الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مفاهيم متطورة للأبوة والرجولة

نوال السعداوي
(Nawal El Saadawi)

2015 / 8 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


يتعرض الأبناء والبنات على يد آبائهم لمآسى مفجعة، فى بولاق الدكرور، قتل الأب ابنه، عمره أربع سنوات، وادعى أنه سقط فى الحمام ولقى مصرعه،

كشف الأخ الأكبر، عمره سبع سنوات، أن والده ضرب شقيقه الأصغر حتى مات، لأنه فتح الثلاجة وأكل دون إذن، وكشفت التحقيقات أن الأخ الأكبر مصاب بجروح وكدمات بجسده، نتيجة الضرب الذى يتلقاه من أبيه.


وفى قليوب، قتل الأب طفليه بالضرب المبرح وألقى بهما تحت السيارات على جانب الطريق الدائرى، انتقاما من أمهما التى طلقها ليتزوج بغيرها، وفى الزقازيق، إغتصب الأب ابنته الطفلة وهددها بالموت إن كشفت السر، وفى الجيزة ذبح الأب ابنه ليتخلص من مصاريفه الجامعية بتحريض من زوجته التى تصغره بخمسين عاما وتستولى على مرتبه كل شهر، والأب الذى يرفض نسب ابنه إليه رغم أنه وقع عقدا عرفيا مع الأم وعاش معها سنوات، لكن القانون السائد يدين الطفل البريء وأمه، ولا يلزم الأب بتحليل البصمة الوراثية لإظهار الدليل المادى على الأبوة، وإذا رأيت رجلا فى الطريق يضرب زوجته أو ابنه بطريقة وحشية، وحاولت إيقاف الاعتداء فأنت الذى تعاقب وليس الأب المذنب.

ورثنا فكرة الأب، الإله المعصوم، منذ العصر الطبقى الأبوى، انحفرت قدسية الأبوة فى القانون الدينى والمدنى للدولة والعائلة، أصبح الأب يمتلك أطفاله وزوجاته كما يمتلك الماشية، ومن حقه قتلهم وتأديبهم بالضرب والطرد أو بالطلاق والزواج بأخريات، واقتناء الجوارى بالمئات أو الآلاف فى حريم الملوك والحكام، وكان رمسيس الأكبر يتزوج بناته، حتى قامت ثورات العبيد والنساء، وتغيرت القوانين لتحريم زواج الآباء من بناتهم، ونشهد اليوم محاولات النكوص إلى الماضى، مع تصاعد التدين السياسى، مثلا، ظاهرة زواج القاصرات، وتحجيب الأطفال البنات وتزويجهم للعجائز الأثرياء، وجرائم الاغتصاب والتحرش وغيرها،،



تطورت مشاعر الأمومة فى التاريخ أسرع من الأبوة، فالأم معروفة لأنها تلد الأطفال، أما الأبوة فلم تعرف إلا بعد تقدم الطب واكتشاف علم الأجنة لدور الرجل فى تكوين الجنين، وكان الأب يأكل أولاده الذكور ويغتصب بناته، حتى علمته أمهم الإنسانية والمسئولية، كان الطريق شاقا طويلا أمام الأمهات لإصدار قوانين التحريم الأولى فى التاريخ، ومنها تحريم الممارسة الجنسية بين الأب وبناته، ومنع الآباء من أكل أطفالهم، وقوانين أخرى لتحويل الرجل من «ذكر» الى إنسان.



إلا أن تطور الأبوة كان يتعثر، ومع انتهاء النظام الأمومى ونشوء النظام الأبوى، تضخمت القيم الذكورية، وامتلك الأب السلطة المطلقة فى الأسرة والدولة، ولولا صلابة الأمومة وقوة حبها للأطفال ربما انقرض الجنس البشرى، واستطاعت الثورات الشعبية التصدى لطغيان الآلهة الأسياد، شهدت مصر القديمة ثورة منف الأولى عام 2420 والثورة الثانية1260 والثالثة 1094 والرابعة 663 قبل الميلاد، وغيرها من الثورات الممتدة فى التاريخ حتى اليوم، وكم من آباء حطموا أسرهم وقتلوا أولادهم بسبب نزوة عابرة، وملوك ورؤساء سقطوا، فى الماضى والحاضر، أمام شهواتهم، مثلا، رئيس حكومة إيطاليا السابق مع البنات المراهقات، ورئيس فرنسا السابق مع عشيقته السرية فى جاراج، ورئيس صندوق النقد الدولى السابق وعاملة الفندق فى نيويورك، ونائب رئيس اللوردات البريطانى، حاصل على لقب «نبيل» يتولى مراجعة التشريعات الحكومية والتأكد من السلوك المستقيم للأعضاء اللوردات، ثم يتخفى، الشهر الماضى، مع نساء الليل. هذه الأمثلة ليست إلا قطرة فى بحر.



وهناك نساء ضعيفات أمام نزواتهن، لكن عددهن قليل بالنسبة للرجال، فالأمومة تطورت إنسانيا عبر القرون، وانتصرت على الأنانية والشهوات، وأصبحت الأم أكثر من الأب إستعدادا للتضحية من أجل الأطفال، لكن القوانين الأبوية السائدة حتى اليوم، مع القيم السلفية المتصاعدة خلال العقود الأخيرةء تشجع الرجال على الفوضى الجنسية، ولا يوجد، فى بلادنا، وأغلب بلاد العالم، عقاب للرجل بسبب الزنا أو الخيانة الزوجية، مثلا، لم يعاقب رئيس الولايات المتحدة (بيل كلينتون) على الخيانة الزوجية، فالدستور الأمريكى يعاقب الرجل على خيانة الوطن فقط، وليس خيانة الزوجة.


وهناك دول قليلة (السويد والصين وتونس) حققت المساواة بين الأب والأم فى المسئوليات جميعا بما فيها الإخلاص الزوجى، لكن قانون الأسرة المصرى مازال يشرع اللامساواة بين الزوجين، إذ تعاقب المرأة لمجرد الشك وإن كانت بريئة، وإسمها يظل عارا وإن أخلصت للزوج والأسرة، والأب هو الشرف وإن فسق وتعددت نزواته، مما يعطل التطور الإنسانى للرجال، ويهبط بالأبوة إلى الأنانية والهمجية.


لكن الثورات الشعبية، شباب ونساء وفقراء، أصبحت تتفجر، تضرب جذور اللامساواة الأخلاقية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتعليمية والدينية، تكشف بؤر الفساد والاستغلال، وتضع مفاهيم متطورة للأبوة والرجولة، أكثر إنسانية وتمسكا بالصدق والعدل والكرامة فى الحياة الخاصة والعامة، لا تفصل بين الإخلاص للوطن والإخلاص للصداقة والحب والعمل، تحترم العهد مع الغنى والفقير، والمرأة والرجل والطفل، وتعلو كلمة الشرف على الأختام والبصمات والحبر على الأوراق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حلم الدولة الكردية.. بين واقعٍ معقّد ووعود لم تتحقق


.. ا?لعاب ا?ولمبية باريس 2024: سباح فلسطيني يمثل ب?ده ويأمل في




.. منيرة الصلح تمثل لبنان في بينالي البندقية مع -رقصة من حكايته


.. البحث عن الجذور بأي ثمن.. برازيليون يبحثون عن أصولهم الأفريق




.. إجلاء اثنين من الحيتان البيضاء من منطقة حرب في أوكرانيا إلى