الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بيان مجلس الأمن والتجربة السورية

بدر الدين شنن

2015 / 8 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


تبنى مجلس الأمن الدولي في ( 17 / 8 / 2015 ) بياناً أعلن فيه ، إطلاق " عملية سلام سياسية بقيادة سورية تقود إلى انتقال سياسي يلبي الطموحات المشروعة للشعب السوري " . ومن أجل " تشكيل هيئة انتقالية للحكم تتمتع بكافة الصلاحيات التنفيذية على أن يتم تشكيلها على قاعدة التوافق المشترك مع ضمان استمرارية المؤسسات الحكومية " . كما سيتم " تشكيل أربعة فرق تبحث عناوين ، السلامة والحماية ، ومكافحة الإرهاب ، والقضايا السياسية والقانونية ، وإعادة الإعمار " .

وقد امتنع مندوب فنزويلا في المجلس ، عن التصويت على البيان ، وسجل تحفظاً على مضمونه وإصداره ، ينص على " إن بيان مجلس الأمن سابقة خطيرة جداً بدعمه عملية انتقالية تنتهك حق السوريين في تقرير المصير " .

وعقب وزير الإعلام السوري على بيان مجلس الأمن بقوله " إن أي مسار يمس الشعب السوري وخياره وحكومة سوريا وقيادتها ورئيسها ، هو خيار فاشل وساقط ولا محل له من الإعراب " .

وعند قراءة بيان مجلس الأمن يتبين ، أنه جاء توافقياً بين آراء متعددة حول سوريا . ولا يتمتع بصلاحية الإ لزام لأي طرف سوري . لكنه يفتح في المجال لجولات حوارية ، ولقاءات " ديمستورية " لا حصر لها ولا حدود ، مع الأطراف السورية ، ومع الأطراف الخارجية ذات الصلة ، في محاولة استعراضية لوضع البيان قيد التنفيذ .
وقد أشارت الملاحظات السياسية والإعلامية المتباينة ، التي أبديت حول البيان إلى ذلك . إ ن بعضها يجد في البيان لمحات سياسية دولية توافقية ، ستساعد على تعزيز الجهود لإيجاد حل سياسي للحرب السورية . وبعضها يجد البيان غامضاً ومليء بالثغرات ، ومن الصعب تطبيقه .

وفي العودة إلى التحفظ الفنزويلي ، المعبر عن أصالة ثورية ، ورؤية مبدئية للعلاقة بين الأمم المتحدة والدول الأعضاء فيها ، نجد أن البيان يتعارض مع ميثاق الأمم المتحدة . إذ ليس من اختصاص مجلس الأمن رسم خرائط الحلول السياسية للأزمات الداخلية للدول الأعضاء .
وفي ظروف سوريا الكارثية الراهنة ، كان على مجلس الأمن التركيز في قراراته وإجراءاته وجهوده ، على وقف عدوان الإرهاب الدولي على سوريا ، وإدانة ، ومعاقبة الأطراف الدولية والإقليمية ، التي تشارك في هذا العدوان ، وترتكب جرائم حرب ـ وجرائم ضد الإنسان السوري ، ومعاقبة الدول الداعمة للتنظيمات الإرهابية ، رجالاً ، ومالاً ، وسلاحاً ، وإعلاماً ، وسياسة ، وملا ذات ومعابر ووسائل اتصال وانتقال آمنة ، وليس لفتح صفحات جديدة من الجهود العبثية ، والتعامل مع مصطلحات ، وكلمات ، لا تتطابق مع متطلبات الواقع ، ولفتح مجالات زمنية غير محدودة ، تتواصل خلالها الحرب ، لتعديل موازين القوى ، وإنضاج الرؤوس المجرمة المتوترة ، وإقناعها بجلسة حرب كلامية وعرض عضلات ، لتنتهي الجلسة ، على أن تعقد لاحقاً دون أجل مسمى ، فيما القتل والذبح والتدمير يجري كأمر عادي يومي .

ويبدو أن وزير الإعلام السوري ، قد تعمد مسبقاً وضع الكثير من الخطوط الحمراء أمام " ديمستورا " وفريقه ، عند الانتقال في أو ل الشهر القادم ، لتطبيق البيان الأممي . محدداً موقف الحكومة السورية بعبارات واضحة وهي " الشعب السوري هو الذي يحدد خياره ، ولا أحد له الحق أن يمس حكومة سوريا وقيادتها ورئيسها " . واضعاً بذلك مسوغ " تشكيل هيئة للحكم الانتقالي " وتوابعها الفرق الأربعة ، بين قوسين .

ثمة أسئلة لا غنى عن طرحها حول مضمون وتفاصيل البيان . وهي :
* - من سيحدد التطلعات المشروعة للشعب السوري ، سياسياً ، واقتصادياً ، واجتماعياً ، وثقافياً .. بدلاً من الشعب السوري ؟ .
* - هل ستوضع الحكومة ومؤسساتها على مستوى واحد ، مع الأطراف الأخرى ، المعارضة التي تخضع لإملاءات الخارج ، المرشحة للإ شتراك في تنفيذ ما جاء في البيان .. لاسيما التنظيمات الإرهابية المسلحة ؟ .
* - من سيحدد الأطراف التي ستدعى للا شتراك في " هيئة للحكم الانتقالي .. ومن يسمي الأطراف المنوط بها ممارسة التوافق لتشكيل الهيئة .. الحكومة السورية .. أم السيد " ديمستورا " ؟ .
* - ولطالما أن " الهيئة للحكم الانتقالي ، هي انتقالية بطبيعتها وعنوانها ، فلماذا كل هذه الصلاحيات التنفيذية ، التي تتجاوز صلاحيات حكومة عادية ؟ ألا تكفي صلاحية إعداد وإجراء انتخابات برلمانية ؟ .
* - من سيشكل الفرق الأربعة المنوط بها البحث في العناوين الحيوية التطبيقية في المرحلة هيئة الحكم الانتقالي ، وما هي صلاحيات هذه الفرق ؟ .

