الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإصلاح بين الواقع و الآمال !

مهند البراك

2015 / 8 / 19
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


اثر انفجار الغضب الجماهيري بسبب انقطاع الكهرباء الذي اوقف اجهزة التبريد و التكييف بانواعها في صيف لهّاب و عطّل الماء الصالح للشرب، على ارضية من بطالة و فقر متزايد و ارهاب و جبهة حرب حامية ضد داعش الإجرامية و تكبّد اعداد اضافية جديدة من شهداء الحرب، اضافة الى تلاحم القوى الأمنية مع الجماهير و تعاطفها معها و رعايتها لها بالماء في هذا الصيف . .
شاركت اعداد كبيرة غير محسوبة في هذا الإنفجار الشعبي الذي اخذ شكل تظاهرات سلمية شبابية في ساحة التحرير تحت نصب الحرية في بغداد، ساهمت فيها اوسع القطاعات الشعبية رجالاً و نساءً شكّلت النساء فيها نسبة الـ 40 % في اكبر مشاركة نسائية في فعالية جماهيرية منذ عام 2003 ، و شاركت بها جماهير من مختلف القوميات و الاديان و الطوائف و من مختلف الشرائح الإجتماعية، و اوضحت بان صبر الجماهير نفذ من شدة و قساوة المعاناة و الألم . .
و فيما يقدّر مراقبون ان العملية السياسية على اساس المحاصصة وصلت الى طريق مسدود، تسابقت الكتل الحاكمة لإعلانها الولاء لغضبة الشعب و اعلانها الإستجابة لمطالب المتظاهرين و بعضها ادّعت بكونها هي منظّتمها، و خاصة بعد خروج المرجعية الشيعية العليا للسيد السيستاني عن صمتها عن التدخل بالأمور السياسية اليومية الذي طال، و اشتمل دعوتها للإصلاح و اعلانها التأييد لخطوات رئيس الوزراء السيد العبادي الذي ابتدأ بإجراء تغييرات و محاسبات ضد الفساد الإداري و المالي، و دعوتها ايّاه الى عدم التقيّد بالمحاصصة في الإصلاح !!
و رغم الإعلان عن بدء الإصلاح، الذي بدأ عملياً بتقليص النفقات الهائلة للرئاسات، ثم الوزارات و المناصب العليا، الاّ انه لم يُلمس بأن هناك خطة واضحة المعالم للإصلاح، اضافة الى عدم وجود طاقم منظّم معه، و لم يُلمس بأن هناك حراكاً فعليّاً و استعداداً واضح المعالم من الكتل المتنفذة و خاصة التيار الصدري و المجلس الأعلى للدعم، رغم اعلان التيار الصدري و مباشرته بعملية اصلاح داخله شملت شخصيات ثبت عليها الفساد كابودرع و اخيه . . في وقت تهدد فيه عصائب الحق و حزب الله و بدر بالإنسحاب من جبهات القتال فيما اذا جرى اي مسّ بمكانة رئيس الوزراء السابق المالكي، المتهم الأول بوصول حالة البلاد الى الواقع المرير الذي وصلت اليه .
و في تطوّر آخر و في الوقت الذي اكملت لجنة التحقيق البرلمانية تحقيقها في اسباب سقوط الموصل، و اعلنت الخطوط العامة لنتائجها التي اشتملت على اتهام رئيس الوزراء و القائد العام للقوات المسلحة السابق المالكي و عدد كبير من القادة العسكريين و المدنيين . . تصاعدت تهديدات اعضاء كتلة دولة القانون بالاستقالات و فرضوا عدم قراءة تقرير النتائج علناً في البرلمان و امام عدسات الكاميرات . . و لم يُقرأ التقرير علناً سوى بالعناوين، و لم يُرفع منه ايّ اسم و احيل الى القضاء.
