الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القائد عبد الفتاح السيسي

عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

2015 / 8 / 30
مواضيع وابحاث سياسية


وقتها كانت سماء المعترك السياسي ملبدة بالغيوم، الجو معتم والرؤية ضعيفة. الكثيرون في هرج ومرج، في نشوى تقمص أدوار زعامة لا يستطيعون لعبها بعد تخلصهم من حسني مبارك في مخاض احتجاجات 25 يناير 2011، ليصبح الملعب خالياً لهم بعد طول انتظار وتربص. في البداية تم الدفع بالذراع الأيمن لمبارك نفسه، مدير مخابراته عمر سليمان. حاول سليمان جهده، محذراً بقية اللاعبين الجدد من أن عدم الاصطفاف ورائه سوف يأتي بالجيش إلى سدة الحكم مباشرة. لم يسمع له ولم يصدقه أحد، وأخفق وغادر الملعب قبل أن يغادر الحياة كلها بعد وقت قصير. وبالفعل، كما حذر سليمان، تسلم الجيش بنفسه حكم البلاد. لكن أداء كل من حسين طنطاوي وسامي عنان، وزير الدفاع ورئيس الأركان على التوالي، لم يكن أفضل من سليمان، بل حتى أسوأ من مبارك نفسه. تكبدت الغيوم أكثر من ذي قبل، والرؤية أصبحت شبه منعدمة على عموم البلاد. الأشهر تمر، والحال على كافة المستويات من سيء إلى أسوأ. فراغ في الحلقة السياسية العليا، يفرخ فراغات أكبر منها بالحلقات الأسفل التي تفرض بدورها تحديات لا تجد من هو كفؤ لها، وتضع حاضر ومستقبل البلاد على المحك. في النهاية خسر طنطاوي كل شيء، لكنه في المقابل ربح وحدة وتماسك الجيش المصري لما تمالك نفسه ولم يفتعل المشاكل وارتضى الطرد من الملعب بطريقة مهينة على يد الإخوان المسلمين.

تحت حكم الإخوان عاشت مصر وقتاً من التيه والشتات السياسي بمعنى الكلمة، لتتسع الفراغات إلى حد الثقوب السوداء القادرة على ابتلاع أي وكل شيء، ويصل الأمر إلى حد البحث عن ذات وهوية لبلد تجاوز عمره سبعة آلاف سنة من الحكم المركزي! لم يكن الرئيس الإخواني، د. محمد مرسي، بأي حال أو مؤهل هو السياسي المحنك القادر أو المنتظر أن يسد فراغ السلطة بعد مبارك. إذ سرعان ما تكشف أنه الأضعف والأسوأ من الجميع، في ظروف استثنائية بلغت من السوء منتهاه، ولا تملك رفاهية الصبر على الضعف وانعدام الكفاءة. لهذا، وبينما لا تزال في عصمة رئيس شرعي منتخب ديمقراطياً، أخذت السلطة تعري عن مفاتنها بلهفة وشبق لأي من كان يقدر أن يشبع لها فراغاً يكاد يحرقها.

من وسط العتمة والتيه والفوضى وتخبط الكل ضد الكل في كل مكان، لمع أخيراً ضوء خافت في نهاية النفق. بحكم منصبه الرسمي، كانت لديه المعرفة اللازمة بالمعلب واللاعبين؛ كانت لديه المعلومات ويعرف التفاصيل ويعرف ماذا يريد بالضبط. هو من جنس المخططين العسكريين، يعرف جيداً أين تكمن مناطق القوة والضعف، والتوقيت الصحيح للتحرك للأمام أو الخلف، أو الاختباء والتمويه ونصب الأكمنة واقتناص الفرص. وفوق أنه ينتمي لأقوى مؤسسة بالبلاد، كان يتمتع بذات الصفات الشخصية التي كانت تعوز سلفيه طنطاوي وعنان من فوق سدة المؤسسة نفسها. هنا تحديداً كان يكمن الفرق. عبد الفتاح السيسي، كشخص فرد بذاته، تتوفر فيه تماماً مقومات القائد والزعيم القادر على سد الفراغات التي عجز أمامها كل من سبقه. ولما كان مثل هذا الشخص قد ظهر أخيراً، وعلى سدة أقوى مؤسسة بالبلاد تغطي ظهره، كان الأمر قد حسم بالفعل والمسألة مسألة وقت لا أكثر حتى تستوي تظاهرات 30 يونيو 2013.

