعة مشروطة للحاكم. وقد حمل تنظيم الأخوان المسلمين بذرة الشيطان تلك إلى العراق لكن التربة العراقية حينها لم تكن صالحة لنموها، فمكثت حتى وقوعه تحت الاحتلال المباشر الثاني لتنمو، وتكبر، وتتعاظم جدا.
إن راجعنا المشهد الاجتماعي، نجد إن السلطة الحاكمة الآن هي الطبقة الرثة في عراق ما قبل الاحتلال الثاني، وهل يمكن تجاهل التدفق النقدي الهائل باتجاه البيوت شبه المهدمة التي يقطنها مراجع الشيعة الكبار، ثم لتعاود الظهور مع أقربائهم، في بريطانيا، على الأغلب، وبأرقام لا يمكن تصورها دون الإطلاع على نسبة الفقراء في المجتمع الشيعي، وعدد قتلاه، فما يستقيم أمر مرجع لا يحض على عصيان الدولة، إن لم يكن جهارا فخفية. وكذلك حال الإقطاعيين الكرد، المسنودين من الخارج، والمستأثرين بخيرات أبناء جلدتهم، والمتسببين بكل ويلاتهم، وباقي الشعب العراقي. وأيضا قادة تنظيم الأخوان، وهل يخفى دعم الدول الإقليمية لهم. لقد قلت هذا توضيحا لمغالطة الكاتب في إن الطبقة الرثة في العراق هم فلاحوه الذين هجروا مزارعهم بفعل الأحداث الضخمة التي شهدها. وأقول إن الجزء الأعظم من هؤلاء ومن بقية الكسبة العراقيين فقراء متعففون، ولم يتبع القيادات التي ذكرنا إلّا الجزء الأحقر "الأقل"! ومنهم تشكل الجهاز الإداري للدولةُ، ومن أعضاء الحزب الشيوعي العراقي، وكان أغلبهم هاجر، أو ترك النشاط السياسي. ورغم أن الوظيفة في الدولة العراقية من شأنها أن تدر المال الوفير على الموظفين حلالا أو سحتا، فإن أغلبهم، إن لم يكن كلهم، يقبض منحة مالية من أحد الإقطاعيين الكرد. وقد أسند كل أولئك بناشطين مدنيين قدموا من الخارج والتحق بهم كثير من معارفهم ، من داخل البلد.
إذن الطبقة الرثة تحولت إلى حاكمة، ومع ذلك بقيت طبقة رثة، لأن مسلمات القيم الاجتماعية لا السلطة الإدارية، ولا مقدار ما يملك من مال فقط من يحدد التصنيف الطبقي للفرد. ولو أمعنا النظر في احتجاجات الشعب صيف عامنا هذا" 2015 م" لوجدنا المتظاهرين نوعين: حاقد، صاخب، كثير الشرّ، لم تلبث نوازعه العدائية حتى دفعت به للتعرض على رموز السلطة من أشخاص وممتلكات، ولم تهدأ إلّا بمصرع أحدهم، فتى وسيما على ما في شعره من شعث، وما في ثيابه من غبرة، وكلهم عاطل عن العمل، جائع.
النوع الآخر ودود فرح يترنم بأهازيج ويرقص لها ثيابهم نظيفة جديدة يحملون لافتات وأعلاما وطنية يلوحون بها لبعضهم ولرجال الأمن ويلتقطون معهم الصور ويشربون منهم الماء كلهم يريد الكهرباء ويشجب الحكومة وكلهم موظف ومنهم الكثير من هو مدير عام وفنانون وأدباء وأعضاء الحزب الشيوعي وناشطون مدنيون!!!
وقد بث صديق قديم لي يعيش في إحدى الدول الغربية فيديو لناشطين شباب يرقصون ويهزجون بفرح وسرور أهازيج وطنية. أحدهم يرتدي ثيابا سوداء نقش على صدره كف، ثلاثة أصابع مضمومة، رسم فوقها عينان، فهي وجه، والآخران مرفوعان كقرنين!
صديقي هذا فنان، حين أنهى الدرس الأكاديمي، تحول إلى دراسة الفقه في حوزة النجف، وصار أستاذا فيها، لكنه لم يتلبث طويلا، إذ هاجر إلى منفاه الذي هو فيه. قرأت له يوما مقالا في صحيفة، عرفته لقرائها بأنه" مفكر إسلامي" أتذكر منه هذه الجملة: " من خشب شجرة الصليب العيسوي" كما إنني قرأت له من فترة ليست بعيدة منشورا على صفحته، صرح فيه "إن الفقر غباء"
كاظم الفياض
17/8/2015








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصر تعلن طرح وحدات سكنية في -رفح الجديدة-| #مراسلو_سكاي


.. طلاب جامعة نورث إيسترن الأمريكية يبدأون اعتصاما مفتوحا تضامن




.. وقفة لتأبين الصحفيين الفلسطينيين الذين قتلتهم إسرائيل


.. رجل في إسبانيا تنمو رموشه بطريقة غريبة




.. البنتاغون يؤكد بناء رصيف بحري جنوب قطاع غزة وحماس تتعهد بمقا