و فيما لاينسى مراقبون خبرات نظام ولاية الفقية في التفنن في التنفيس عن شعبه بين فترة و أخرى و حتى سماحه لمجئ حكومات اصلاحية تحت السيطرة الى اجل مُسمىّ لتهيئة الأجواء للعودة الى القبضة المتشددة، دعى المرجع الإيراني الأعلى السيد الخامنئي زعماء الكتل الحاكمة في العراق معاً الى العاصمة طهران كما تناقلت وكالات الأنباء، التي تناقلت ايضاً صدور تهديدات من مكتبه تمنع المس بالمالكي، و الاّ يؤمر بسحب ميليشيات العصائب و حزب الله المسندة من الدوائر الإيرانية، من جبهات مقاتلة داعش الإجرامية في مناطق الأنبار . .
في وقت طلب فيه الرئيس اوباما من الكونغرس الموافقة على ارسال قوات للحفاظ على العراق من داعش، و التهيؤ لتحرير الموصل، اثر المذابح الجديدة ضد المدنيين من اهالي الموصل و اثر استخدام داعش للسلاح الكيمياوي ضد مواقع البيشمركة في اطراف الموصل و اربيل، و تنتشر انباء لم تؤكد بعد تفيد بانزال 1000 جندي اميركي في اطراف الموصل للتهيؤ لعمليات تحريرها .
من جانب آخر و بينما يلعب اقليم كردستان دوراً هاماً في تحريك و انجاح الديمقراطية في البلاد كما لعب ادواراً اساسية في مواجهة و اسقاط الدكتاتورية و في محاولات تعديل مسار الحكم القائم، و رغم الظروف غاية بالدقة التي يمرّ بها الإقليم الذي صار ملاذاً لمئات آلاف النازحين من كل المكونات العراقية بسبب الحروب و الصراعات الدينية و الطائفية و غيرها . . و الظروف التي تتطلب السهر على وحدة القرار الكردستاني و التعاون مع كل اجزاء كردستان في مواجهة مخططات الدول المحيطة في وقت تكسب القضية الكردية مكاسب دولية و إقليمية كبيرة للإنتصارات التي تحققها وحدات البيشمركة على داعش الوحشية الإجرامية . .
تنتشر اشاعات مفادها ان حكومة اقليم كردستان ليست مع اجراءات الإصلاح الجارية رغم تصريحات المسؤولين بالإقليم التي تؤيدها. و يرى مراقبون ان مايزيد تلك الإشاعات هو تزايد الصعوبات المعيشية بسبب العلاقات المعقدة بين المركز و الإقليم بخصوص مخصصات الإقليم، البطالة و الفساد الإداري، الإنتظار الذي طال على اعلان نتائج التحقيق مع اداريين كرد اتهموا بعدم الدفاع عن سنجار، و مع من القي القبض عليهم من قبل اجهزة الإقليم للتحقيق بقضايا تهريب النفط و بالتواطؤ مع داعش، كما اعلنت و وعدت الاجهزة الرسمية في اقليم كردستان حينها. اضافة الى تعليق العمل بتطبيق سياسة (من اين لك هذا) التي اقرتها حكومة الاقليم في وقت سابق.
و يرون إن أي تعطيل لقرارات الإصلاح، مهما كانت المسوغات لا يساعد الاّ في استمرار نهب ثروات العراق النفطية بأجمعه وموارده المالية بحيث لا يبقى للتنمية ومواجهة حاجات الشعب بمكوناته شيء يذكر، و لاينسجم مع الإستعدادات في مواجهة داعش المحتلة التي تستبيح الناس وتستخدم الكيماوي ضد البيشمركة الأبطال، و لا مع مواجهة (الفساد والإرهاب) كنتاج طبيعي للنظام السياسي الطائفي والمحاصصة الطائفية والتمييز العرقي و القومي.
خاصة و ان دعم الإقليم للأصلاح الذي يقوده العبادي مهم الآن، لأن الإصلاح يرسّخ المكاسب الكردستانية و يفتح لها ابواباً ارحب، و لأنه يسير على طريق طويل غير واضح المعالم حتى الآن، في ظروف تأييد شعبي واسع و تأييد دولي و اقليمي له، و يرون ان الشعب سيسعى لدفع عملية الإصلاح إلى الأمام بكل الوسائل، بالرغم من مقاومة شرسة تلوح لأفراد متنفذين من الكتل الحاكمة في بغداد كالمالكي و غيره، التي تجد المساندة من بعض دول الجوار.
