الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حَوَّة ..

قاسم حسن محاجنة
مترجم ومدرب شخصي ، كاتب وشاعر أحيانا

2015 / 8 / 21
الادب والفن


حَوَّة ..
أطلقَ عليها أبوها ، إسمُ حواء الرقيق ، ليختزل بها كل النساء الجميلات ، لقد كانت في نظره أجمل الجميلات على وجه الأرض . لكن ما ألعمل مع هؤلاء الفلاحين ، الذين يقتصدون في كل شيء ، فقد تحول لفظ حواء المنساب والموسيقي ، في أفواههم إلى لفظٍ فظٍ ، حوّة ، ينطقونه وكأنهم يُلقمون كلبا، حجرا كبيرا.
–أنا إبن حواء ..من زوجها ألثاني أبي ، ويُقالُ بأن لي أُخوة في بلدتكم ، هل تعرفونهم ؟! قال متسائلا ..- أنا أعيش في هذه البلدة منذ مولدي ، توفيت أمي ، أما أبي فهو نزيل أحد بيوت العجزة ، هنا في هذه البلدة اليهودية ، طوال عمرنا نعيش معهم وبينهم . استمر في مونولوجه دون أن ينتظر جوابا من شخصين التقاهما صدفة في تلك البلدة ، ذات صيف .
أكبرهم سِنّا ، سمع بِحَوّة ، بل ربطته علاقة إجتماعية ، بإبنها وبنتيها ..
-أحقاً أنتَ ابنها ؟! لقد إختفت من بلدتنا ربما قبل مولدي ، أو في طفولتي المُبكرة ، لكنني لم أرَها ، أمّا إسمها فهو ما زال يتردد على الألسن في البلد . يذكرونها بإشمئزاز ..
ذاتَ يوم ، أحضر سائق تاكسي يعملُ في المدينة الكبيرة ، رجلا يقارب الستين ، واسمه فخري، لبيت اخته العانس "صابرة ".. وأخبرها بأن أخاها ينام على الأرصفة ، ويبحثُ في صناديق القُمامة عن طعام وقد مضت فترةٌ طويلةٌ وهو على هذه الحال .
- لا أُريد أُجرة ولا شكرا.. !! أشفقتُ عليه فأحضرتُه ، فهو بحاجة إلى رعاية وعلاج وبيت يأويه .
شكرته على شهامته ، لكنها همهمت في سرها : - هذا اللي كان ناقصني ..!!
فخري ، وهذا اسمه ، قضى حياته في المؤسسات الداخلية والإصلاحيات ، نشأَ فيها وترعرع دون أن يعرفَ له أُماً ولا أباً بالمعنى الحقيقي ، فوالده المُقعد والغائب عن الوعي ، إلا فيما ندر، والذي لا يستطيع مغادرة سريره بالكاد يتعرف على ابنته العانس التي ترعاه .. وتعتني بكل حاجاته .
تَنقّل فخري من مؤسسة الى أخرى ، حتى بلغ الثامنة عشرة ، بعدها تمّ تسريحه إلى الشارع ، حاولَ أن يجد ذاته ، لكن الشارع كان أشّدُ قسوة عليه من "جحيم " المؤسسات الداخلية .
لطالما حلم بالتقاء أُمه من جديد ، فهو ما زال يذكر السنوات الأولى من عمره ويتحسر عليها .. كان يحظى بالحنان والدلال من أُمه ، وذلك قبل أن "تختفي " من حياتهم فجأة ودون سابق إنذار .. بحثوا عنها ، سألوا معارفها ، لكنها تطايرت وتلاشت وكأنها دُخان سيجارة ..!! لم تعد الحياة بعدها بالنسبة للصغار الى سابق عهدها ، بل تساقطت على رؤوسهم المصائب تباعا .
فقد تقطعت أوصال العائلة ، فها هي الأُخت الكُبرى ، تعود إلى بيت أبيها ، وبصحبتها سبعةٌ من الإناث والذكور ، انجبتهم من زواجها المتضعضع اصلا والفاشل لاحقا ..!!
-إنها لعنةُ حوّة ..!! هكذا تلوك الألسن سيرة حوّة وأبنائها ..
الغريب في سيرتها ، والذي تتجاهله الألسن المُغرضة ، هو زواجها برجل مُسَن ..!! فقد كانت لا تتجاوز الثامنة عشرة ، حين أجبرها أُخوتها على الزواج من هذا الرجل . لكي يتفادوا فضيحة حبها لابن الجيران الذي بادلها حبا بحب .. والحب لا يخفى على أحد كما نعلم .
وما هي الا سنوات معدودة حتى لازم "زوجها " الفراش ، ولا مصدر رزق لهم ليعتاشوا من ريعه!! وكوم اللحم في رقبتها ومن مسؤولياتها . لذا قررت الخروج للعمل ، وحصلت على وظيفة عاملة نظافة في احدى المستشفيات الكبيرة ، عملت بجد ونشاط وعادت الى "فراخها" نهاية كل اسبوع ، محملة بكل ما تشتهيه الأنفس وبعض المال .
صبيةٌ وجميلة ، لن يدوم لها الحال ، فهذا من المحال . تقرب اليها مقاول النظافة ، زاد في اجرتها ، واعطاها اسهل الاعمال ، أبدى اعجابه بها ، أفصح عن رغبته في لقاء حميم ، لكنها رفضت !!
-ستهربين معي ونعقد قراننا ... سأهتم بأمر طلاقك وابنائك !! وانساقت وراء الوعد ... واختفت!!
لكنه قضى معها وقتا جميلا وتركها تواجه مصيرها .. !!
غادرت المستشفى والمدينة ، لتعيش في بلدة نائية ، لا يخطر ببال أحد ان يبحث عنها هناك . عاشت وتزوجت من رجل وحيد ، يعمل في رعي وتربية مواشي أحد سكان تلك المنطقة ، وانجبت ، وماتت دون أن يعلم أحد ..!!
أما فخري ، فبعد ان قضى فترة طويلة في مستشفى للامراض النفسية ، عاد للعمل في المدينة الكبيرة ، لكن مرض السرطان عاجله ، فمات في المستشفى ، دون ان يتزوج او ينجب .
وصابرة التي صبرت وعانت من ظلم ذوي القربى وغير ذوي القربى ، والتي رفضت التعرف على اخيها من أُمها ، فهي لا تعترف "بحوّة" أماً لها ولا تطيق سماع اسمها ، فقد قضت اثر طعنات سكين ، من ابن اختها الذي أراد سرقة تحويشة عمرها !!










