الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في ذكر الشهيد جمال الضامن

خطاب عمران الضامن
باحث وكاتب.

(Khattab Imran Al Thamin)

2015 / 8 / 28
الارهاب, الحرب والسلام


في ذكر الشهيد جمال الضامن

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

في خضم الظروف المأساوية التي يمر بها العراق منذ 2004، وخصوصاً بعد العاشر من حزيران الأسود، يفقد كل منا ولداً وأخاً وحبيب، بسبب الجرائم التي تمارسها التنظيمات الإرهابية من تفجيرات واغتيالات أدت إلى اندلاع حرب ضروس تدور رحاها الآن في الأنبار وبيجي ومدنٍ أخرى، في ضل كل ذلك وددت أن أكتب بعض الكلمات، هي أشبه برثاء أخ وصديق، في ذكرى مرور أربعة أعوام على سقوطه مغدورا، فأرجو منكم قراءتها، وألتمس منكم العذر إن أنا أطلت في بعضً من مواضعها...

أكتب والحزن ملازما لي ولا يكاد يتركني, ولا عجب لحزن محبً في من أحب، فقد كان هذا الشاب أخاً وصديقاً وقريب، وقد اعتمدت عليه في كثير من الأمور ولم يخذلني في واحدة.

تحلى هذا الفتى بصفاتً ميزتهُ تتميزا، فقد عرف باندفاعه الشديد لمساعدة الآخرين، وبانت فيه العديد من مظاهر السخاء والأنسانية، يكفي أن أقول أني لم أسمع منه كلمة ( لا أو لا أستطيع، أو بعدين) لم أسمع منه سوى كلمة واحده هي (صار أو أبشر أو تأمرني) كلما كلفته بأمر ما عظيماً كان أم صغيرا، وكل من عرفه لابد أن يشهد له بذلك، إذ هو لم يختصني به بل بذله لكل من عرفه وأحاط به.

ومما زاد ابتلائي بآلام فقدانه، خسارتي إياه كجدار أستند إليه، ومظلة أستظل بظلها.

قتل هذا الشاب بجريمة أخرى من الجرائم التي أبتلى بها هذا الشعب منذ زمن ليس بقصير، زرعت له قنبلة صغيرة في سيارته (عبوة لاصقة)، وكما يعلم البعض أن هذه القنبلة يركب عليها جهاز محمول (موبايل) ليقوم من زرعها الاتصال بهذا المحمول من ثم يفجرها.

ألله أكبر لا أله ألا الله

كانت هذه الجملة أخر ما نطق بها ذلك الفتى الزكي، حيث روي لنا طفل يبلغ عشر سنين من العمر، وهو أبن شقيقة الفقيد كان بصحبته ساعة وقوع الحادث فيقول: خرجنا من البيت بالسيارة وما كادت السيارة تنطلق بنا بضع أمتار، حتى سمعنا صوت المحمول وهو يرن تحت السيارة, عندها قال خالي: أهربوا من السيارة أنزلوا ألله أكبر لا أله إلا ألله، ثم سمعت انفجارا مدويا، ولا أعرف ماذا حدث بعد ذلك.

جمال يبتسم

لا تخفى علينا جميعاً رهبة الموت، أنه كابوس فضيع لا أجيد تصويره، وهو على أقل تقدير أمرً مروع يرتعد منه الجميع، بل هم يهربون منه أشد هرب وأنا أولهم.

الجميع يعلم انه ميت في النهاية، إلا أننا نتمنى لأنفسنا ميتةً هادئة. ومما يزيد هول هذا الأمر أن يراه المرء أمام عينيه، هذا ما حدث فعلاً مع الفقيد، لقد كان متوقعاً لما حدث له، كونه شرطي مستهدف، وعندما سمع المحمول يرن أيقن أن نهايته حلت وساعته دنت، فما كان منه إلا أن ينذر الأطفال بالنزول من السيارة للنجاة بأنفسهم، ثم رأيناه يكبر تكبيراً يذكر ربه ويوحده، حدثنا جميع من رآه بعد وفاته أنه كان مبتسماً ابتسامة جميله مشرقه، عجب لها الجميع، فأبن الانسان وهو في مثل هذا الموقف ينبغي له أن يعبس وجهه، ويقطب حاجبيه من شدة الخوف قبل وقوع الانفجار على أقل تقدير، لابد أن فقيدنا قد أصر ألا أن يلاقي الموت باسماً، فهو لم يعرف معنى للخوف كما عرفه الجميع.

