الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حسن اليملاحي يعزفُ على إيقاعات تختلف بين الخطاب والسرد في قصص-اختفاء...-

ادريس الواغيش

2015 / 8 / 29
الادب والفن


حسن اليملاحي يعزفُ على إيقاعات تختلف بين الخطاب والسرد في قصص"اختفاء..."
قلم: إدريس الواغيش
مدخل:
حين وجدت نفسي أمام نصوص القاص حسن اليملاحي سواء في(اللسان المكتوب) مع مجموعته "اختفاء.." وهو يكتب أو مع حكاياته الشفهية في(اللسان الشفوي) وهو يتحدث عن بؤس الضفتين: بؤساء ما قبل البحر المتوسط وبؤساء ما بعده، كان عليّ أن أرحل صوب الشمال (إسبانيا) بعيدا قليلا عن عوالمه المُعتادة ...(القصر الكبير أو تطوان وطنجة)، إذ تبيّن لي أنه يعيش على ذكريات الضفة الأخرى بانتظام.
القصة عنده في مجموعة«اختفاء في الطريق إلى لابيدريرا» تتخطى حدودها الجغرافية والقومية مقتفية خطى ابن بطوطة، لتحط الرّحال في الجنوب الأوروبي و تحديدًا في إسبانيا، هي التي يتخذ منها عالمه الخاص حيث قاموس من أسماء الشخصيات والأمكنة من قبيل: مونسيرنات- سان فوروتوسو- سانتا ماريا- بيا دي سيغورا- لا بيدريرا- باسيو دي غارسيا- سانتودومينغو- سانت إغناسي....- إلخ. هناك حيث تلتقي ثقافة الفلانتاين مع الغجر ومأساتهم: "منع «أنطونيو» الفتى الغجري «ميغيل» من ولوج المطعم"(ص:8)، أو مع بعض المهاجرين الآخرين من أمريكا اللاتينية، وبعض العمال الأفارقة والمغاربة حيث يوظف حالاتهم الاجتماعية في قالب تراجيدي أو كوميدي.
تباين الضمائر بين غياب وحضور السارد:
لا يُكثر السارد من التفاصيل، فبين غيابه وحضوره الحقيقي يعطينا منحى واقعيّا في جل نصوصه، يستخدم عبارات جاهزة ومنطقية في الغالب مع اختلاف الأزمنة وتداخلها في الوقت نفسه داخل أزمنة لفظية متباينة بين الماضي المركب/ زمن الخطاب والماضي البسيط/ زمن السرد. تتباين عنده الضمائر بشكل لافت، إذ يوظف السارد جل أشكالها بكل حرية، من(نا) الدالة على الفاعل إلى(التاء) الدالة على المتكلم بنوعيه (أحيانا) وضمير الغائب وياء المخاطبة، ليدخلنا معه في متاهة الضمائر، لتتواتر النصوص عنده دفعة واحدة. يوظف السارد كذلك الأشكال المرتبطة بضمير الغائب في الماضي البسيط على الخصوص أو المحدد أو الماضي الذي يشكل استمرارية، بحكم أن هذه الحالات التي يقصُّها علينا في مجموعته إنسانية في عموميّتها وقد نصادفها في كل زمان ومكان، لكن مع حذره الشديد من الدخول في زمن الرواية، حيث الزمن يكاد يكون متشابها أو ما نسميه بالسرد التاريخي بشكل عام: "استدار عائدا إلى الطاولة حيث كان يجلس" (ص:23).
تعدد الثقافات بين ماضي الكلام وحاضر الملفوظ:
نصوص المجموعة القصصية تفتقر في كثير من الحالات إلى نهايات صريحة وواضحة، وقد تكون غامضة أو خفية، فتعوض ماضي الكلام بحاضر المخطوط في اللحظة التي يصمت فيها الكلام، كما في قصص: "في انتظار الحديث.."- "من دون أن أنتبه لذلك..."- "جميع صوابنا"- أو ملغومة كما في قصة: "جريغو" ( هل ما يزال«جريغور» على قيد الحياة؟)...إلخ. كما نلمس في المجموعة تماساً مع ثقافات أخرى غير الإسبانية، كثقافة أمريكا اللاتينية(الأرجنتين/ نموذجا) كما في قصة «رقصة الطانغو»، حيث يقول:
