الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دستور بلا وفاق

هشام القروي
كاتب وشاعر وروائي وباحث في العلوم الاجتماعية

(Hichem Karoui)

2005 / 10 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


يرى عدد من المراقبين أن مسودة الدستور التي يساندها معظم أعضاء البرلمان العراقي لن تحقق لإدارة الرئيس بوش شيئاً من معظم النتائج المهمة التي كانت ترجو تحقيقها من وراء عملية صياغة الدستور، سواء أجيزت هذه المسودة في الاستفتاء الشعبي أم لا. فأولاً، وقبل كل شيء، لم تحقق المسودة، ولم تقترب من تحقيق الوفاق القومي المنشود بين الطوائف والعرقيات الرئيسة في العراق.
لم يكن التقييم الذي ارتأى أن عملية الصياغة خذلت إدارة بوش مبنياً على أساس المحتوى الفعلي لمسودة الدستور، ولكن على أساس ردات الفعل التي أبدتها الطوائف العراقية الرئيسة ولاسيما العرب السنة. صحيح تماماً القول، كما ذكرت إدارة بوش، إن المسودة لم تكرس إنشاء دولة دينية إسلامية ولم تفرض قوانين الشريعة الإسلامية، وهذه احتمالات تخوف منها الكثيرون وعملت الإدارة جاهدة على تجنبها. كما أن المسودة لم تمجد المرجعيات الدينية الشيعية، وذلك خلافاً لما سعى كثير من المشاركين في لجنة صياغة الدستور إلى تحقيقه. وصحيح إلى حد كبير أيضاً القول إن العرب السنة يستطيعون استغلال بنود الدستور لتحقيق استقلاليتهم، وبذلك يمنعون نشأة أي دكتاتورية محتملة قد يمارسها ضدهم العرب الشيعة والأكراد التواقون إلى الانتقام.
ولكن, إذا كان للتمرد - الذي كاد يوصل عراق ما بعد صدام إلى ما يشبه الشلل التام - أن يتوقف، فإن العرب السنة، وهم الذين يشكلون القاعدة الكبرى التي يستند إليها التمرد، بحاجة للنظر إلى الدستور كوثيقة فيها من الحكمة ورحابة الصدر ما يضمن لهم مكاناً آمناً في عراقٍ حر موحد. والحقيقة هي أن كثيرا من العرب السنة يرون أن مسودة الدستور، بوضعها الحالي، ستؤدي إلى تمزيق العراق، وإلى استيلاء إيران الفعلي على معظم الأجزاء الجنوبية للعراق، وإلى إفقارهم مادياً لأن سيطرة العرب الشيعة والأكراد تتزايد في حقول النفط والغاز المكتشفة حديثا. وهم يرون أيضاً أن المسودة ستؤدي إلى عملية لانهائية لتصفية البعث، مما سيؤدي، عملياً، إلى تصفية السنة من الحكومة والجيش. وكذلك يرون أن إدارة بوش حرصت على الالتزام بتقديم المسودة في الموعد النهائي المحدد لتقديمها (15 أغسطس/آب 2005) أكثر من حرصها على اشتمال المسودة على رؤى السنة. وهذا، بطبيعة الحال، لا ينفي أن الإدارة الامريكية قد بذلت ما بوسعها لإقناع الشيعة والأكراد بعدم تجاهل اعتراضات السنة وتحفظاتهم على الدستور.
تنصب مخاوف السنة واعتراضاتهم أساساً، ولكن ليس كلياً، على بنود المسودة التي تجيز إنشاء كيان سياسي فيدرالي ونشأة أقاليم جديدة. ووفقاً للمسودة، سيكون لكل إقليم هياكله الإدارية كما سيكون له السيطرة على عناصر الأمن الداخلي، وسيطرة محتملة على ما سيكتشف من حقول للنفط أو الغاز. وعلى الرغم من أن معظم العرب السنة قد روّضوا أنفسهم على القبول بإقليم كردي مستقل، فإنهم لم يروضوها على القبول، في نهاية الأمر، بإقليم مستقل تحت إدارة شيعية في الجنوب. فالجنوب هو المكان المحتمل لمعظم اكتشافات النفط والغاز، ووضعه تحت إدارة شيعية يوازي، وفقاً لرؤى السنة، حرمان السنة من أي مستقبل اقتصادي في المدى البعيد.
أما بنود المسودة المتعلقة بالفيدرالية، فإنها تحطم أي فكرة لتكوين جيش أو قوات أمن قومية حقيقية. فالمسودة تمنح الأقاليم الحق في تكوين قوات أمنها الداخلي. وبما أن القوات الإقليمية تدافع عن أقاليمها، وهى الأماكن التي تجد فيها الترحيب، فمن شأن هذا البند أن يعطي المجندين المحتملين دافعا قوياً للالتحاق بقوات الأمن الإقليمية، ويضعف دوافعهم، إن وجدت، للالتحاق بقوات الأمن القومية. وعلى الرغم من أن بعض السنة قد يعتقدون أن هذا الوضع يضمن عدم قيام القوات الكردية والشيعية بدور الشرطي في المناطق السنية، فإن للسنة تحفظاتهم إزاء هذا البند. فالسنة يمثلون 20% فقط من مجموع السكان، ولذلك يرجح أن تكون قوات الأمن الداخلي الخاصة بهم أصغر بكثير من قوات العرب الشيعة (التي يرجح أن تكون بالاشتراك مع الأكراد)، مما يعني تعريض السنة لخطر دائم. ومما يضاعف من قلق إدارة بوش أنه في حالة "تعذر تكوين" أو "تفكك" الجيش القومي، فستكون قوات الأمن الوحيدة المتاحة للعرب السنة هي تلك العناصر المتمردة التي تحمل السلاح الآن.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف تساهم ألمانيا في دعم اتفاقية أبراهام؟| الأخبار


.. مروان حامد يكشف لـCNN بالعربية سر نجاح شراكته مع كريم عبد ال




.. حكم غزة بعد نهاية الحرب.. خطة إسرائيلية لمشاركة دول عربية في


.. واشنطن تنقل طائرات ومُسيَّرات إلى قاعدة -العديد- في قطر، فما




.. شجار على الهواء.. والسبب قطع تركيا العلاقات التجارية مع إسرا