الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السوسيولجيا السياسية في رواية أوقات للحزن والفرح

هويدا صالح

2015 / 8 / 23
الادب والفن



أوقات للحزن والفرح" إحدى روايات الكاتبة الراحلة ابتهال سالم التي تصور الحياة الاجتماعية في مصر بعد ثورة 25 يناير 2011.حيث تمازج الكاتبة بين ما هو عام ومجتمعي، حال مصر التي تفشى فيها الفساد وغياب القانون، وتهميش الفقراء، وتفريغ الطبقة المتوسطة من دورها الحقيقي في المجتمع، وما هو خاص، حيث ترقد سندس طريحة الفراش في مستشفى عام، تراقب الحياة، وتستعيد عبر الفلاش باك ما حدث لحياتها ، مما عانته من فقر ومرض:"
يداهمها ليله الثقيل ..
غازيا قلبها بذكريات لا تهدأ ..
ينقر المطر الخفيف النافذة
فترحل عيناها لحنين بعيد دافىء".
تمازج الكاتبة في العنوان ما بين الحزن والفرح، لكنها تقدم الحزن، وكأن الفرح مؤجل ربما تأتي به النهاية المفتوحة التي تتركها للقارئ كي يسطر بقية الحكاية.
تناقش الكاتبة في هذه الرواية كل ما مر على مصر من أحداث كبرى،الثورة، ووصول الإسلام السياسي للحكم، وتفاصيل الجياة اليومية للشخصيات التي تحيط بسندس البطلة ، كل شئ يتم ذكره هنا والآن وكأنها ترغب في تثبيت المشهد حتى لا ننسى ما حدث لنا.فنسمع هتافات الشباب في ميدان التحرير، كما نسمع هتافاتهم أيضا عند ماسبيرو، فالوطن في حالة مخاض كبير، وكل شئ يجب مناقشته دون مواربة.
لا تشارك الساردة في الأحداث العظام التي تتم بالخارج من وراء هذا الزجاج المغبش، لكن الكاتبة استطاعت أن تهيأ القارئ لأن يماهي في صورة استعارية بين الذات الساردة والوطن. هي استعارة كبرى للوطن المأزوم الذي يحاول أن يستعيد عافيته عبر التثوير والتحريض ضد نظام نسي واجباته تجاه الشعب:" تحدق فى الحوائط الباهتة لتلك الحجرة الضيقة ، شباكها الوحيد يطل على النيل من بعيد .تركت سريرها خلف ظهرها لتمسح بيدها الواهنة قطرات ندى مبعثرة على الزجاج المغبش"." حانت ساعة الصفر، لا مفر" هذه الجملة تحمل الكثير من الدلالات لو عرفنا من خلال مجرى الأحداث أن الغد سيكون موعد إجراء العملية الجراحية للبطلة، وكذلك الغد هو عيد الشرطة، 25 يناير 2011، حيث سيصبح ميلاد جديد لمصر، وكأن استئصال الورم من البطلة يوازي استئصال الورم( النظام الفاسد) من جسد الوطن.
لكن الساردة لم تكتف بسرد سيرة الإنسان في مجتمع يستعد للثورة، بل شاركت كجزء من نسيج هذا الوطن فيما تمر به مصر من مخاض، ويصير ميدان التحرير رمزا للتحرر والانعتاق:" وقفت وسط الميدان, تشم رائحة التاريخ والذكريات,
ثلاثون عاما مرت, ورغم ذلك, تشعر وكأنها موجودة هنا البارحة..
هنا السور الخلفي للجامعة, هنا النفق المؤدى للباب الرئيسي
هنا عرق الطلاب ممتزج بإسفلت الشارع، وهو يهتفون في مظاهرة خارج أسوار الجامعة :
"يا حرية فينك, فينك, حطوا السجن ما بينا وبينك"
كان حماسها لا ينضب، ولا تكل طاقتها في خوض المعارك الطلابية، من أجل الحرية والكرامة".
إنها ترسم صورة ذهنية عن الوجه الأنثوي لثورة يناير، وتكشف عما مر به الوطن من أحزان بسبب ما حدث له طوال ثلاثين عاما من ترد وفساد، ويصير الحزن على شهداء الوطن الذين دفعوا دمائهم ثمنا للحرية, والحزن على الشباب الذين ضحوا بأيامهم من أجل أمل لم يكتمل هي أحد تجليات الأحزان في الرواية.
إن سندس المرشدة السياحية التي ترقد صريعة للمرض في مستشفى الأورام تكون عيون القارئ لرصد ما وصلت إليه حال المصريين، وقد اختارت مستشفى"الأورام" وليس مرضا آخر ،فالسرطان الذي يأكل أجساد أطفال الأمة خطره رمزا للسرطان السياسي الذي يأكل أجساد الوطن كله:" طفل عمره شهور تجرى له عملية دقيقة فى حصيتيه .. يالله ما الذى حث لأطفالنا ؟!!".