"جلس يبحث عن امرأة يراقصها- طلب يد «ستيلا ماري»- لم يتوقع أن«ماري» ستطبع خده بصفعة- أنبأته نادلة«مانفيس»أن ما حدث أمر عاد وأن الصفعة في أعراف الأرجنتينيات تعني رفضهن الرقص لا غير"(ص:14). ستحتار كذلك بكل تأكيد وأنت تقرأ بعض نصوصه: هل تصدق ذاكرته وما علق بها من ذكريات وأسماء الأماكن والأشخاص؟ أم تتعامل مع كل هذا الزخم من الصور والأحداث على أساس أنها مُتخيّل أدبي صِرْف؟
يذكرنا في قصة "خلف البحر" مثلا بسريالية دالي، والخيار الأخير الذي يلجأ إليه الكثيرون وهم يرمون بأجسادهم في البحر كآخر ورقة يلقون بها:" لم يكن أملك خيارا آخر غير ركوب البحر..."(ص:27).
كما أن قصصه لا تخلو من براهين استعارية ولغة شاعرية وانزياحات بلاغية، ليعبر عن واقعية الملفوظ: "كانت بلدة «كاداكيس» تبدو جميلة وفاتنة، وأنا أكنس فيها حلمي ومُقتبل عمري"(ص:34)، أو كما في نفس الصفحة وهو يتحدث عن مغادرة النفس للنفس في قصة "هذه الغربة" حين يقول:" لكن- بالرغم من كل هذا- كنت أشعر بأني في وضع أفضل، وأنا أتعرف إلى نفسي التي كثيرا ما غادرتُها" (ص:35)، مع ذلك لا تصدقوه، لأنه سيعود سريعاً في الصفحة (36) من قصة "ذات مساء صيفي" ليُعبّر عن شعور مختلف تماما، حيث يقول:" لما أخذ كل واحد منا سبيله، اغرَورقت عيناي بالدموع. حبي لوطني كان أقوى، وهو يشتعل بداخلي".
وضعية العمال المهاجرين لم تغب عن نصوص المجموعة، فهي حاضرة وبقوة في أغلبها:"لم أكن أفكر أني سأتحول إلى عامل نظافة، وسأقيم في برّاكة معدنية رفقة "ميكي" الكلب الضخم الذي يتولى حراسة المستودع"(ص:35).
السيرذاتي وأدب الرحلة في "اختفاء":
كنت أحتار أحيانا أمام هذا الشتات الأيبيري في أدب حسن اليملاحي، سواء الشفهي منه أو المكتوب ( مجموعة: اختفاء/ نموذجا) في أن أتحدث عن عمله الإبداعي هذا بصفته عملا سيرذاتيا؟ لكن أعود لأتذكر أن لعبة الضمائر هنا تفسد هذا الانتماء وفي سياقات مختلفة، أم ينتمي إلى (أدب الرحلة) خصوصا حين يتكلم عن مرئياته وعن الثقافات المشتركة في فرنسا وإسبانيا وإفريقيا ومعاشرته لمهاجرين ينتمون لثقافات أخرى: "حذوت أنا و السنغالي "مامادو" نفس حذوه. صداقتنا به كانت أقوى من "أنطونيا". هل ستفهم" أنطونيا هذه الرسالة؟"(ص:81)، أو حين يقول في الصفحة(76) مثلا:" بعد سنة من العمل المضني في الحقول الزراعية، المجاورة لبلدة "ريوش" ب " تاراغونا"، أخذنا إجازة بمناسبة رأس السنة الميلادية. قبل ذلك كان "رودريغو" مالك المزرعة، قد منحنا أجرة مضاعفة وهدايا بالمناسبة". وهذا يدفعني لأن أتساءل: هل أعتبر الأديب حسن اليملاحي ضمن خانة الأدباء البويهميين بصفة عمله القصصي هذا بويهميا كما هو حال أعمال أخرى لأدباء كبار من أمثال هنري موجيه أو فيكتور هيغو في روايته الشهيرة( البؤساء) وهو من أشهر الأدباء البويهميين الفرنسيين، وتحتار مرة أخرى فيما إذا كان يتحدث عن نفسه ك(مهاجر سرّي ) في مرحلة من المراحل؟ أو عن البؤساء في إسبانيا بشكل عام؟، حتى وهو يستعمل(تاء) الفاعل أو(نا) الدالة عليه أو بصفته المتكلم في حالات أخرى(كنّا) و(تُ).
