الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مصر ليست خريطة في الجغرافيا

أمنية طلعت

2005 / 10 / 17
الصحافة والاعلام


أتابع بشغف كبير كل يوم على شاشة دبي الفضائية مسلسل نزار قباني الذي يسرد سيرته الذاتية والتي أجدها ممتعة للغاية، فهذا الشاعر الذي أثار الكثير من الجدل حتى يوم وفاته عاش حياة ممتلئة بالتفاعلات والأحداث الإنسانية التي استطاعت في النهاية تكوين شخصيته وقدرته على كتابة شعر يغير به وجه الكتابة الشعرية في وقته.
حديثي هذا لا علاقة له بشخصية نزار قباني كشاعر له ما له وعليه ما عليه ولكن أخص بكلامي كل من حاتم علي ووليد سيف الذين كتبا سيناريو وحوار المسلسل فبرغم براعتهما التي أقرها حيث أنها ليست المرة الأولى التي يقدمان فيها عملا دراميا هاما ومحبوكا، إلا أنهما وضعا البارحة جملة على لسان نزار قباني لا أظنه قالها فهي تتناسب كثيرا وحال العرب الآن الذين يحاولون في كل مناسبة متاحة التعريض بمصر والتقليل من شأنها، كأن تجد مثقفا لبنانيا يؤكد انه لولا هجرة اللبنانيين على مصر ما قامت النهضة الثقافية الحديثة في مطلع القرن العشرين في مصر أو قامت السينما أو المسرح وغير ذلك وانه بمجرد اختفاء اللبنانيين عن الساحة المصرية انهارت ولم يعد لها وجود او قيمة، او أن يؤكد آخر أن الشعر منهار في مصر وأن مصر لم تخرج شعراء حقيقيين منكرين حتى أمل دنقل وحجازي وصلاح عبدالصبور وغيرهم وما إلى ذلك من الأقوال المريضة التافهة والتي لا أدري لماذا يروجها مروجوها حيث أنه ليس من مصلحتهم تشويه صورة مصر أو تهميشها لكن للأسف هذا هو واقع الحال الآن.
نعود لمسلسل نزار قباني فقد وصلت أحداثه للفترة التي أمضاها نزار كملحق ثقافي بسفارة سوريا بالقاهرة، تلك الفترة التي ساهمت إسهاما كبيرا في إبراز اسم نزار كشاعر على الساحة الشعرية العربية ولولا مصر و مثقفي مصر ونقادها وأدبائها ما كان حقق نزار هذا الانتشار السريع عربيا في سنه المبكر، ففي هذه الفترة التي عاشها نزار في مصر استطاع الاحتكاك والارتباط بأسماء كبيرة كمحمد عبدالوهاب وتوفيق الحكيم و الناقد الكبير أنور المعداوي وبدلا من أن يظهر المسلسل ذلك بشكل جيد استقدم ممثلين متواضعين لتمثيل أدوار هؤلاء العمالقة وقدم صورتهم بشكل تافه بل أورد حملة على لسان نزار في أحداث المسلسل يقول فيها ( لولا الحكيم ومحمد عبدالوهاب وأم كلثوم وغيرهم كانت مصر أصبحت مجرد خريطة في الجغرافيا) ...اختصر السيناريستان مصر في أربعة أو خمسة أسامي لعمالقة في الفن والأدب أتوا وذهبوا ولم تنضب ينابيع مصر بعدهم فلقد أنجبت الكثير من العظماء وإن كان الإعلام الذي روج لهؤلاء في عصرهم حيث كان هناك مدا حضاريا تدعمه سياسة البلد نفسها، لم يروج نفس الإعلام للعظماء من مبدعي مصر الآن حيث لم يعد إعلامنا المصري مهموما بإبراز عباقرتنا مصر.
لا يهم إذا كانت مصر مازالت تنجب عمالقة أم لا فمصر لا يمكن إختصارها في بعض أشخاص بهم تكون وبدونهم هي مجرد خريطة في الجغرافيا، إن مصر يا سادة أمة لم يشهد الكون مثلها، أمة استطاعت أن تبقى رغم كل صروف الزمان وتقلباته لأكثر من سبعة آلاف عام حتى الآن، امة رغم كل ما تعاني منه مازالت تمور بالأفكار والحراك الاجتماعي والثقافي والفني الذي لا تشهده دولة عربية أخرى، بعيدا بالطبع عن نانسي وهيفا وإليسا الذين يشكلون نهضة لبنان الموسيقية الحالية، فمصر لا تفرز مثل هذه النوعية من الفنون وإن شذ البعض وخرج على هذه الشاكلة فهو منبوذ من المجتمع، على من لا يعرف مصر جيدا ولا يهمه الآن سوى مهاجمتها في محاولة منه للتقليل من شأنها وهز مكانتها عربيا أن يلزم الصمت طالما لن يقول كلمة حق، وعلى من لا يعرف مصر جيدا أن يزورها ليعلم كيف يكون حراك الشعوب في الشوارع ويعرف كيف يكون الإبداع النابع من نبض البسطاء ويعرف كيف يكون الفنان قطعة من نسيج وطنه ويعرف كيف يشكل الشباب مستقبل أمة عاشت ومازالت تعيش، أمة بنت ومازالت تبني ، أمة ليست في حاجة لكيانات وهمية يتصارعون عليها حيث أنها كيان قائم بذاته كامل متكامل لا غبار عليه.
إن مصر لم تكن ولن تكون خريطة في الجغرافيا يا كتاب المسلسل العظماء وإلا كنا قلنا جميعا على سوريا أنها تحولت لمجرد حدود لمكان مجهول حيث أن بلادكم لم تفرز سوى العقم والثبات السياسي والفني والأدبي طوال عشرون عاما مضت، وأنكم للأسف لا تمتلكون سوى أصوات أدبية يبلغ أصغرهم سبعين عاما حيث لا وجود لمبدعين شباب لديكم .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حسين بن محفوظ.. يصف المشاهير بكلمة ويصرح عن من الأنجح بنظره


.. ديربي: سوليفان يزور السعودية اليوم لإجراء مباحثات مع ولي الع




.. اعتداءات جديدة على قوافل المساعدات الإنسانية المتجهة لغزة عب


.. كتائب القسام تعلن قتل عشرين جنديا إسرائيليا في عمليتين شرقي




.. شهداء ومفقودون بقصف منزل في مخيم بربرة وسط مدينة رفح