الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إبن المجنونة .

قاسم حسن محاجنة
مترجم ومدرب شخصي ، كاتب وشاعر أحيانا

2015 / 8 / 19
الادب والفن


إبن المجنونة .
-يي عليكي يا شهيرة ..!! بدك تتجوزي ابن رئيفة ؟؟!!
وفي دواخلها فشهيرة لم تكن ترغبُ بهذا الزواج ، عاندت وكابرت ، بكت واستغاثت ، لكن والدها كان قد اتخذ قراره منذ زمن بعيد وقبل أن يَشُبّ الإثنان على الطوق . مُوفق لشهيرة وشهيرة لموفق !!
كانت لشهيرة اسبابها الخاصة ، ولم يكن من بينها حالة أم موفق بتاتا ، فهي زوجة عمها وترثي للحالة التي وصلت إليها . لكن المشكلة عندها وفي دواخلها . فموفق هو بمثابة أخٍ توأم ، ربّاهُ والدها معهم في بيتهم الطيني المُقام على أرض مخيم للاجئين ، كبرا معاً كأخوين ، تخاصما كما يتخاصم الأُخوة ، لكنها لم تشعر نحوه بإنجذاب من أي نوع ، اللهم إلّا مشاعر الأُخوة الصادقة ..
ورغم أنهُ ترّبى في بيت عمه ، فقد كان يزور أمه يوميا ، يتفقد أحوالها ، يطمئن إلى أنها قد تناولت شيئاً من طعام ، يطلب منها برجاء ألّا تجول في حارات المخيم وشوارعه المتربة في الحر والقيظ . يغضب منها إذا طلبت من أحدهم لقمةً أو قرشا .
لكن كل هذا "الرجاء " لا يُجدي مع رئيفة شيئا ، فما ان يبزغ الفجر حتى تخرج الى الازقة ، تهيم على وجهها دونما وجهة محددة ، يلاحقها الصغار بالصراخ مشيرين اليها : -رئيفة المجنونة .. رئيفة المجنونة .!
يزجرهم بالغٌ ، لكنهم يعاودون سيرتهم .. وتستمر دورة حياتها على هذا المنوال ، منفصلة عن حياة الآخرين ، لكنها معهم أيضا . تُحدثُ نفسها أحيانا ، تصرخ احيان أُخرى ، ملابسها رثة ممزقة ، لا تعرف الماء والصابون .
لقد كان موفق يشعر وكأن خنجرا قد غُرسَ في صدره ، لرؤية أُمه الهائمة على وجهها من غير هُدى ، المُلاحقة بسخرية الصغار ، ونظرات الشفقة من الكبار .
تزوجها والده وهي فتاة صغيرة بعد ..الذي لم يكن ، وحتى في أحلامه الوردية ، يجرؤ على خطبتها في السابق .
فهي إبنة أحد زعماء العشائر الكبرى ، والتي بلغ تعداد افرادها ألافا كثيرة ، كان سيداً مُطاعا في أهله وعشيرته ، مشهورا بين جيرانه من أبناء القرى الأُخرى بالكرم وصواب الرأي . كل هذا تلاشى في لمحة بصر ، واصبح كغيره من اللاجئين الباحثين عن لقمتهم لدى وكالة الغوث .
كانت رئيفة ، الإبنة المدللة لأبيها ، تقلبت في النعيم والدلال ، كل رغباتها مُجابة وليس عليها إلّا أن تُشير بإصبعها حتى تصبح رغبتها واقعا .
لم يحتمل عقلها ولا سَنّها ، هذا الإنهيار المفاجيء لوالدها وتبعا لذلك إنهيار أحلامها هي أيضا . فبعد العِز أصبحوا جميعا على باب الله .
زوَجَها والدها من أول طارق ، آملا أن تستعيد حيويتها ومرحها .. لكن الذي حدث هو العكس ، فقد ازداد سرحانها وانفصالها عن حياتها .
لم يستمر زواجها طويلا ، فقد تركها زوجها مع الرضيع ، ووجد لنفسه زوجة أُخرى . لقد كانت تلك الخطوة ضربة قاضية لها ، أرسلتها الى عالم الهلوسات وغادرت حياتها اليومية ، إلى حياة أُخرى ، أبطالها اشخاص وهميون .. سوى موفق الذي كان بمثابة قشتها التي تتشبث بها ، قبل الغرق في محيط الهلوسات العظيم .
ورغم أن موفق لم يعد ، ذلك الفتى الصغير التائه بين أمه وبيت عمه ، فقد ثابر ، درس وحصل على منصب كبير ، وجمع ثروة لا بأس بها ، فهو ما زال يحن إلى أمه رئيفة بل ويتفاخر بها ، واكراما لذكراها فإنه يتصدق سنويا بمال كثير للفقراء والمساكين .
وعلى ذمة شهيرة ، فإن صويحباتها وبالتحديد تلك التي سخرت منها على زواجها من إبن رئيفة ، قال لها بعد سنوات ..
-نيالك يا شهيرة على "ابو سامي " !! وهذه كنية موفق ، بعد أن أصبح مشهورا وثريا ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - قصة مؤلمة جداً!
نضال الربضي ( 2015 / 8 / 19 - 08:32 )
صباحا ً ورديا ً جميلا ً يا صديقي الطيب!

