الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مسيحي ..؟!

قاسم حسن محاجنة
مترجم ومدرب شخصي ، كاتب وشاعر أحيانا

2015 / 8 / 30
الادب والفن


مسيحي ..؟!
كغيره من ألشباب في مخيم اللاجئين الفلسطينيين، كان حُلم غالب أن "يُطَلّقَ" حياة المخيم بالثلاثة، رغم أنه نشأ في أزقته المتربة ، درس في مدارس الوكالة داخل حدوده، لعب مع أترابه، دلفَ المطرُ فوق رأسه أيام الشتاء، تَقلى" تحت حرارته صيفا، جاع فيه وشبع، بكى وضحك، فيه فتحَ عينيه على الدنيا، وفيه أهله وأصدقائه، وفيه تفجرت مشاعره وهفا قلبه نحو إحدى صباياه . رغم كل اللحظات الجميلة ،لكنها كانت نادرة مقارنة بالبؤس والشقاء داخله .
ذاق مرارة البؤس والفقر، وكثيرا ما اشتهى وجبة في مطعم المدينة الكبيرة والتي يرفل اهلها بالثياب الجديدة الجميلة ، لكن ضيق ذات يد أبيه حالت دون تحقيق هذه الامنية البسيطة . كانت ملابسه أسمالا، والحذاء فقد لونه الاصلي وتهرأ في مواضع عديدة لكنه حذاءه الوحيد ولا طاقة لأبيه على شراء جديد. لقد ارتبط البؤس والفقر في ذهن غالب بالمخيم، فهو رمز الشقاء .
تختزنُ ذاكرته قصص ابيه وامه عن قريتهم وبيتهم فيها ، عن ارضهم المعطاء ، عن عين الماء وصباياها الواردات عليها، عن لياليها المقمرة وبيادر غلالها ، عن عُرس ابيه وليالي التعاليل* ،عن الحداء والدبكة على انغام اليرغول ، عن أشياء كثيرة في "قريتهم" ، فلم يكن لأبيه حديثا سواها .
غالب أكبر إخوته، وبنى أبوه أمالا كبيرا على ذكائه وهمته في الدراسة، لقد كان متفوقا في مدرسته ولهذا حظي باحترام زملائه على مقاعد الدراسة وبإعجاب معلميه .
لقد كان يتخيل تلك اللحظات ، عندما سيصبحُ طبيبا ناجحا ، يمتلك عيادة في وسط المدينة الكبيرة ، والمال يجري بين يديه هادرا كشلال .لكن الوضع المادي للعائلة لم يكن يسمح بأن يُرسله للدراسة الجامعية ، لذا كان عليه وبعد حصوله على شهادة الثانوية العامة بتفوق أن يبحث عن وظيفة يكسب منها دخلا يكفي لغرضين هامين ، مساعدة ابيه في مصروف العائلة الكبيرة ، وتوفير قسم صغير يُتيح له دفع تكاليف الدراسة الجامعية .
- روح يا غالب قلبي وربي راضي عليك.. كان دعاء أمه له ، هو ما يسمع عند الخروج من البيت وعند العودة .. بينما لم يكن رضاء الوالد عنه مكتملا.. لأن غالب لا يُصّلي ولا يصوم ..
- الله يهديك ويوفقك يا غالب يا ولدي .. دعاء والده المتكرر عند كل صلاة ، فوالدُه رجل متدين ويكرر بفخر بأنه صلّى وراء الشيخ القسّام مرة في جامع الإستقلال* بحيفا.
وغالب على موقفه من الصلاة، بل ووصل الى اسماع والده بأنه قد انضم الى تنظيم فلسطيني يساري يتبنى الماركسية – اللينينية .
-ما هي المارسكية التي يقولون بأنك انضممت اليها ؟؟!!
قهقه غالب عاليا ، وقال : الماركسية ... الماركسية وليس المارسكية كما قلت ..!!
-لا يهم ..!! لكن اجبني هل انضممت الى هذه الماكرسية ؟؟ ولهذا لا تصلي ..!!
-لا.. اطمئن يا أبي.. فهذه شائعة فقط .. !!
وأخيرا، جاءته الرسالة المنتظرة ، لقد تم قبوله للعمل في السعودية ، مدرسا في مدرسة ابتدائية. ورغم ان المدرسة تقع في قرية نائية ، بيوتها من طين ، وليس بها كهرباء ، فهذا "أحسن من بلاش" ،قال محدثا نفسه ، سأدّخر قليلا منه ، وارسل قسما لأبي في المخيم ، ففي قرية كهذه لا يحتاج المرء إلى أن يصرف إلا القليل من المال .
لقد استقبلهما أهل القرية ، هو وزميل اخر، استقبالا لائقا ب"الاساتذة" ، وفَّرُوا لهم غرفة وفراشين، وثلاث وجبات من الطعام .
-أتريدون أن أُصحيكم لصلاة الصبح ؟! سألهما إمام الجامع ...
-أنا مسيحي..!! سارع غالب قائلا ..
اعتزلهُ أهل القرية وكان هذا ما اراده ، لكنهم قدموا له الطعام، كما قدموا لزميله..
تذمر زميل غالب من ملازمة الامام له، ومواظبته على ايقاظه لصلاة الفجر ودعوته للصلاة في المسجد في اوقات الصلاة .. وغالبٌ سعيد مرتاح ، ينام حتى ساعة متأخرة ، يقرأ ويتحضر للدراسة الجامعية ..
وكما يحدث بين الأخوة، فقد تخاصم غالب مع زميله ، وارتفعت اصواتهما بالشتائم والتهديدات. وحينما كانا يتناولان العشاء في أحد بيوت القرية ، وقد اجتمع كل الرجال بما فيهم الإمام.. بدأ زميل غالب بالحديث ، موجها كلامه للحضور قائلا :- أتعرفون يا جماعة؟! أريد أن أصدقكم القول ، لقد كذبنا عليكم ، فغالب مسلم وليس مسيحيا..!!
وصبيحة اليوم التالي انضم غالب الى صفوف المصلين في الجامع ، ليؤدي صلاة الصبح جماعة.....!!

*التعاليل هي الليالي التي تسبق يوم العرس ، وعادة كانت من سبعة الى عشرة ليالي يقضيها أهل العريس – العروس والجيران بالسهر والغناء.
*جامع الاستقلال، هو الجامع الذي بدأ فيه القسام بالدعوة للثورة ضد الاستعمار البريطاني ، وهو ما زال قائما في مدينة حيفا .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فـرنـسـا: لـمـاذا تـغـيـب ثـقـافـة الائتلاف؟ • فرانس 24 / FR


.. الفنانة نجوى فؤاد: -أنا سعيدة جدًا... هذا تكريم عظيم-




.. ستايل توك مع شيرين حمدي - عارضة الأزياء فيفيان عوض بتعمل إيه


.. لتسليط الضوء على محنة أهل غزة.. فنانة يمنية تكرس لوحاتها لخد




.. ما هي اكبر اساءة تعرّضت لها نوال الزغبي ؟ ??