الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هيأة النزاهة والحراك الجماهيري في مواجهة الفساد

علي محمد البهادلي

2015 / 8 / 18
مواضيع وابحاث سياسية


منذ أن وطأت القوت الأمريكية المحتلة أرض بلاد الرافدين في 2003 وتنصيب الحاكم الأمريكي (بول بريمر) حاكماً مدنياً، دخل العراق في المجالات كافة عصراً جديداً سواءً في الجانب السياسي أو الإداري وحتى الاجتماعي والثقافي، وقد برع أيما براعة في تنفيذ المهمة التي أوكلت إليه، ابتداءً بقرار حل الجيش العراقي وتأليف مجلس الحكم الذي كان بذرة المحاصصة القومية والطائفية المدمرة وانتهاءً بسنّ قانون إدارة الدولة الذي كان النسخة المصغَّرة للدستور العراقي الدائم المفعم بألغام أنتجت كوارث نلمس آثارها إلى اليوم.
لم تكن العملية السياسية منذ تشكيل مجلس الحكم، ومروراً بسن قانون إدارة الدولة وكتابة الدستور، والحكومات التي انبثقت عن الدورات البرلمانية السابقة، قائمةً على أساس صحيح ومتين، بل على أساس جرف هارٍ ومعايير قومية وطائفية وحزبية وفئوية أوهن ــ إن حكمنا العقل ــ من بيت العنكبوت، فأصبحت الكابينات الوزارية ودوائر الدولة ومؤسساتها بما في ذلك وكلاء الوزارات والمديرون العامون على شكل (كانتونات) وحصص، حتى وصل الأمر ببعض الوزارات أن يكون الموظفون في الوزارة ينتمون إلى طيف واحد من أطياف الشعب العراقي ابتداءً من عمال الخدمة وصولاً للقيادات العليا، وهو ما أدَّى بدوره إلى استشراء الفساد وتكوين مافيات له يصعب على أعلى سلطة في البلد محاربتها أو حتى التفكير بمساءلتها، وأمست عملية الاستجواب التي يقوم بها البرلمان بحقِّ الوزراء منذ عهد وزير الدفاع الأسبق (حازم الشعلان) وزميله في الكابينة الوزارية نفسها(أيهم السامرائي) وزير الكهرباء الأسبق، مروراً بوزراء الحكومات المتلاحقة من حكومة الجعفري وليس انتهاءً بحكومة المالكي كوزير التجارة الأسبق (فلاح السوداني) ووزير الكهرباء الأسبق (كريم وحيد) أمست كلها مجرد عملية صورية، بل أصبحت تلك العملية (الاستجواب) خاظعة لعملية المساومة، فإذا أريد إسقاط الحصانة عن نائب أو وزير لوجود تهم فساد أو إرهاب انتفض أعضاء الكتلة التي ينتمي إليها ووسموا ذلك الإجراء بأنه استهداف سياسي أو ..... وأخذوا يساومون الكتل الأخرى بفتح ملفات وزراء تلك الكتل أو نوابها أو رشوة بعضهم للتراجع وسحب التوقيع الخاص بالمطالبة بالاستجواب.
هذا الوضع المزري أدى إلى تفشي الفساد في مؤسسات الدولة كافة الذي أنتج بدوره إلى انهيار الجيش في الموصل واحتلال مساحة كبيرة في الأنبار وصلاح الدين، حتى بلغ صبر العراقيين الزبى، فخرجوا بتظاهرات حاشدة للتنديد بالفساد ونقص الخدمات والعملية السياسية المعوجة، وهو ما أجبر الحكومة على تقديم حزمة من الإصلاحات التي قُدِّمت إلى البرلمان؛ من أجل إقرارها ، ولم يكن لهم من الأمر شيء، فصوَّتوا لها مجبرين مكرهين، مما يعني أن الشعب بإصراره على المطالبة بحقوقه المشروعة قادرٌ على إجبار السياسيين على الرضوخ لمطالبه؛ مما يحفز المتظاهرين على الاستمرار بالتظاهر للضغط أكثر؛ من أجل تحسين الوضع السياسي والإداري والمالي والاقتصاديفي البلد، وإصلاحه بما يؤمن حياة كريمة يهنأفي ظلها المواطن بالعيش الرغيد.
إن الحشد الجماهيري الذي خرج لمواجهة الفساد السياسي والإداري والمالي في عموم المحافظات الوسطى والجنوبية هو بادرة خير على تبلور الوعي لدى الشعب، وهو يشكل انتفاضة وحشداً مدنياً ــ كما عبر عن ذلك بعض الناشطين والإعلاميين ـ لمواجهة الفساد موزاياً للحشد الشعبي العسكري الذي يقف في جبهات القتال لمواجهة خطر (داعش) الإرهابي.
في ظل هذا الوضع الملتهب والرأي العام الساخط على الفساد والمفسدين وتحرك الحكومة للإصلاح في المجالات (الإداري والمالي والاقتصادي والسياسي) ينبغي لهيأة النزاهة أن تقتنص هذه الفرص الذهبية؛ لتفعيل ملفات الفساد، وأن تطيح بالحواجز السياسية التي وصفها أحد رؤساء الهيأة السابقين بـ"الكونكريتية" التي تحول دون مكافحة الفساد، إذ لم تكن تتهيأ لهيأة النزاهة 2003 إلى الآن فرصة مثلها، فكل الظروف الموضوعية سواء كانت سياسية أو اجتماعية أو خدمية أو جماهيرية مؤاتية لفضح الفاسدين والمفسدين، والضرب على أيديهم وتقديمهم للقضاء والتشهير بأي كتلة سياسية تقف حائلاً دون إجراء التحقيقات الخاصة بملفات الفساد، لا سيما أن رئيس الهيأة (حسن الياسري) أكَّد في تصريح له عند زيارته لوزارة التجارة (أنَّ الهيأة ستطال الفاسد مهما كان موقعه، وأنَّها لن تتوانى في محاربة المتلاعبين بقوت الشعب، ولن تقف متفرِّجة أمام التجاوزات على المال العام) وأن الهيأة ستضرب بسوط القانون كل من تسول له نفسه التجاوز والتلاعب بالمال العام وإن للمفسدين بأيهم السامرائي لعبرة.
إن إجراءات الهيأة المعلنة إذا ما فعلت وإذا ما استطاعت هيأة النزاهة ــ بالتعاون مع وزارة الخارجية والداخلية ومفاتحة الانتربول ــ استرجاع أيهم السامرائي وحازم الشعلان وفلاح السوداني أعتقد أن ذلك سيجعل الجماهير كما فوضت رئيس الوزراء العبادي لإجراء الإصلاحات أنها ستفوض الياسري بالنيابة عن الشعب ملاحقة الفاسدين واسترجاع واسترداد الأموال المنهوبة وأنها ، أي الجماهير ، ستهتف في ساحة التحرير وفي الساحات أجمع للنزاهة وتندد بكل من يدافع عن الفساد أياً كان مشربه وانتماؤه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصدر أمني: ضربة إسرائيلية أصابت مبنى تديره قوات الأمن السوري


.. طائفة -الحريديم- تغلق طريقًا احتجاجًا على قانون التجنيد قرب




.. في اليوم العالمي لحرية الصحافة.. صحفيون من غزة يتحدثون عن تج


.. جائزة -حرية الصحافة- لجميع الفلسطينيين في غزة




.. الجيش الإسرائيلي.. سلسلة تعيينات جديدة على مستوى القيادة