يمكن تعريف الحكم الناجح بأنه نوع من الديكتاتورية الحميدة، أو احتكار مطلق لصنع القرار السياسي السيادي على المستوى الأعلى سواء عبر توازن مؤسسي ديمقراطي بضوابط دستورية، أو في غياب ذلك باللجوء إلى سياسة العصا والجزرة. المهم أن الحاكم الناجح، مهما كان شكل النظام السياسي الموجود فيه، هو ذلك الذي يستطيع بأقل ثمن ممكن أن يحشد- طوعاً أو كرهاً- من ورائه أكبر عدد ممكن من اللاعبين الرئيسيين ومن عامة الشعب. هو ذلك الشخص الذي يستطيع دائماً أن يبقي على عدد أعدائه أقل من عدد أنصاره، مهما كانت وسائله المستخدمة في تحقيق ذلك. حين وقف السيسي يدلي بمعالم خارطة الطريق التي رسمها لمصر، كان جلياً للكافة بالداخل والخارج أن حشد الأنصار من اللاعبين الرئيسيين وراء ظهره ومن العامة في الميادين غالب بكل المقاييس على حشد أعدائه. ومن قتها حتى اليوم، يتزايد حشد أنصار السيسي والمعترفين بشرعيته بالداخل والخارج، وينزوي خصومه يوماً بعد الآخر. لقد نجح عبد الفتاح السيسي في سد كافة الفراغات السياسية بالداخل، ليحتكر الملعب كله ويتحول إلى ديكتاتور بحق. ما يريده يفعله، دون أن يجرؤ أو يقدر أحد على اعتراضه؛ وقد نجح أيضاً في فرض الاعتراف بشرعيته كأمر واقع على جميع اللاعبين الإقليميين والدوليين بالخارج، ربما باستثناء تركيا وقطر فقط. ربما يكون هو القائد الذي كانت تنتظره مصر والبلدان العربية من بعد عبد الناصر والسادات؛ فهل ينجح في سد فراغات الإقليم مثلما سدها في مصر؟!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - البشر من يصنعون الاله
emad ( 2015 / 8 / 30 - 13:36 )
لو ان عبد الفتاح السيسى دكتاتور كما تدى ايها الكاتب
فانتم من صنع هذا الدكتاتور
لا تلموا الا انفسكم


2 - لا يوجد وجه مقارنه بين السيسي و المالكي
ال طلال صمد ( 2015 / 8 / 30 - 20:13 )
الاخ الفاضل - لك مني تحيه عراقيه عطره
انني كعراقي ومعي كل العراقيون نحن نقارن بين السيسي الدي انتخبه شعب مصر بديمقراطيه نادره على الدول الاسلاميه وبين المالكي الممثل للاسلام السياسي والدي جاءت به المرجعيه وامريكا
من المفروض كمسلم الا يكدب ولا يسرق بسبب ان المسلم من سلم الناس من يده ولسانه
اليوم اثبت المالكي عميل مزدوج لامريكا وايران والشعب كله يتظاهر يريد محاكمته
هرب لاسياده في طهران واعادوه جثه هامده ولكنه لازال يتكلم
انه مات فعليا - على النقيض من السيسي الدي زار بلدان العالم من اجل زياده فرص العمل لمواطنيه - انه فتح قناه جديده لزياده العمال - ان مصر بلد يفتقر لامكانيات العراق
وشعبي جاءع لا ماء ولا كهرباء ولا عمل في وادي والخونه في وادي
ان السيسي اعطى مصر الكثير ام المالكي ومليشيات الاسلام السياسي نهبوا وطني
مره اخرى لا مقارنه بين الجبل الاشم السيسي ومالكي اخو مرسي ونهايته قريبه
ارجو من السيسي ان يكون حياديا بين اسلام بحيري وازهر القاهره - من يؤمن لنفسه ومن يكفر فكفره عليه
اسلم لاخيك- تحيا مصر
ال طلال

اخر الافلام

.. تظاهرات في جامعات أميركية على وقع الحرب في غزة | #مراسلو_سكا


.. طلبوا منه ماء فأحضر لهم طعاما.. غزي يقدم الطعام لصحفيين




.. اختتام اليوم الثاني من محاكمة ترمب بشأن قضية تزوير مستندات م


.. مجلس الشيوخ الأميركي يقر مساعدات بـ95 مليار دولار لإسرائيل و




.. شقيقة زعيم كوريا الشمالية: سنبني قوة عسكرية ساحقة