الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اسلام لا يعرفه المسلمون

مدني عبد المجيد الهيتي

2015 / 8 / 18
مواضيع وابحاث سياسية


إنَّ من أُسس الدين الإسلامي الذي رضيه الله تعالى لعباده، الدعوة إلى الاجتماع ونبذ التفرق، وقد جاءت الآيات الكريمة والأحاديث النبوية مُعظِّمةً لشأن الجماعة ومُحذرة من الفرقة، فقال عز وجل: «وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُون. وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون. وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيم». سورة آل عمران: 103- 105. وقال تعالى ناهياً عن التنازع: «وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ». سورة الأنفال: 46. وبيَّن سبحانه أنَّ من أعظم الرزايا تفريق كلمة المسلمين، فقال جل وعلا: «وَلاَ تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِين. مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُون». سورة الروم: 31، 32.

ولقد ثبت عن رسولنا صلى الله عليه وسلم الأمر بلزوم جماعة المسلمين: «عليكم بالجماعة فإن يد الله على الجماعة» أخرجه الترمذي, وروي عن ابن مسعود رضي الله عنه قوله: «يا أيها الناس عليكم بالطاعة والجماعة، فإنها حبل الله الذي أمر به، وإن ما تكرهون في الجماعة والطاعة هو خير مما تحبون في الفرقة». أخرجه الطبراني والحاكم. وقد نص ابن تيمية على أنَّ: «الواجب على المسلم إذا صار في مدينة من مدائن المسلمين أن يصلي معهم الجمعة, والجماعة ويوالي المؤمنين ولا يعاديهم, وإن رأى بعضهم ضالاً أو غاوياً وأمكن أن يهديه ويرشده فعل ذلك، وإلا فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها».

ولا أدلَّ على تعظيم الشريعة الإسلامية لأمر الاجتماع ونبذ التحزب: أن علماء السلف كرهوا للمصلي إعادة الصلاة إذا صلاها خلف الفاجر, ولم يُعِدْها الصحابة رضوان الله عليهم إذا صلوا خلف أهل الفجور والبدع، ونص بعض السلف على أنَّ مَنْ أعادها فهو مبتدع.

هذا في تعظيم أمر الجماعة والتحذير من الفرقة؛ فكيف إذا اقترن التفرق باستحلال الدماء المعصومة، والغدر والخيانة؛ إذ جاء الوعيد على ذلك كما في قوله سبحانه: «وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً». سورة النساء: 93. وقال «صلى الله عليه وسلم»: «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث النفس بالنفس والثيب الزاني والتارك لدينه المفارق للجماعة». متفق عليه.

ومَنْ تأمل سيرة الرسول «صلى الله عليه وسلم» في معاملته للخلق, من لين الجانب والسماحة، وتركه كل ما فيه تنفير، حتى إنه كان يترك الأكمل ويفعل ما دونه خشية التفرق؛ فقد ثبت عنه قوله «صلى الله عليه وسلم» لعائشة رضي الله عنها: «لولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية لنقضت الكعبة وجعلتها على قواعد إبراهيم» متفق عليه؛ حرصاً منه على تأليف القلوب, فمن تأمل هذا وغيره عرف أنَّ من أهم قواعد الدين: السعي في هداية الخلق، وجمع كلمتهم، وهذا من أعظم المعروف, وإهداره من أعظم المنكر.

ويزداد الأسى؛ حين يُستحَلُّ الدم الحرام، ويُستبَاحُ هدم بيوت الله لدى تلك الجماعات والتنظيمات التي اتخذت التكفير منهجاً والإجرام سلوكاً, فما أشدَّ بُؤسَ تلك النفوس التي أخلدت إلى الأرض وخالفت شريعة الإسلام, وانتهكت الحرمات، وفارقت الجماعة، وهجرت سنة رسول الرحمة «صلى الله عليه وسلم»، الذي نهى عن إيذاء الحيوان؛ فضلاً عن إزهاق روح الإنسان.

وتطبيقاً لذلك؛ استوعب المجتمع الإسلامي تنوع المذاهب والأفكار باعتبارها سمة من سمات المجتمعات الإنسانية، ولنا في رسولنا «صلى الله عليه وسلم» أسوة، فقد ترك (نصارى الجزيرة العربية) على دينهم، وأعطاهم ذمة الله تعالى ورسوله على دمائهم وأموالهم وحقوقهم؛ بل إنه لمّا أشرقت شمس الإسلام على البشرية وشرع رسولنا «صلى الله عليه وسلم» في تأسيس الدولة, بادر بوضع أسس العلاقة بين مكونات مجتمع المدينة المنورة الذي يتسم بالتنوع القبلي والديني, فآخى بين المهاجرين والأنصار, وكتب ميثاقاً ينظم العلاقة بين مكونات المجتمع من مسلمين وغيرهم؛ بما يحفظ حقوق الجميع, فوسعت الدولة في عهده عليه الصلاة والسلام هذا التنوع في الإطار العام للمجتمع الإسلامي حتى تلك الطوائف التي لم تدخل في الإسلام.