تناقش الكاتبة قضايا مجتمعية شائكة عبر الديلوج بين الساردة وصديقتها، فالأولى تعمل بالسياحة:"أفهمك ياستى .. أولا : لأنك بتنقلى للناس الوافدين من بلاد العالم تاريخ بلدك وحضارته وآثاره العظيمة ، ثانيا : بتقابلى شخصيات من مختلف الجنسيات واللغات .. وغيره وغيره" أما الثانية فتعمل بالتربية والتعليم ، وتجدها الكاتبة فرصة لمنافشة قضايا التعليم،فهي تؤمن أن نهضة مصر المعاصرة يجب أن تقوم على عمودين رئيسيين هما الصحة، وقد تحدثت مطولا عن المرض ومعاناة الفقراء، وعلى التعليم، فنسمع صوت سامية ينتقد ما في التربية والتعليم من تغييب لوعي المواطن وليس لبناء الوعي:" يابختك بشغلتك ياسندس ، مش أنا اللى مدفونة فى التربية والتعليم ، العيال بيهربوا من المدرسة ، والمدرسين لا بيشرحوا ولا بيهببوا".
تعود الكاتبة عبر الفلاش باك إلى فترة السبعينيات لتؤكد أن الثورة فعل تراكمي له جذوره، واختارت عقد السبعينات لتقوم بعملية تبئير على أحدثا يناير، ليست يناير الحالية، بل يناير 1977، حيث قام العمال والطلاب بتظاهرات عارمة يومي 18 و 19 فيما سمي بانتفاضة الخبز، والتي أطلق عليها النظام " انتفاضية الحرامية" والتي قامت على خلفية محاولة الحكومة زيادة أسعار 25 سلعة تموينية وعلى رأسها الخبز. والجدير بالذكر أن هذه الاحتجاجات الكبرى كانت محور رواية الكاتبة الأولى " نوافذ زرقاء".
لا تكتفي الكاتبة بمناقشة قضايا الوطن السياسية والاجتماعية، لكنها أيضا تناقش قضايا الآخر المسيحي واليهودي، فمظاهرات ماسبرو كانت فرصة لتسلط الضوء على مطالب شركاء الوطن والثورة:" بالروح بالدم نفديك ياصليب" وكذلك حينما تلتقي بطلتها " سندس " وهي المرشدة السياحية بشاب يهودي يتمنى أن يزور مصر، وتحاول أن تفرق بين اليهودي والإسرائيلي، فنح لا نعادي اليهود كديانة، إنما نعادي الكيان الصهيوني الذي اغتصب أرضا شعب وشرده في المنافي.تقول على لسان الشخصية اليهودية:" فهل أنتم ترحبون بى لو حضرت فى جولة سياحية إلى بلاد الفراعنة أو سوف تكرهوننى وتنبذوننى لمجرد أنى يهودى الديانة ".
كما أنها تؤكد على أن التهميش والإقصاء لمكون ثقافي بعينه في المجتمعات ليس داءا مصريا خالصا، بل كل المجتمعات تعاني منه، فها هي المرأة الأيرلندية تحك لها عن أخيها الذي ذهب للحرب في أفغانستان وترى أنهم أخذوه لأنهم أقلية:" هو ما كان له يحارب ، ولكن لأننا أقلية من أصل أيرلندى أرسلوه هو وصاحبه الزنجى فى الجحيم هناك .. لو كان من الطبقات العليا أو ابن واحد من الكونجرس ما كانوا شحنوهما بالساهل".
تنشغل الكاتبة بمناقشة بدايات ظهور التطرف الديني في مصر، والغزو الوهابي لها عبر الهجرات التي تمت في السبعينيات لدول النفط من أجل العمل، ثم العودة إلى مصر بثقافة هذه البلدان الصحراوية، والتي أتاحت الفرصة لهذه التيارات إلى أسلمة المجتمع، ونشر الأفكار التكفيرية والعنصرية فيه، فمن حلال ظهور أبنة سندس سوف نلمح من خلال الحوار مدى التغير الذى حدث ليس لأبنتها وزوجها، وتحيل على الواقع الذي سمح بقيام أحزاب على أساس ديني ، وفرض التغيرات الدستورية في مارس 2011، ومن ثم وصول الإخوان للحكم.
اللغة في الرواية تتنوع مستوياتها، ما بين لغة الحكي التي تعتمد عليها لسرد الأحداث أو لغة الحوار التي تمزج بين الفصحى والعامية ، ولغة التأمل والاستبطان التي تحمل طاقات شعرية كبيرة، فهي لغة شعر خالصة.
تنهي الكاتبة روايتها بنهاية مفتوحة على الأفراح التي لم نرها في السرد، بل هي ما يمكن أن يتوقعه القارئ، فلا شئ يمكن أن يقضي على آمال الشعوب، فالغد سيكون أفضل ، والبطلة التي شفيت من آلامها الجسدية ووقفت تستمع إلى صوت غسالتها العتيقة يعطيها الأمل بأن الغد قادم، فغسالتها العتيقة ما تزال تعمل ، وصوتها ما يزال يطن وهو ما يعطي أملا في الاستمرار.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - سكان مكه ادرى بشعابها
emad ( 2015 / 8 / 23 - 13:54 )
اظن ان كاتبه الروايه ابتهال سالم ليست فى حاجه الى مترجه تنقل افكارها الينا
شكرا سيده

اخر الافلام

.. إلغاء مسرحية وجدي معوض في بيروت: اتهامات بالتطبيع تقصي عملا


.. شكلت لوحات فنية.. عرض مُبهر بالطائرات من دون طيار في كوريا ا




.. إعلان نشره رئيس شركة أبل يثير غضب فنانين وكتاب والشركة: آسفو


.. متحف -مسرح الدمى- في إسبانيا.. رحلة بطعم خاص عبر ثقافات العا




.. أون سيت - هل يوجد جزء ثالث لـ مسلسل وبينا ميعاد؟..الفنان صبر