الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


(الحب والعشق في الشعر القديم (3- 4

صاحب الربيعي

2005 / 10 / 18
الادب والفن


-4-
(صراع العشق بين العقل والقلب)

إن كانت الأحاسيس والعواطف من خاصة القلب دون العقل، فغالباً ما يفقد القلب توازنه فيضرم نار الاختلال بموازين العقل فيختل توازن وسلوك وتصرفات المرء بما يتعارض الأعراف والتقاليد الاجتماعية. فتنال الذات من المجتمع ما يؤذيها ويجرحها خاصة في مجتمعات الشرق التي لاترحم من أصابه داء العشق فأختل توازنه وأخذ لايبالي بحدود المجتمع معلناً عن عشقه وفاضحاً ستر عواطفه وأحاسيسه وكاشفاً أسرار قلبه على الملأ، متوسلاً بمن يعينه في مصابه في لقاء المعشوق!.
إن الصراع بين العقل والقلب، يمنح الأخير سطوة فرض شروطه على الأول فتتداعى ضوابطه في التحكم في التصرفات والسلوكيات ويصبح عرضة للانتقاد في المجتمع. ويجاهد العقل لفرض شروطه على القلب وقسره على تحجيم عواطفه وأحاسيسه فيصاب القلب بالانكسار والحسرة ويعمل على نخر الذات من الداخل لمعاقبة العقل. يصف ((عمر الخيام)) هذا الصراع قائلاً:
"قلبي في صدري أسير سجين............تخجله عشرة ماء وطين
وكم جرى عزمي بتحطيمه.............فكان ينهانـي نداء اليقين".
حين يحكم العقل ضوابطه على القلب ويقسره على الالتزام بنداءته، تتسلل هواجس الحزن إليه متوسلاً العقل أن يطلق سراحه من الأسر ولايتدخل في شؤونه المختصة بالعاطفة والإحساس. وإن طال هذا الأسر وكثرة أحزان القلب وبان انكساره، يشفق العقل عليه مترجياً أن يسمعه القلب ويتقبل مبرراته في الأسر ويتخلى عن حزنه وانكساره ويتصالح مع الذات لإرضاء الروح!. يخاطب ((عمر الخيام)) قلبه مواسياً:
"يـا لـهذا القلب البئيس المـعنى.........لم يفق من هوى الحبيب القاسي".
لايحسم الصراع بين العقل والقلب دائماً لصالح العقل، وإنما غالباً ما يفرض القلب شروطه وتحكمه على العقل فينصاع الأخير مستسلماً غير مبالياً باعتراضات المجتمع وما تنال الذات من أذى عند تجاوزها على الأعراف والقيم المتعارضة مع مسارات العشق.
حينها يحصل نوع من التنافس بين العقل والقلب للوصول إلى الحبيب، فبالرغم من هدفهما واحد لكنهما يتخذان مساران مختلفان لتأكيد ذاتهما عند الحبيب قولاً وعملاً!. فيحتار الحبيب بهذا الاندفاع نحوه، ولايعرف أي النداءات يلبي فإما أن يستسلم لجنون العشق والهوى وإما أن تتحكم به أوجه صراع العقل والقلب.
يصور ((أبو نؤاس)) تلك الحالة من الصراع قائلاً:
"ولي قلب ينازعني إليها..............وشوق بين أضلاعي حثيثً".