قصة مؤلمة جدا ً بحق، لكن ابنها يستحق كل الاحترام.

أحيانا ً أخاف على ابنتي لتعلقهن َّ بي، لكني ما ألبث ُ أن أتذكر أنني أربيهن على حب الحياة و البحث عن السعادة و أتحدث معهن باستمرار حين يحل مرض بقريب أو يداهم موت ٌ لعزيز عن الحياة و دورتها و الموت و حتمية حلوله و كيفية التعامل معه، و أناقش معهن بما يتناسب مع عمرهن (12 و 10) هذه الحتمية و ذلك التعامل بما يخص موتي أنا الذي لا بد و أن يحل يوما ً، و لقد كنت ُ ألمح في وجوههن في البداية نوعا ً من الحيرة و عدم التصديق و شعورا ً بالخوف ثم فيما بعد أصبحن يتحدثن معي بطريقة فيها الكثير من النضوج المناسب لأعمارهن، و اعتقد أنني أحسن تحضيرهن لهذا اليوم، و لا أبالغ في ما أفعل.

لماذا أقحمت ُ نفسي في قصتك؟ ربما لأن رئيفة أحزنتي جدا ً و الحُزن ُ بالحُزن يُذكر. و بالقطع لأن رأيك كمختص في التأهيل النفسي سيقدم لي و للقراء نصيحة ً بل نصائح ثمينة في كيفية تحضير الأبناء لما ينتظرهم في الحياة.

أتمنى لك و لبيتك كل السعادة!


2 - عزيزي نضال الغالي
قاسم حسن محاجنة ( 2015 / 8 / 19 - 10:18 )
وصباحك أجمل
رغم ان الموتيف في هذه القصة وغيرها من القصص التي كتبتها، يتمحور حول انهيار عوالم الشخصيات ، فالموت كان سيكون رحمة لأولئك المساكين (في القصة طبعا ).
اما بخصوص الموت ، فلا اعتقد بأننا بحاجة للتسرع كي يذوت الصغار الموت .
فسوف يشهدون في حياتهم فقدان اعزاء من الاقرباء ، وحينها يكون المجال مفتوحا لمثل هذا التذويت .
اسعدتني بحضورك الصباحي الباكر
باي


3 - العزيز قاسم حسن محاجنة
نضال الربضي ( 2015 / 8 / 19 - 13:33 )
لكن يا صديقي أليس من الصواب أن نبدأ بتنشئة أطفالنا على التفكير الواقعي بما يصادفهم في الحياة من أخبار عن صعوبات، أمراض، موت، أحباء لديهم؟

لماذا نتركهم لتضطرب مشاعرهم، و ربما لن يعبروا عنها أمامنا، في الوقت الذي نستطيع فيه استغلال هذه الفرص لترسيخ قيم الحب، الجمال، القوة، العمل على تغير الواقع فيما يمكن (صعوبات، أمراض)، قبول الواقع حين لا يمكن (الموت)، و هو ما سيزودهم برصيد مسبق للتعامل مع حالات قادمة قد لا نكون موجودين لمشاركتها معهم؟

دمت بكل الود!


4 - تذويت تطوري
قاسم حسن محاجنة ( 2015 / 8 / 19 - 15:00 )
عزيزي نضال
القضية شائكة ، وهناك سلبيات وايجابيات في الطرفين .
قد يتعرف الأطفال على الموت من خلال بيئتهم الحياتية ، لكن ليس بالضرورة عن طريق فقد احد الأحباء .
ان فقدان العزيز لا يمكن التهيئة له (في رأيي) ،فلو كان الطفل مهيئا بشكل جيد / فسوف يمر بكل مراحل الفقدان النفسية .
هذا رأيي غير الملزم
خالص مودتي واحترامي


5 - تذويت مُركَّب من التطوري و التهيئي
نضال الربضي ( 2015 / 8 / 20 - 09:50 )
صباحا ً طيبا ً جميلا ً أخي قاسم،

أشكرك لردَّيك َ الجميلين.

