الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جمال المشنقة أبهره (قصة قصيرة)

زكرياء قانت

2015 / 8 / 30
الادب والفن


صوت السيارات المنبعث من النافدة أزعجه, نهض بخطى متثاقلة ليغلقها ,هذا يومه الأخير في هذا العالم لم يرغب في أن يفسد ضجيج السيارات لحظاته الأخيرة المتبقية .
قرر وضع حد لحياته لم يعد يجد معنى لوجوده هنا من الأصل , وسط هذا الكم الهائل من التفاهة .الهاتف قربه ذكره بعشيقته فكر في محادثتها للحظة لكنه لم يود أن يظهر ضعفه,كما لم يرغب في إحزانها لم يرد أن تسيل الدموع فوق ذلك الوجه الجميل.فوجه كوجهها لا يستحق الحزن فالتعاسة أمر كتب على أمثاله و من غير العدل أن يدخلها معه في هذه الدوامة .
لم يفهم يوما مشاعر رفيقة أربع سنوات من الدراسة الجامعية ومن المظاهرات و من القبل ..لم يفهمها لم يفهم تمردها و كيف رضت أن تكون حبيبة شخص تعيس مثله,قلما يتحدث و وضعيته المادية جد متدهورة و هي القادمة من حي راق.
هل قناعتها اليسارية هي التي كانت تدفعها لذلك؟ لتحس بنوع من النضال و التآزر مع الطبقات الأدنى من المجتمع.
رسالته الأخيرة موضوعة بأناقة فوق المكتب,قرر قراءتها للمرة الأخيرة قبل الرحيل .

" أيها العالم الأرضي, التافه, التعيس, الروتيني الذي يعيد نفسه يوما بعد الآخر سأتحدى مشيئة الطبيعة,لن أترك لملاك الموت فرصة للمجيء مفتخرا لكي يعلن النهاية بنفسه,فوق فراش المرض و أحتضر أسفا لأنني لم أفكر في تحديه,لكنني اليوم سأتحداه سأكون ملاك موت نفسي .
سيصفني الكثيرون بعد هذا الفعل بالمتشائم,بالضعيف الشخصية سيسمون موتي الاختياري بالانتحار( !!؟) لكنه ليس كذلك فهو أعظم .
موتي اليوم هو صرخة في وجه الوجود الذي أدركت حقيقته , موتي اليوم هو صرخة في وجه النظام الفاسد,سأموت كما البوعزيزي عزة لكني لن أحرق نفسي في العلن,فوطن كهذا لا يستحق كل هذه التضحية فالجموع لن تحرك ساكنا إن فعلت ذلك,الثقافة الرأسمالية الأنانية جردتها من كل قيمها الإنسانية.موتي ليس بالضعف,بل هو أكبر تمثل للشجاعة فالعيش و الطمع في المستقبل,و تمني الخلود أكبر دليل على الجبن .
يا أيها الأصدقاء,أيتها العائلة,يا كل من يعرفني لا تحزنوا كثيرا على فراقي لا تقولوا " كان الله يعمرها دار مسكين " لا تقيموا لي مأتما,لا تدفنوا جثثي أترك الطيور و الكلاب تستمتع بأكلها,و ما تبقى من عظام أتركوها هناك لتتآكل .
أيتها العشيقة,أيتها الجميلة,اعذريني على هذا كثيرا فإني أعرف مقدار حبك لي,لكنني لم اعد أتحمل العيش,أصبح الهواء يدخل كالسم لرئتي ليخنقني.لن أستطيع يا صاحبة الشعر الأسود البراق أن أعيش عمري كله على نفقتك,فقد أصبحت أخجل حتى من نفسي,و فلتعلمي أنني لطالما أحببتك,حتى و لو لم أصرح يوما بذلك .
طنجة بتاريخ
09/08/2013"


صعد فوق الكرسي جمال المشنقة أبهره , وضع رأسه فيها,دخل في موجة هستيرية بين الضحك و البكاء , دفع الكرسي لم يقاوم الموت,استسلم لجماله المدثر بالخوف من المجهول.لا شيء صار يسمع الآن سوى الصمت .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مهندس الكلمة.. محطات في حياة الأمير الشاعر الراحل بدر بن عبد


.. كيف نجح الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحسن طوال نصف قرن في تخليد




.. عمرو يوسف: أحمد فهمي قدم شخصيته بشكل مميز واتمني يشارك في ا


.. رحيل -مهندس الكلمة-.. الشاعر السعودي الأمير بدر بن عبد المحس




.. وفاة الأمير والشاعر بدر بن عبد المحسن عن عمر ناهز الـ 75 عام