إنه بيان غير عادي .. وتفاصيله غير عادية . ولا يمكن لأي طرف الادعاء أنه مطابق لما هو يرغب منه ، فكل ما يجده لصالحه ، يجد في مقابله ما يتعارض معه لصالح طرف آخر ، كما لعبة الشطرنج بلا ملك . لا صلاحية محددة فيه للسوريين . الصلاحية التي ستفعل إذا أتيح المجال للفعل ، هي صلاحية " ديمستورا " وفريقه الأممي بقيادة الأمين العام للأمم المتحدة " بان كي مون " ومن وراء بان كي مون . وهي بالمحصلة تحويل " ديمستورا " إلى وصي دولي على سوريا .

لقد أثبتت التجربة السورية الكارثية المدمرة ، أن التغيير في سوريا ، لا يمكن أن يكون أي تغيير ، وبأي ثمن . وأن الاحتجاجات الخاوية من المضمون الاجتماعي والسياسي المطابق لحاجات المجتمع لاسيما الطبقات الشعبية فيه هي فاقدة الجدوى . وأن " الثورة " بلا مقومات ومسوغات موضوعية تستدعيها ، وبلا قيادات ثورية .. وبلا آفاق بديلة واضحة أفضل وأرقى مما هو قائم .. هي فاشلة . وأن الحل السياسي .. لابد أن يكون معبراً عن وحدة عمل ورؤية القوى الوطنية .. أو لا يكون . وأن فصل التغيير تحت أي عنوان كان عن أبعاده الوطنية ، يعني ارتهانه لمضادات نجاحه .

لقد كان ثمن الوصول إلى هذه النتيجة باهظاً . كان مئات آلاف القتلى ، وملايين المشردين ، والنازحين ، والمهجرين . وخسائر مادية يحتاج تعويضها لعشرات من السنين . وكان استباحة وطن ، وأعراض ، وثروات ، وشواهد حضارات ، وتهديد وجودي لكل منتم لسوريا .
الأمر الذي بات يتطلب طرح السؤال : هل بمثل هذا البيان يتم إنقاذ بلد عضو في الأمم المتحدة ، يتعرض لحرب إرهابية دولية ، يتدخل فيها الإقليمي والدولي ، ويحدث فوق أرضه ، على مدار الساعة واليوم طوال أكثر من أربع سنوات ، القتل ، والذبح ، والتدمير ، والنهب ، تقوم بها القوى الإرهابية الدولية القادمة من مئة دولة ، القوى الأكثر تطرفاً ، وتخلفاً ، وتوحشاً ، في العالم ، بدعم وإسناد من دول عظمى وإقليمية ، وذلك دون موقف دولي جاد وحاسم ، بل والبعض يسمي هذه القوى ، معارضة مسلحة ، ومعارضة معتدلة ، وهي تسمي نفسها " ثورة ، وجهاد لإقامة دولة إسلامية ، ويأتي مجلس الأمن ويختزل كل ذلك بتشكيل هيئة للحكم الانتقالي تساندها أربع فرق ، ومعظم من في أجندة " ديمستورا" لإشراكهم في الهيئة ولجانها ، هم مشاركون في العدوان الإرهابي الدولي بأشكال مختلفة على سوريا .

إن إصدار مجلس الأمن الدولي شيء يتعلق بالشأن السوري ببيان خير من إصداره بقرار ملزم تحت الفصل السابع ، كما كان يرغب البعض في مجلس الأمن دائماً ، ليجري اللعب بمقدرات وكيان سوريا تحت عنوان هيئة للحكم الانتقالي ، كما يجري الآن في ليبيا تحت عنوان إعادة بناء الدولة الليبية ، وكما يجري في اليمن تحت عنوان إعادة " الرئيس المستقيل عبد ربه منصور هادي إلى الحكم " .
لتكن حماية أعراض الحرائر .. وكفكفة دموع اليتامى .. ودعوات الأمهات المقدسة .. وبركات الآباء الطاهرة .. وحقول القمح وغابات الزيتون .. والجمال السوري البهي .. وتراب سوريا المضرج بدماء الشهداء في الملاحم المتوالية ، التي خاضها السوريون .. دفاعاً عن وجودهم وأرضهم وشرفهم .. عبر آلاف السنين .. لتكن مصادر إلهام .. ورجولة .. وبطولة .. في مواجهة وحوش جيوش الإرهاب الدولي . ومن أجل ذلك .. يحق القول .. مهما الصعوبات .. والقدرات .. ومبادرات الأصدقاء .. ليكن البحر يا وطني وراء الظهر .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. على حلبة فورمولا 1.. علماء يستبدلون السائقين بالذكاء الاصطنا


.. حرب غزة.. الكشف عن نقطة خلاف أساسية بين خطة بايدن والمقترح ا




.. اجتماع مصري أميركي إسرائيلي في القاهرة اليوم لبحث إعادة تشغي


.. زيلينسكي يتهم الصين بالضغط على الدول الأخرى لعدم حضور قمة ال




.. أضرار بمول تجاري في كريات شمونة بالجليل نتيجة سقوط صاروخ أطل