-5-
(عشق أعمى البصر)

إن كانت العينان تبصر الجمال وصوره وتدقق في تفاصيله، فإن القلب هو الذي يصدر قرار العشق. فانعكاس الجمال وصوره هو الإحساس والعاطفة اللتان مركزهما القلب، وإن تعذرت رؤية الجمال وصوره بالعين البصيرة، فإن مدلولات أحدى تلك الصور تمثل الصوت ورقته وعذابه فتتحسسه الأذن لتنقل تردده إلى القلب ليخضعه لمرشحات العاطفة والإحساس ويأخذ قراره في العشق. فالصوت الرقيق والعذب والجميل لايصدر إلا عن كائن جميل لأن الجمال متكامل بتفاصيله العام، وإن اختلفت درجاته وصوره!.
فغالباً ما ترسم البصيرة صورة الحبيب حتى قبل أن تلتقي به، فإن حصل اللقاء كانت صورته ماثلة في الوجدان فتتطابق صورة الخيال مع الصورة الحقيقية. وتنطلق ذبذبات العشق لتحاكي المعشوق وتغازله وترسل له ما يختزن في الوجدان ما يمثالها من صور عن المعشوق. وتتبادل الأحاسيس والمشاعر بسرعة وبدون وعي، وكأنه يعرف معشوقه منذ الأزل ولا يعي سر اندفاعه نحوه بهذه الدرجة والسرعة، فكلما حاول إعاقة نفسه عن الاندفاع كلما وجد نفسه أكثر اندفاعاً نحو معشوقه تتقاذفه أمواج من العواطف والأحاسيس الجياشة فيفقد السيطرة على التحكم بعواطفه وأحاسيسه كأنه ساعياً في أسر عواطفه عند الأخر دون وعي!.
يصف ((بشار بن برد)) تلك الحالة من العشق قائلاً:
"قالوا بمن لاترى تهذي فقلت لهم............الأذن كالعين توفي القلب ما كانا
وإكنـت أول مشـغوف بـجارية...........يلقي بلقيانها روحـاً وريحانـاً
يا قوم أذني لبعض الحـي عاشقة..........والأذن تعشق قبل العيـن أحيانـا".
إن أحاسيس الإنسان الخمسة كلها، تشتغل عند العشق لأنها رهينة الحاسة السادسة التي رسمت صورة المعشوق وحددت ملامحه وتفاصيله وصورته ورقته......وتبقى الحواس الخمسة تبحث بين صور الجمال عن مرادها فإن عثرت عليه، أطلقت نداءها إلى القلب قائلةً: إن لم تخب وظائفنا، فإننا عثرنا على مرادك بين ملايين من صور البشر. فيعمل القلب على تحليل تفاصيل النداء ليتأكد من صدقه، فإن تحقق من صدقه. أطلق موجات من العواطف والأحاسيس والنداءات للحواس الخمسة لأسر عواطف المعشوق فلا مراد غيره بعد أن اجتاز العمر محطاته في البحث عنه!.
وإن تعطلت أحدى الحواس الخمس، نشطت أكثر الحاسة السادسة لتحل مكانها وتمارس مهامها مع الحواس المتبقية، ولا تتوقف عمليات البحث في الفضاء الكوني عن النصف الأخر من الروح وإلا فإنها تبقى حائرة أبداً في الدنيا تأسرها الوحدة وتجف مع الأيام منابع العاطفة والأحاسيس في تجاويف القلب، فيسقط الإنسان في دهاليز القسوة والعزلة تتقاذفه موجات الجفاف فيتصحر وجدانه.
يصر ((بشار بن برد)) على أن نداء العشق ليس من العين وأنما من الأذن قائلاً:
"فما تبصر العينان في موضوع الهوى.........ولا تسـمع الأذنان إلا مـن القلب
وما الحُسن إلا كل حُسن ومـا الصـبا.........وألف بين العشق والعاشق الصب".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عمري ما هسيبها??.. تصريح جرئ من الفنان الفلسطيني كامل الباشا


.. مهرجان وهران للفيلم العربي يكرم المخرج الحاصل على الأوسكار ك




.. محمود حميدة يحمل الوهر الذهبي من مهرجان وهران للفيلم العربي


.. تفاصيل أول زيارة لمصر من الفنان العالمي كامل الباشا?? #معكم_




.. خطبة باللغة العربية.. ما الرسائل التي أراد المرشد الإيراني إ