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - متى سنصبح مثل بقية الناس؟
نضال الربضي ( 2015 / 8 / 21 - 16:44 )
أخي الحبيب قاسم،

لن نصبح مثل باقي الناس إلا إذا إلا إذا إلا إذا
فقدنا الهوس ّ بالمرأة
و عدنا لنبدأ استكشاف َ الأنثى ضمن الإطار الإنساني الأنثوي
غير هيك سنبقى هيك
مشوهين إدراكين و شعوريا ً!

دمت بود!


2 - الانثى هي الاصل
قاسم حسن محاجنة ( 2015 / 8 / 21 - 17:46 )
تحيات عزيزي
عوالم الأشخاص في -قصصي- القصيرة تنهار مع غياب الانثى -الأم . فهي عمود البيت !!
شكرا ومودتي

اخر الافلام

.. ستايل توك مع شيرين حمدي - عارضة الأزياء فيفيان عوض بتعمل إيه


.. لتسليط الضوء على محنة أهل غزة.. فنانة يمنية تكرس لوحاتها لخد




.. ما هي اكبر اساءة تعرّضت لها نوال الزغبي ؟ ??


.. الفنان سامو زين يكشف لصباح العربية تفاصيل فيلمه الجديد




.. الفنان سامو زين ضيف صباح العربية