الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصراع بين الثقافة المحلية والثقافة الوافدة في إيران

هويدا صالح

2015 / 8 / 22
مواضيع وابحاث سياسية



في ظل الاتفاق النووي الإيراني الأمريكي الأخير يأتي كتاب" التشيّع والتحوّل في العصر الصفوي" لكولن تيرنر الذي ترجمه حسين علي عبد الساتر وصدر عن منشورات الجمل بكولونيا هاما ودالا في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ المنطقة العربية ، وأثر هذا الاتفاق على العر، فهذا الكتاب يعتبر من أهمّ ما كتب في العصر الحديث في مجال الدراسات الإيرانية عمومًا وما تعلّق منها بالحقبة الصفوية بصفة أخصّ، واستطاع المؤلف أن يجيب على عدّة أسئلة خطيرة تتعلّق بمدى أصالة الفكر الشيعي السائد.
قسّم كولن تيرنر كتابه إلى خمسة فصول متكاملة، حاول من خلالها أن يرصد التحوّل الثقافي زمن الصفويين من عدّة زوايا، فدرس في الفصل الأوّل ما حصل من انزياحات في هذه الفترة من خلال ثنائية الإيمان والإسلام، وركّز المستشرق على دلالات المصطلحين في القرآن والسنّة، باعتبار أنّ الانزياح تجاوز النصّ وأسّس مرجعية بديلة اضطربت فيها الدلالات وحصل فيها "الخلط في مصطلحي الإيمان والإسلام ونتج عن هذا الخلط هيمنة الفقه والفقهاء وترسيخ التفريعات الفقهية وجعلها الشغل الشاغل للعلماء المسلمين.
واعتبر المؤلف الإيمان إسلاما داخليا في مقابل االإسلام الخارجي المتعلق بإظهار الطاعات. وفرّق بين الإسلام بما هو تسليم لله والإسلام بما هو تسليم
لأوامره، واستأنس في ذلك بآيات قرآنية تتحدّث عن الإسلام والإيمان وبآراء أبرز علماء المسلمين السنّة والشيعة.
اهتمّ الفصل الثاني من الكتاب بـ"الدين في إيران القروسطية وبزوغ نجم الصفويين"، وحاول المؤلّف من خلال هذا المبحث أن يضع المسألة إلى سياقها التاريخيّ والثقافي، فتحدّث عن ثنائيات أسهمت بصفة أساسية في تشكيل الثقافة الفارسية الإسلامية تتعلق بالجوانية والبرانية، وأهل الباطن وأهل الظاهر، وأهل الكشف وأهل النقل، والصوفي والفقيه. وبيّن أنّ الجوانيّ"هو العالم المسلم الذي يركز اهتمامه على أصول الإيمان وبشكل أخصّ على اكتساب المعرفة بالله وصفاته.
تحدّث كولن تيرنر في هذا الفصل عن قيام الدولة الصفوية بدايةً من دخول إسماعيل القائد الصفوي تبريز، وتنصيب نفسه شاها. ولا يعكس اعتناق إسماعيل شاه المذهب الشيعي الاثناعشري واعتماده مذهبا رسميا للبلاد خيارا فكريا عقديا بقدر ما يكشف خطة استراتيجية في بسط النفوذ، وتحقيق الهيمنة السياسية والاقتصادية والعسكرية، واستطاع أن يرصد هذه الخلفيات من خلال دراسة المرحلة الصفوية.

