الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما بين الفوضى وسقف المؤسسة في الجوائز العربية

مختار سعد شحاته

2015 / 8 / 22
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


فوضى الجوائز والحواوشي.

مخاطرة ربما محسوبة وربما لا:
أعرف أن مقالي هذا ربما يتسبب لي بشكل شخصي في خسارة ما، وأعرف أن الخطورة حين يُقرأ أن يتم شخصنته، لا أن يتم قراءته بحياد، لكن سأتابع فيه وكما يقولون "وأجري على الله". فنحن في الوطن اللعربي صرنا لا نعرف كيف نفرق بين العمل وحياده، وبين العلاقات الشخصية، وكيف أن البون شاسع بين رأي النقد ورأي الشخص المجرد.
عدد في الليمون:
يجد المتأمل في خريطة الوطن العربي الثقافية والفنية الكثير على الساحة من الجوائز التي تساهم في تطوير ما مرجو من ورائها ويسوق لها باعتباره، وكل يوم تخرج علينا جائزة جديدة في مجال أدبي أو فني، حتى بات لسان الحال "عدد في الليمون" كما يقول المثل الشعبي المصري. وهو حق للجميع ولا أنكره.
هنا لست بصدد بلد بعينه أو جائزة بعينها، وإنما سأنمذج فقط لها راجيًا ألا يتم التعامل مع فكرتي باعتبارها هجومًا بقدر ما هي محاولة للإجابة عن تساؤل عظيم حول فحوى تلك الجوائز أدبيًا وثقافيًا، وعن موقع تلك الجائزة إذا ما وضعنا الفائزين بها والأعمال الفائزة على خريطة بيانية لمستوى الإبداع لا الإنسان، فهنا لست بصدد أي أمر غير الإبداع وفقط.
الحواوشي انضرب:
أميل إلى أن الإغراق سياسة ضاربة في جذر الاقتصاد، فحين يتم إغراق سوق ما بسلعة ما فأنت تضرب بشكل ما هذا الاقتصاد وتضعفه قدر ما تحاول إنعاشه، ربما هنا سأذكر مثالاً شديد البساطة، فمثلا حين تنتشر المحلات التي تقدم "الكشري" يقينًا سيرخص سعر طبق "الكشري" وسيطال جودته الكثير من التحريف، بل وستضيع حقوق كثيرة أدبية ومعنوية أمام هذا الانتشار. دعني أزيد في المثال بشئ من تراث مصر الشعبي، فمثلا بقليل من البحث عن الأكلة الشعبية "الحواووشي" تكتشف أن هذا الرغيف منسوب إلى عائلة صانعه وليس مهنته، وسرعان ما تحول اسم العائلة إلى ما يشبه "الماركة المسجلة"، وبانتشار الحواوشي انتفت حقوق مبدعه الأدبية والمادية، وفقد الرغيف جودته وصار سر صنعته مشاعًا جرأ الكثير على العبث بالأصل وتحريفه.
لك أن تضحك عزيزي القارئ على مثالي الأخير هذا، لكن دعني منه أنطلق إلى نقطة التماس الآتية، كيف صارت ذائقة المصري بعد ضياع النكهة والطعم الأصلي؟ هنا "مربط الفرس".
نقطة التماس مع رغيف الحواووشي:
الآن لنخلع مثال الحواوشي -على سذاجته- على حال المشهد الثقافي العربي، فتمامًا ما حدث في مثالنا المصري البسيط حدث بتوازياته وتوازناته مع ما أميل إلى تسميته "فوضى الجوائز".
وأنطلق من نقطة التماس، كيف أثرت كل تلك الجوائز الكثيرة على واقعنا الأدبي والثقافي؟ وكيف أثمرت؟ هل قدمت قيمة أدبية أو صنعت خطًا أدبيًا جديدًا؟، أو فجرت لنا –مثلا- مدرسة أدبية ما لها ضوابطها الفنية؟ وهل تلك الأعمال لها قيمة سمحت لها أن تغير وتتطور في المشهد؟
ينبغي أن نصارح أنفسنا حين نستعد لتلك الإجابات، وأن نبحث عن سياسات تلك الجوائز ولجان تقييمها، وكيف تتداخل السياسة والجغرافيا ولعبة من توازنات، لعبة كبيرة للغاية –أظنها- تقف وراء تلك الجوائز؟
لنأخذ مثلا لجائزتين في بلدين عربيين، الأولى جائزة الرواية "البوكر وكتارا الجديدة" -في الإمارات وقطر على الترتيب- وكلتاهما مخصصة للرواية، ولنسأل تلك التساؤلات ونجيب عنها بحياد تام، وإن اختلفنا فلنبحث عن إجابة شافية للسؤال التالي:
- لِمَ تختلف كثيرًا ذائقة القاريء العادي في عمومه عن ذائقة النقاد في لجان التحكيم؟ فمثلا ودون تحديد لاسم بعينه، راجع اللغط حول جائزة البوكر هذا العام في دورتها الأخيرة منذ أيام، والعام السابق في دورته السابقة، وراجع رأي القراء، والأمر ذاته مع جائزة كتارا والتي ستعلن قبل نشر هذا المقال.
هنا سنقع أمام إشكالية إما أن الذائقة التقيمية النقدية أضحل من ذائقة القراء، وإما الذائقة القرائية بشكل عام صارت ضحلة مسطحة للغاية، فجعلت الأنصاف وكتاباتهم في عين متابعيهم أفضل وأعظم مما رأي النقاد في لجان التحكيم. وهذا لب القضية.