في هذا الخضم المعقّد تتواصل التظاهرات السلمية في انحاء محافظات البلاد، بشعاراتها المتنوعة الداعية الى محاربة الفساد بإجراءات عملية و نتائج فعلية، دون مركز منظّم للمظاهرات بقدر ماهي حركة عفوية واسعة تجمعها المعاناة و الألم الذي لم يعد يُطاق، و تحققها مواقع التواصل الاجتماعي . . بتحرّك منوّع من تظاهرات غاضبة الى كرنفالات و احتجاجات شبه احتفالية بحلقات الشباب التي عكست و تعكس بعمومها ادركا لحجم المخاطر القائمة و للحرب مع داعش و الارهاب، مدينة النظام السياسي القائم على المحاصصة، و متبعة ضبط النفس الذي ظهر واضحاً في مظاهرات كربلاء العملاقة التي تجمّعت عند مبنى المحافظة رغم مواجهتها بخراطيم المياه القاسية و الحارة و قنابل الدخان، و هي تهتف " بالروح بالدم نفديك ياعراق " !
و يُلمس بوضوح الدور الكبير للتظاهرات حتى الآن في تغيير المواقف و التعامل بين رجال الحكم و بين الشعب، و في رصد و كشف الفاسدين و السارقين علناً و بالأدلة، و دورها في ضخّ طاقة النشاط في البرلمان العراقي الذي تواجه آلية عمله و عدد كبير من اعضائه انواع الإتهامات بالأدلة و على الهواء، وكما صرّحت برلمانية بأن المظاهرات امدّتها بالشجاعة لأبداء رأيها الصريح هي !! الأمر الذي كسر حواجز الخوف و الرهبة لأوساط شعبية واسعة، من السلطة التي يُفترض انها هي التي انتخبتها، رغم وعورة الطريق و ظهور انواع الاحباطات و المماطلات، كما في نتائج المطالبات المتعلقة بفساد القضاء .
لقد اثبتت التظاهرات فشل ممثلي الاحزاب الحاكمة و بالتالي فشل و سقوط المشروع الطائفي و وحدة الشعب بأطيافه الشيعية و السنية، مسلمة و مسيحية، عربية و كردية و باطيافه الأخرى كلّها ، و اثبتت الحاجة الماسّة لقيام دولة مدنية، و الحاجة الى توسيع دائرة المؤيدين و المشاركين في عملية الإصلاح من دوائر الحكم، و تطالب اوساط واسعة بتشكيل لجان شعبية للاصلاح تنبثق من المتظاهرين و اشراكها بعملية الإصلاح بشروط و وسائل إدارية متنوعة معمول بها (*) . . و بأن التظاهرات ان حافظت الحكومة و القوات المسلحة و المتظاهرين على سلميّتها، ممكن ان تكون مجلسا دائماً للرقابة الشعبية على تطبيق الدستور و اقتراح التعديلات عليه، و من اجل التنفيذ الناجح للإصلاح في بلادنا المنكوبة، الغنية بأهلها و بثرواتها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) و ليس عبر تعيين كتلة شبابية برلمانية من عوائل و اقارب المسؤولين، كتطبيق مشوّه للالتزام بكوتا في تشكيلة البرلمان .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل تحرك تصريحات بايدن جمود مفاوضات الهدنة في غزة؟| #غرفة_الأ


.. ممثلة كندية تتضامن مع غزة خلال تسلمها جائزة




.. كيف سترد حماس على بيان الوسطاء الذي يدعوها وإسرائيل لقبول ال


.. غزيون يستخدمون مخلفات جيش الاحتلال العسكرية بعد انقطاع الغاز




.. صحيفة الغارديان: خطاب بايدن كان مصمما للضغط على إسرائيل