وفي هذا يؤكد ابن القيم أنَّ: «وقوع الاختلاف بين الناس أمر ضروري لابد منه لتفاوت إراداتهم وأفهامهم وقوى إدراكهم، ولكن المذموم بغي بعضهم على بعض وعدوانه, وإلا إذا كان الاختلاف على وجه لا يؤدي إلى التباين والتحزب، وكل من المختلفين قصده طاعة الله ورسوله، لم يضر ذلك الاختلاف، فإنه أمر لا بد منه في النشأة الإنسانية».

وعلى هذا, جاء الوعيد لـمَنْ حارب هذه الإرادة الكونية في التنوع والتباين في إطار قواعد الشرع ومبادئ المجتمع الإسلامي, ومن ذلك قوله «صلى الله عليه وسلم»: «مَنْ قتل معاهدًا لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عامًا» أخرجه البخاري.

فلم يبقَ مجال للشك في انحراف الجماعات التي رفضت الإرادة الكونية ولم تدرك الحكمة منها، وقدمت فهمها الخاطئ على أنه الإسلام، فأساءت إلى المسلمين الذين لم يكن الاعتداء على المسالمين لهم خُلقاً، وإنَّ رسائله «صلى الله عليه وسلم» إلى الملوك والقادة في عهده تثبت مُسالمته لغير المحاربين، ومن استجاب من المحاربين كذلك، ومنها: رسالته عليه الصلاة والسلام إلى (المقوقس) عظيم القبط, وأظهر من ذلك صبره «صلى الله عليه وسلم» على أذى المنافقين حين طعنوا في عرضه، وافترى عليه ذو الخويصرة فرماه بالظلم, ومع ذلك لم يأذن عليه الصلاة والسلام بقتلهما؛ لئلا يتحدّث الناس أنّ محمّداً يقتل أصحابه، وبذلك اجتمع شمل الأمّة، ودخل الناس في دين الله أفواجا؛ لأنّهم رأوا رحمة الفاتحين، وحِلم الحاكمين.

وبهذا المنهج الإسلامي العظيم، وعلى هذا النحو من التعايش للمسلمين مع غيرهم, تجلت عالمية الدعوة: «وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ. إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ». سورة هود: 118،119.

وفي العهد الراشدي وما بعده ظهرت فرق شطحت في الاعتقاد وتأولت القرآن على غير وجهه، فلم يكن ذلك سبباً لتكفيرهم واستحلال دمائهم؛ ما لم يخرجوا بالسيف. وهذا ما قرره العلماء كشيخ الإسلام من أنه: «لا يجوز تكفير المسلم بذنب فعله ولا بخطأ أخطأ فيه كالمسائل التي تنازع فيها أهل القبلة.. وإذا كان هؤلاء (الخوارج) الذين ثبت ضلالهم لم يكفروا مع أمر الله ورسوله بقتالهم؛ فكيف بالطوائف المختلفين الذين اشتبه عليهم الحق؟! فلا يحل لأحد من هذه الطوائف أن تكفر الأخرى ولا تستحل دمها ومالها وإن كانت فيها بدعة محققة. فكما أن من أصول أهل السنة والجماعة أنهم لا يكفرون أحداً بذنب؛ فكذلك لا يكفرون أحداً ببدعة.. وأصل قول الخوارج: أنهم يكفرون بالذنب, ويعتقدون ذنباً ما ليس بذنب, ويرون اتباع الكتاب دون السنة التي تخالف ظاهر الكتاب- وإن كانت متواترة- ويكفرون من خالفهم، ويستحلون منه لارتداده عندهم ما لا يستحلونه من الكافر الأصلي، كما قال النبي «صلى الله عليه وسلم» فيهم: «يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان».. وأكثرهم يكفر مَنْ خالف قولهم ويسمون أنفسهم المؤمنين، ومن خالفهم كفارا، ويجعلون مدائن الإسلام التي لا تظهر فيها أقوالهم دار ردة أسوأ حالاً من مدائن المشركين».

فهذه الجماعات تقوَّلوا على الله ورسوله ما لم يقولوه، وظنوا أنهم أقدر فهمًا لنصوص الشرع من الصحابة، يقول شيخ الإسلام: «فهؤلاء أصل ضلالهم اعتقادهم في أئمة الهدى وجماعة المسلمين أنهم خارجون عن العدل، وأنهم ضالون.. ثم يعدّون ما يرون أنه ظلم كفراً، ثم يرتبون على الكفر أحكاماً ابتدعوها».

فلم يدركوا أن الشريعة مبنية على مراعاة مصالح العباد في المعاش والمعاد, وهي عدل ورحمة وحكمة, وأنها -كما قرر العلماء- جاءت بتحصيل المصالح وتقليل المفاسد، وترجيح خير الخيرين ودفع شر الشرين, ورفع الحرج والمشقة, ومن أعظم مقاصدها المحافظة على الكليات الخمس؛ وهي: الدين، والنفس، والعقل، والعرض، والمال.