إشكالية أخرى نعرفها ونخشى مواجهتها:
والأمر لا يقف عند تلك الإشكالية السابقة، بل ثمة أخرى تطل بوجاهة ما، وهي في سؤالنا عن لجان التحكيم محكوميتها بسياسات ما خفية لها توازنات ما، وهو ما يفسد الأمر برمته إذ فقد شرط المسابقة الفقري وهو الحياد والجودة الفنية والأدبية.
في كلتا الحالتين، صار حال الرواية –تمامًا- كمثال "الحواووشي" وانتهت بنا إلى ذائقة قرائية غير أصيلة، ونما شكٌ له دوافعه ووجاهته حول تقييمات النقاد ولجان التحكيم، وقيمها المحوكمة في تراتبية قوائم تلك الجزائز أو استبعاد بعض الأعمال باعتبار تلك القيم المحوكمة وباعتبار تلك السياسات الخفية.
أمير الشعراء البرنامج القاتل:
الأمر يتشابه مع الشعر وما يقام له من مسابقات، ولا أنكر الأصل التاريخي لفكرة المنافسة الأدبية وتاريخها العربي، لكن كيف انتهت بنا إلى هكذا شعراء، وهكذا قصائد أقل ما توصف به أنها "أنصاف قصائد لأنصاف شعراء"، والأمر هنا يمكن أن نسوق له أمثلة كثيرة من شعراء تقدموا للمسابقة المعروفة بـ"أمير الشعراء"، وكيف ثار حولهم لغط واتهامات بالسرقة وصلت إلى حد التقاضي أمام المحاكم في مصر.
وفقط تأمل حلقات دورتها الأخيرة، وما قبلها من دورات، وهو أمر يفضي إلى حزن وغم إذ يتصدر هؤلاء المشهد باعتبارهم "شعراء" يمثلون بلدانهم بكل هذا النقص الواضح في تجاربهم الشعرية والشعورية والثقافية بوجه عام. وصار الأمر كالجملة النادرة التي يتندر بها المصريون من تاريخ السينما المصرية "المسابقة فيها سم قاتل".
أين الشعراء؟:
ثمة سؤال يطرح نفسه هنا عن فطاحل الشعراء المعروفين للجميع بنتاجهم الشعري الرصين الذي لا يختلف حوله الناقد أو القارئ، فلم الإصرار على تصدير هؤلاء الأنصاف باعتبارهم يستحقون أن يسبق اسمهم الوصف "شاعر"؟! وأين الشعراء العرب الذين يحتفى بهم في العالم كله خلا وطنهم العربي؟ وأين نحن من خريطة الشعر العالمي الآن؟
الأمر هنا أحيله إلى نفس المثال البسيط مثال الحواوشي، لتعرف السر وراء ارتباك الذائقة الشعرية في عموم المشهد، وستعرف لما يُصر بعض هؤلاء ممن يحملون "عضوية اتحاد الكتاب" بأن قصيدة مثل قصيدة النثر هي مؤامرة على الشعر العربي؟!! وهو رأي أراه نتاج أجيال تتم تربيتها على ثقافة المسابقات والجوائز تلك، ففي الوقت الذي يحتفي العالم بقصيدة النثر –مثلا- وتنعقد لها المؤتمرات العالمية، نجد هؤلاء يصدمون أوجهنا بأنها مؤامرة على اللغة العربية والقرآن الكريم لا الشعر العربي... وهنا لن أطيل أو أقع في موقف المدافع، وإنما فقط أحيلكم علي المشهد ولكم الحكم وأنتم الحكم.
لماذا الهجوم؟:
سيقول البعض لماذا أهاجم تلك الجوائز وتلك المسابقات؟
أجيب ببساطة أنني أؤمن بأن الأدب والفن كانا –ومازالا- أعظم آداة يمكن أن تغير في خريطة المجتمعات الثقافية والحضارية، وكثيرا ما كانت قصيدة ما ملهمة لمجتمع بأسره، أو كتابًا ما صار إنجيلاً لثورة ما غيرت وجه تاريخ كامل وطويل.
وهنا فقط أحيلك إلى مساحة التغيير التي حدثت في العالم العربي بعد كل تلك المسابقات؟
خذ مثلا، وما دام الفن والأدب يغرس في مجتمعه قيم الحق والجمال والخير، فلم حتى الآن تعتمد بلدان الخليج –موطن العديد من الجوائز والمسابقات- نظامًا مثل الكفيل لا يقل عن العبودية في شيء؟ ولم لم تأخذ المرأة حتى الآن حق التصويت في بعض تلك البلدان؟ ولم تُحرِّم بعض هذه الدول –قطر مثالا- على العمال غير المواطنين السير في شوارع أو الجلوس في أماكن بعينها وقصرها على المواطنين فقط؟!
هل غيرت كل تلك الجوائز في عقلية من صدرها ويرعاها؟ وهل غيرت في محيطنا العربي؟ وهل صارت غير مؤسسه لانتشار الأنصاف، وسيطرة التحالفات والعلاقات الشخصة ولعبة التوازنات؟!