ضمير المتكلم وحالة الاستعصاء في الكتابة:
السارد في هذه المجموعة حاول رصد حالات اجتماعية مألوفة ومعروفة في مجموعة من الأحداث/ القصص التي يمكن ربطها بحاضرها وبحقيقتيها الموضوعية والراهنية (العنصرية- الهجرة بكل أشكالها- الاستغلال الجنسي للمرأة المهاجرة- استغلال المهاجرين واحتقارهم في العمل- الخدمة أو السخرة-...)، مع اعتماده في الغالب على ضمير المتكلم(لم أعد أشعر بالجوع- قلت في نفسي- لقد قضيت ليلة كاملة ب"ألبويرتوأولمبكو"- انتهيت من عملي- كنت أهم بعبور الطريق....)، وضمير المتكلم كما نعلم ما يشكل حالة مستعصية في الكتابة كما في السياق، لأنه يقوم عادة بالدلالة على من يقوم بالتلفظ، ويرتبط بالحالة الحاضرة للخطاب على الرغم من أن هذه الضمائر(أنا/ تُ/ نَا) لها مرجعيتها الخاصة، وترتبط عادة بالشخص المعني بالحدث أساسًا.
فالنصوص أو ساردها معا في مجموعة "اختفاء" يحاول قدر الإمكان إقناعنا بأنه يتقيد بالواقع وليس بقوانينه الخاصة في أدبية العمل الأدبي، مستحضرا أشكالا جديدة في التعبير الفني، وهو ما أدى في حالات كثير إلى تقويض البنية الفنية الكلاسيكية للقصة.
يبقى من حقنا أخيرا أن نتساءل: لماذا لم يفرد السارد بعض نصوصه لجنوب المتوسط (الوطن/ المغرب) في مجموعته القصصية "اختفاء..."؟، لكن الجواب سيكون بسيطا، هو اختيار شخصي للمؤلف الذي رؤيته الشخصية وقناعاته الخاصة، على اعتبار أن الأدب صيغة إنسانية كالفن لا وطن ولا لون وملة له.
إحالات:
1- القصة القصيرة بالمغرب- دراسات في المنجز النصي/د. جمال بوطيب
2- نماذج الجملة الأدبية - مايكل ريفاتير- ترجمة: يونس لشهب- علامات في النقد- المجلد20- العدد 78
3- السرد والتأويل- دراسات في الرواية والقصة / د.عبد العاطي الزياني
4- الخروج عن الإطار/ ذ. محمد يوب
5- في التلقي الأدبي- نحو تصور جديد للقراءة- د. حسن أحمد سرحان- دار جرير- عمان- الأردن(2012)
6- السيميائيات التحليلية وأسسها الإبستمولوجية- حليمة الشيخ/ علامات في النقد- المجلد20- العدد 78








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الناقد الفني أسامة ألفا: من يعيش علاقة سعيدة بشكل حقيقي لن ي


.. صباح العربية | الفنان الدكتور عبدالله رشاد.. ضيف صباح العربي




.. ضحية جديدة لحرب التجويع في غزة.. استشهاد الطفل -عزام الشاعر-


.. الناقد الفني أسامة ألفا: العلاقات بين النجوم والمشاهير قد تف




.. الناقد الفني أسامة ألفا يفسر وجود الشائعات حول علاقة بيلنغها