أشاطرك الاعتراف بأهمية التعرف على الموت من خلال البيئة، و أودُّ أن أضيف له عامل التهيئة، و برأي ِ المتواضع سيكون ُ هذا التركيب أكثر َ صلابة ً، لكني لا أملك أرقاماً و لم أتعاطى مع حالات ٍ واقعية لأدَّعي أنه رأي ٌ إحصائي ٌ، فيبقى رأيا ً شخصيا ً أستصوبُه.

أثمن ُ نصيحتك!
دمت بود.


6 - الموت - ك...- أخت الموت !!
قاسم حسن محاجنة ( 2015 / 8 / 20 - 15:27 )
تحياتي عزيزي نضال
رغم حتميته ونهائيته وقطعيته ، ما زال الموت مرعبا للصغير قبل الكبير
لذا كل شيء في -حينه- يحلو !!
أي حلاوة ؟!!
خالص مودتي


7 - العزيز الغالي قاسم!
نضال الربضي ( 2015 / 8 / 21 - 16:29 )
أخي الحبيب!

أعجبني عنوان ردك و شتيمتك للموت!

أكتب لك و قد عدت ُ من دفن والدة زوجة أخي، و هي الغالية علينا التي قبل شهرين و نصف فقط كانت تغني بكل جمال الحياة في خطبة ابنتها، ثم بعدها بشهر تم تشخيصها بسرطان المعدة، و ماتت قبل ثلاثة أيام فقط.

دفناها في مأدبا، و كم تذكرتها و هي تبتسم، و تستبشر ُ خيرا ً في الحياة، و قد قالت قبلها لابنتها أنها في عيد الميلاد القادم ستسهر في بيتها و بيت زوجها و ستنام عندهم لتحتفل معهم بالميلاد، لكن الموت و هو الحتمية ُ الصادقة شاء َ أن تنام في بيته إلى الأبد.

أخي الحبيب، الموت مصيرنا جميعا ً، لكننا نصمم أن نحيا، أشرب الآن نخبها في بيتي، كاس عرق و نفس أرجيلة، و أجدد التزامي بالحياة.

هل للموت ِ وقت؟ نعم، و عندما يأتي فليعلم أننا قد حيينا دون أن نخاف قدومه، نحن ُ الإنسان!

كل الحب لك!


8 - اخلص التعازي
قاسم حسن محاجنة ( 2015 / 8 / 21 - 16:36 )
اخي وصديقي نضال
أتقدم اليك باصدق التعازي الحارة، وارجو ان تنقل تعازي للعائلة الثاكل ، فلا يعرف معنى الفقد سوى من عايشه !!
ليس لدي ادنى شك بأنها كانت انسانة رائعة تركت وراءها اثرا لا يُمحى .
وسوف يذكرها كل من عرفها .
وقلبي مع أبنائها وبناتها ، ولهم تعازي الحارة
دمت بعافية ، وكنتُ أود ان أكون -نديمك - على كأس العرق !!


9 - فليكن وعدا ً إذا ً!
نضال الربضي ( 2015 / 8 / 21 - 17:06 )
الصديق الغالي قاسم،

فليكن وعدا ً إذا ً!

إذا حضرت إلى الأردن فأعلمني، و أنا كما أنوي (و لم أنفذ لغالية اليوم) سأزور فلسطين و إسرائيل، و سأخبرك قبلها، و ليكن كأسا ً ينتظر تحقيقه، كم يبهجني ذلك!

دمت بود.

اخر الافلام

.. فـرنـسـا: لـمـاذا تـغـيـب ثـقـافـة الائتلاف؟ • فرانس 24 / FR


.. الفنانة نجوى فؤاد: -أنا سعيدة جدًا... هذا تكريم عظيم-




.. ستايل توك مع شيرين حمدي - عارضة الأزياء فيفيان عوض بتعمل إيه


.. لتسليط الضوء على محنة أهل غزة.. فنانة يمنية تكرس لوحاتها لخد




.. ما هي اكبر اساءة تعرّضت لها نوال الزغبي ؟ ??