تنويه قبل الختام:
هنا أعيد نشر "بوست" نشرته على موقع التواصل الاجتماعي حين كنت بصدد كتابة المقال، وهذا نصه:
"- دولة الإمارات:
أحترم تجربتك وما تصبو إليه آمالك، لكنك أفسدت علينا الشعر والرواية بمسابقاتك.. وربنا يستر على البحث الأدبي والمعارض مما ضرب الشعر والرواية به فلكم فيهما _البحث والمعارض_ أيادٍ بيضاء.. كل احترامي ومحبتي وهذا رأي شخصي غير ملزم لأحد غير ذائقتي البحثية، فلا تشخصنوه"
وأزيد..
- إلى قطر:
ألا تكفيكم قناة الجزيرة لتخرجوا علينا بكتارا؟! وسؤالي لا يمنع تقديري لفكرة المعجم العربي الذي أنتم بصدده.
- إلى كل هؤلاء المتسابقين والفائزين منهم:
لم يربح البيع يا أدباء العرب، ولن يربح أبدًا!!!
أمنية أخيرة:
خلاصة الأمر عندي؛ صارت هذه الجوائز وتلك المسابقات بيئة قاصمة قاسمة للمبدع العربي، أكثر من كونها داعمًا حقيقيًا، بل لا أغالي حين أقول أنها صارت وبالًا على المشهد الأدبي والثقافي بوجه عام.
بقى أن أتمنى أن تكون تلك الفوضى خلاقة، تخرج علينا بأمر ما له فائدة أدبية وفنية وثقافية، لا أن تخرج علينا بمثل ما حدث في الموسيقى المصرية حين تخلت عن مطربيها ومبدعيها، فسمحت لغير المصري أن يتغنى لمصر ووطنيتها، وأن يدافع البعض عن "المهرجانات" باعتبارها ظاهرة فنية.
.مختار سعد شحاته.
Bo mima
روائي وباحث أدبي.
مصر/ الإسكندرية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حزب الله وإسرائيل.. جهود أميركية لخفض التصعيد | #غرفة_الأخبا


.. مساع مكثفة سعيا للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غز




.. هل قتلت لونا الشبل؟


.. بعد المناظرة.. أداء بايدن يقلق ممولي حملته الانتخابية | #غرف




.. إسرائيل تتعلم الدرس من غزة وتخزن السلاح استعدادا للحرب مع حز