وبتتبع ما جاء عن رسول الله «صلى الله عليه وسلم» من الحث على حسن الخلق وذم سيئه, ومقارنة ذلك بأخلاق القوم, يظهر بجلاء عظم المفارقة وفقد الاقتداء؛ حتى إنَّ هؤلاء المارقين قد استحلوا دماء والديهم وأرحامهم! «فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ. أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ». سورة محمد: 22, 23. وأخرج الترمذي عن عائشة رضي الله عنها أنَّ رسول الله «صلى الله عليه وسلم» قال: «إن من أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا, وألطفهم بأهله».

أما الخوارج ومن تبعهم؛ فإن دينهم المعظم مفارقة جماعة المسلمين واستحلال دمائهم-;- فقد خالفوا السنة التي أمر القرآن باتباعها, وكفَّروا المؤمنين الذين أمر القرآن بموالاتهم, ولهذا فسر سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه فيهم هذه الآية: «وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّار». سورة الرعد: 25. فديدنهم تتبع المتشابه من القرآن وتأويله على غير مقصده من غير معرفة بمعناه ولا رسوخ في العلم؛ ولذلك وصفهم رسول الله «صلى الله عليه وسلم» بأنهم: «حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام», دلالةً على ضعف عقولهم.

وقد دأب هؤلاء الخارجون على الشريعة باستهداف بلاد الإسلام, فهم كما أخبر عنهم النبي «صلى الله عليه وسلم» (يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان), فأيُّ امرئ متجرد للحق يُمكن أن يُصدق انطلاقهم من قواعد الإسلام؛ فضلاً عن أن يكونوا مدافعين عنه! بل إنَّ الإسلام لم يُؤتَ إلا من أفعالهم؛ صاروا حرباً على الإسلام وأهله, وعوناً للأعداء المتربصين به, وأداة طيعة في يد مَنْ أراد شراً بالمسلمين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - اللي أعرفه انه قال اخرجوا اليهود والنصارى
أبو وضحى بدوي وده يتثقف ( 2015 / 8 / 18 - 09:40 )
شف يا كاتب المقالة
رسولك محمد قال اخرجوا اليهود والنصارى من جزيرة العرب ولا يجتمع دينان فيها
واللي قلته موب صحيح إلا أن كان ودك تنافق الربع وضحكت من كلامك بالحرية وعنها
بس شكلك من الجاميه وحزب الزور وعبيد الحكام الملاعنين


2 - إن كان إسلامك يقمع تحت عنوان لزوم الجماعة فليسقط
صمت مطبق ( 2015 / 8 / 18 - 09:54 )
إن كان إسلامك قدم الجماعة على حساب الفرد وكرامته وحريته فهو كالشيوعية وسيسقط مثلها!!


3 - الى كاتب المقال
صباح ابراهيم ( 2015 / 8 / 18 - 12:06 )
ان المنافقين كانوا اخوان الشياطين
لأنك مغسول العقل ولا تستخدمه للتفكير فمن حقك ان تمدح رسولك وتصفه بالرحمة
ودين الاسلام بالسماحة ، ولكن هل هي سماحة شق ام قرفة العجوز الى نصفين ، او قتل يهود بني قريضة 800 رجل في يوم واحد ذبحا بالسيوف ، ام اغتصاب صفية رغما عنها بعد ان قتل ابيها واخيها وزوجها ؟
لماذا تذكر ألايات الجميلة فقط وتنسى ايات الامر بقتل الاخرين ، اقتلوا واضربوا فوق الاعناق واضربوا منهم كل بنان . وايات التكفير ( كفر الذين قالوا ان المسيح هو الله )
يا اخي الزمن تغير ، والناس تفتحت عقولها ولازلت انت تعيش في القرن السابع الصحراوي .
الحق ركب الحضارة قبل ان تبقى خلف القافلة .


4 - اسلام لا يعرفه المسلمون
شاكر شكور ( 2015 / 8 / 18 - 15:52 )
خير من وصف حقيقة القرآن هو الخليفة علي بن ابي طالب حيث قال عنه إنه كتاب حمّال اوجه اي كتاب نفاق فأنت يا استاذ مدني اخذت احد الأوجه التي تلائمك والدواعش ايضا يأخذون من القرآن ما يلائمهم فالأزهر لم يستطع تكفيرهم ، هذا ولعبة تبادل الأدوار بينكم وبين منهج الدواعش اتضحت عندما اصبحتم حاضنات لهم فالقرآن لا يمكن تجزأته لأن الجميع اخوة في الإيمان يسوقكم نبي محتال سمح بالتقية والتورية ، تحياتي للجميع

اخر الافلام

.. الجزائر: مطالب بضمانات مقابل المشاركة في الرئاسيات؟


.. ماكرون يثير الجدل بالحديث عن إرسال قوات إلى أوكرانيا | #غرفة




.. في انتظار الرد على مقترح وقف إطلاق النار.. جهود لتعزيز فرص ا


.. هنية: وفد حماس يتوجه إلى مصر قريبا لاستكمال المباحثات




.. البيت الأبيض يقترح قانونا يجرم وصف إسرائيل بالدولة العنصرية