لست بشاعر

لست بشاعر، ولم طمح أن أكون، ولم يخطر ببالي أن أكتب كلمة في الشعر, ليس انتقاصاً من الشعر، بل لأنني ببساطه لم أجد سبباً يجعلني أكتب، ولم أضن أنني قادر على شيء من هذا.

بعد هذا الحادث المؤلم ببضع أيام، وتحديداً بعد انقضاء مجلس العزاء, بدء الفراغ الذي تركه الفقيد, يعذبني اشد العذاب, ويقلقني طول الوقت, فأنا إن خطرت ببالي أي فكره, أسرع إلى جهاز المحمول لاتصل بجمال وأساله عن رأيه فيها, ألا إنني لا أكاد أستخرج اسمه من الجهاز حتى أصدم بحقيقة قاسية, واسمع صوت يدوي في أذني يقول: أن جمال غير موجود، لقد غادر الحياة!!!, ولا يمضي اليوم حتى أكرر ما فعلت عدة مرات، ولا ألوم نفسي في هذا، فقد عودني هذا الفتى أن أساله وسرعان ما يجيب، وأستشيره فخير ما ينصح، آمره كما يأمر الأخ أخاه الصغير, أو ربما كما يأمر الوالد أبنه في بعض الأحيان.


إن الأحاسيس العميقة التي تجيش في صدورنا لأسباب مختلفة, منها ما هو مفرح ومنها ما هو محزن, ينبغي لها أن تخرج من تلك الصدور, إذ أن بقائها في الأعماق أمر خطير, وهو أشبه ببقاء السم في أحشاء الإنسان, عند هذا يقوم الإنسان بالتعبير عن فرحه أو حزنه عن طريق الكلام, ولكن ماذا إن عجز الكلام عن التعبير؟؟ ولا أقصد المبالغة مطلقاً في هذا الصدد, لقد رأيت الكلام الاعتيادي قاصراً على ما أريد تعبيره عن الفقيد, الأمر الذي جعلني أكتب بضع من الأبيات الشعرية تصف ما يدور في ذهني وما اشعر به تجاهه, ثم وضعت هذه الأبيات في قالب كما يضعه الشعراء, ولست أعرف في أي بحر من بحور الشعر قد جعلت هذه الأبيات, إذ أني اجهل هذه التفاصيل, لست بشاعر ولن أكون كذلك, إلا أن هذه الأبيات مهداة لروح المرحوم جمال الضامن وأضنني لم أنصفه كامل الإنصاف, وذاك لقلة حيلتي في الشعر كما أشرت.

لا يبلغ المجد ألا من به كرمُ ------- شجاعٌ باسلٌ ما همه ألم
شريفٌ حاذقٌ ملئهُ شيمُ ------- وقد بلغتهن من تثنى له الهمم
طيباً بذلته لأهله وللعدم ------- فالشمسُ تُشرقُ لكافرٌ ومؤمن
أُخذوك غدراً فلا عجبٌ ولا جدل--- أيؤخذ بغيره مثلك ضيغم
فقد عرفوا منك مناعة أجدادً- ورثتها فكنت ممن ورثت أعظم
أبا اللواء أيا سورا أحيط به روحي وما ملكت في أحلك الظُلم
أخا ألرجال أيا سيفاً قطعت به---- أدبار بهتً أعداءٌ ذوي لؤم
أبا الإباء عيناك رأيت بها--------- أعماماً وأخوةً لم تلدها أم
يا صاحب المجد يا درعاً ألوذ به ----- يا مشرقاً بعصر معتم
كفاك فخراً أن تلقى الردى باسماً ----ويلقاه خيرنا بوجه مقتم
عذرا أبا اللواء أن لم أنصف----- فوصفك غاية عجز عنها قلم
أما عزائي فيك أن تركت أخاً-- يسعى لثأرك سعي عزيز متألم








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو يرفض الضغوط الدولية لوقف الحرب في غزة


.. أثار مخاوف داخل حكومة نتنياهو.. إدارة بايدن توقف شحنة ذخيرة




.. وصول ثالث دفعة من المعدات العسكرية الروسية للنيجر


.. قمة منظمة التعاون الإسلامي تدين في ختام أعمالها الحرب على غز




.. القوات الإسرائيلية تقتحم مدينة طولكرم وتتجه لمخيم نور شمس