وتأثيراتها العقديّة والسّياسيّة، ولا يمكن تمثّل هذا التحوّل دون النظر في وضع المذهب الإثني عشريفي إيران قبل الصفويين، وفنّد الباحث أقوال نور الله الشوشتري الذي "بذل قصارى جهده لإثبات أنّ إيران كانت إمامية بمعظمها قبل الصفويين. رغم أن إيران كانت في معظمها سنية صوفية حتى أن إسماعيل عجز بعد فتحه عن العثور على أي مدونة عن المبادئ العامة للإمامية ما عدا مخطوطة يتيمة في الفقه كانت في مكتبة نائية في بلدة أردبيل في أذربيجان في بداية القرن الثامن الهجري.
يعتبر الفصل الثالث من الكتاب محور العمل، إذ تناول فيه المؤلّف "ترسيخ السلطة الصفوية ونهوض البرانية الإمامية"، وأكد أنّ إسماعيل الصفوي لم يكن مطلعًا على الفقه الإمامي وكان من أهل الغلوّ,وكان يدّعي الربوبية ويعتقد الناس في خلوده. ورجّح كولن تيرنر أن يكون اعتناق الصوفيين المذهب الإمامي ضربا من ضروب التكتيك السياسي الذي يهدف إلى الحفاظ على الحكم.واحتج الباحث بقولٍ لأحد علماء الشيعة مفاده أن الصفويين لم يقيموا سلطانهم على أساس الإيمان ولا على الإسلام.
وركز المؤلف على دور الشيخ الكركي العاملي في نشر المذهب الإمامي بإيران في عصر إسماعيل الصفوي، حتى أنّ بعضهم اعتقد أنّه مؤسّس الفكر الشيعي. كان الكركي متحمسًا للصفويين إلى درجة أنّه كتب رسالة يبيح فيها التقليد الفارسي القديم المتعلق بالسجود أمام الملك، وتحصّل الكركي على امتيازات وعقارات بسبب ولائه المطلق للصفويين، وتابع المؤلف بدقة التحولات الفكرية والاجتماعية التي صحبت إعلان الصفويين تشيعهم، واستقدامهم علماء الشيعة من جبل عامل وسورية والبحرين، فقد قمع الكركي التسنن وفرض التشهير المذهبي بالخلفاء الراشدين.
وركز كولن تيرنر في هذا القسم من الكتاب على تواصل وفود علماء الإمامية العرب على إيران ومساهتمهم في نشر الفكر الإمامي وتغيير المشهد الثقافي ببلاد فارس، وصارت مبادئ الإمامية عنصرا أساسيا في خطبة الجمعة وهي عبارة عن مديح مفرط للأئمة. وقد تنبه تيرنر إلى مشكلة تعاني منها إيران حتى اليوم وهي الصراع بين الثقافة المحلية والثقافة الوافدة، واعتبره صراعا بين طبقة الإكليروس والجماعة الدوغمائية، وتشمل الطبقة الأولى الوجهاء المحليين، بينما تشير الطبقة الثانية إلى فقهاء الإمامية الوافدين إلى البلاد في العصر الصفوي.
ونشأ بين الفريقين صراع وحقد مازالا متواصلين إلى يومنا هذا.ولئن ركّز العلماء العرب الوافدون على الفقه والعلوم النقلية، فإنّ العلماء المحلّيين اهتموا أكثر "بالفلسفة والنحو والمنطق والرياضيات والفلك والأدب والشعر. وعموما يمكن القول إنّهم برعوا في العلوم العقلية أكثر من العلوم النقلية.
واستطاع العلماء الوافدون السيطرة على المناصب الدينية المهمة بالبلاد بعد أن كانت تحت سيطرة المحليين، واحتفظت الطبقة الأستقراطية العلمانية، كما يسميها المؤلف بمنصب الصدر.
أما في الفصل الرابع يهتم المؤلف بمحمّد باقر المجلسي صاحب كتاب "بحار الأنوار" الذي يعتبر من أساسيات التقليد الشيعي، ولم يكن اختياره للمجلسي صدفة، بل كان مقصودًا حقّ القصد، فالرجل يعتبر عصارة الثقافة الصفوية وصاحب الفضل في تدوين كلّ ما أصاب الفكر الشيعي من تحوّلات وانزياحات وتشويهات، تعاملت معها الأجيال اللاحقة باعتبارها حقائق ويقينيات، وكان المجلسي أبرز فقهاء الإمامية في آخر العصر الصفوي، ومؤسس الأرثوذكسية الجديدة، حتى أنّ أحد النقاد وسم الفكر الشيعي بالفكر المجلسي.
وبعد تعيينه شيخ الإسلام حارب المجلسي السنة والصوفية وحطم الأصنام داخل المعابد الهندوسية ، ويرجع المؤلف سخط السنة للمجلسي قمعه الشديد لهم.واستصدر قرارا بطرد الصوفية من العاصمة.
ثم ختم المؤلف الكتاب بفصل خامس عنونه بـ"البرانية تحت المجهر: عقيدتا الانتظار والرجعة عند الإمامية"، وكان هذا الفصل بمثابة القسم التأليفي وقف فيه المؤلّف عند أهم الانزياحات التي لحقت بالفكر الشيعي في العصر الصفويّ، فتناول فكرة المهدي مثلما تجلت في الطرح الشيعيّ عمومًا والأدبيات الصفوية بصفة أخصّ، وقارنها بما جاء في بقية الأديان، وفي هذا السياق بحث كولن تيرنر في مفهوم الانتظار في الفكر الشيعيّ، ونظر في خلفياته الثقافية والتاريخية والنفسية، وركّز المؤلّف اهتمامه في هذا الفصل أيضًا على كتاب "بحار الأنوار" الذي يعتبر من أهمّ ما كتب في تاريخ التشيّع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السودان الآن مع صلاح شرارة:


.. السودان الآن مع صلاح شرارة: جهود أفريقية لجمع البرهان وحميدت




.. اليمن.. عارضة أزياء في السجن بسبب الحجاب! • فرانس 24


.. سيناريوهات للحرب العالمية الثالثة فات الأوان على وقفها.. فأي




.. ارتفاع عدد ضحايا استهدف منزل في بيت لاهيا إلى 15 قتيلا| #الظ