الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انتخابات في واقع سياسي واجتماعي لا يوفر حدا أدنى من شروط الديمقراطية

عبد الغني القباج

2015 / 8 / 31
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان




تعيش اليوم جل النخب الحزبية في المغرب أجواء الانتخابات الجهوية والمحلية فترة الانتخابات..
والملاحظ أنه يسود داخل هذه النخب والرأي العام النخبوي والشعبي برود انتخابي.. وهو مؤشر على أن هذه النخب والرأي العام النخبوي والشعبي ليس لهما وعي كافي وواضح في كون تجارب الانتخابات في النظام السياسي المغربي لم تكن لها رهانات سياسية واجتماعية أو ثقافية مرتبطة بمشاريع مجتمعية وسياسية ديمقراطية. لأن الانتخابات ليست سوى وليدة واقع سياسي واجتماعي مبتذل وفاقد لإستراتيجية التغيير الديمقراطي للدولة ومؤسساتها والتغيير الديمقراطي للمجتمع وبنياته السياسية والاجتماعية والثقافية.
وبالتالي لم يتجاوز النظام السياسي والانتخابات نسق سياسي تسوده المصالح الشخصية والمصالح السياسوية الذاتية بحيث يجد الداخلين لسوق الانتخابات بمبادئ وبحد أدنى من المشاريع السياسية والاجتماعية الديمقراطية، يجدون أنفسهم معزولين وكمن يصيح في صحراء! وهذا ما يجعل الانتخابات فاقدة لرهانات المصالح الديمقراطية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للمجتمع ولطبقاته الاجتماعية.
ولنكن واضحين! السياسة مصالح، وبالتالي السياسة وعي تنتجه هذه المصالح وتنتجه العلاقة التي يقيمها التصور الفكري والسياسي والبرنامج السياسي والاجتماعي مع الممارسة السياسية والاجتماعية والمدنية. وهذا يعني أن الحركة السياسية أو الاجتماعية أو المدنية والثقافية أي الممارسة والفعل يسبقان الوعي الذي يحدد هذه الحركة والممارسة والفعل.
والشئ الذي اكتسبته الجماهير الشعبية ولو بشكل عفوي من خلال الصراع الطبقي الذي تعيشه يوميا وفي تعاملها مع الشأن السياسي والواقع الاجتماعي الذي انتجته نضالات حركة 20 فبراير هو عدم استجابة حقيقية وفعلية للنظام السياسي لمطالب الجماهير الشعبية المتمثلة في دستور ديمقراطي، الحرية، الكرامة، العدالة الاجتماعية، المساواة واسقاط الاستبداد والفساد. وبالتالي فالدستور الجديد القديم والبرلمان والحكومة، الذي تجري في إطارهم الانتخابات، لم يغيروا واقع الحرمان والتسلط والفقر والقمع والتخلف الذي تعيشه فئات اجتماعية كبيرة من جماهير الطبقات الشعبية فثلث الشعب المغربي من الجماهير الشعبية تعاني من واقع التخلف والفقر وفئات اجتماعية واسعة آخرى تعيش الهشاشة الاجتماعية والاقتصادية.
ونعرف أن هذه الانتخابات ستجري في هذا الواقع المتخلف الذي تعاني فيه الفئات الاجتماعية الشعبية من أوضاع البؤس والفقر الاجتماعي والثقافي ومن أمراض اجتماعية مختلفة وتتكبد آلام وأهوال الفقر ة البؤس وبالمقابل نخب برجوازية ومخزنية وأعيان تشكل الأقلية القليلة لها مصالحها الاقتصادية والاجتماعية الضيقة ونمط عيشها الباذخ وثروات تسخرها للنفوذ السياسي والاجتماعي بأساليب مختلفة مالية وشبكات علاقات اجتماعية وقبلية وشعبوية وزبونية لتمويل من سيخدم مصالحها من أجل أن يصل إلى تدبير الجماعات المحلية.
وبالتالي فإن النخب التي ستفرزها الانتخابات الجماعية والجهوية، في ظل نظام سياسي مجتمعي مخزني رأسمالي تبعي وطبقته التي تحتكر السلطة والثروة، ليست لها أهداف لحل كوارث وآفات التخلف الاجتماعي والسياسي التي ينتجها هذا النظام السياسي المجتمعي المخزني الرأسمالي التبعي! وبالتالي ستكون جلبة الانتخابات نوعا من الصراع والمواجهة بين أعضاء نخب حزبية ومجتمعية يسعون للقرب من السلطة المخزنية وممثليها (الولاة والعمال والقياد...) ومن الاعيان الاقتصادية والاجتماعية وخدمتها بهدف خدمة مصالحهم والارتقاء اجتماعيا.. والواقع الانتخابي يقدم لنا آلاف النماذج من الأشخاص الذين تم انتخابهم ووصلوا إلى الجماعات المحلية والجهات والبرلمان وارتقوا اجتماعيا وأصبحت لهم مقاولات وثروات ومصالح مقابل خدمة مصالح طبقة البرجوازية الريعية والأعيان.
لذلك فهذه الانتخابات لن تخدم المصالح الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للطبقات الشعبية والطبقة العاملة والفئات الشعبية الكادحة والمحرومة.
أما الأحزاب اليسارية ستكون كعادة الانتخابات في المغرب كالممثلين الصامتين في سينما الانتخابات (les figurants au cinéma électoral).. وعندما نعتبر أن مشاركة الأحزاب اليسارية لن تكون سوى ممثلة صامة في سينما الانتخابات (une figuration au cinéma électoral) ليس شماتة أو انتقاصا من نضاليتها وصدقها ولكن واقع الانتخابات وتغييب الرهانات السياسية والاجتماعية المرتبطة بالمصالح الديمقراطية للشعب المغربي أي بتغيير ديمقراطي حقيقي يجسد في المؤسسات المنتخبة سلطة ومصالح الشعب بالملموس.. لأن هذه الانتخابات ليست سوى وليدة واقع سياسي واجتماعي أصبح مبتذل وتسوده المصالح الشخصية والصالح السياسوية الذاتية بحيث يجد الداخلون لسوق الانتخابات بمبادئ وبحد أدنى من المشاريع السياسية والاجتماعية الديمقراطية كما أسلفنا. والنظام السياسي ونخبه المخزنية ستؤكد أن التنافس الانتخابي بمشاركة أحزاب يسارية وارتباطاتها النقابية والمدنية يضفي مصداقية وشرعية على الانتخابات ونتائجها وبالتالي على النظام السياسي و"الديمقراطية" المزيفة.
وبالتالي ما لم يتوفر في المغرب حد ادنى من الديمقراطية في إطار نظام سياسي نسبيا ديمقراطي تجسد فيه الانتخابات إرادة واعية للشعب تعبر عن مصالحه الطبقية... إذ لا زالت الانتخابات في المغرب تمنح شرعية سياسية لنظام مخزني تبعي تحتل فيه المؤسسة الملكية صلاحيات الفاعل السياسي الأساسي والرئيسي وصلاحيات القرار السياسي.. وتجسد خطب الملك ومجلس الوزراء والظهائر التي يصدرها الملك قرارات سياسية واقتصادية واجتماعية مفروض في البرلمان والحكومة والجماعات المحلية تطبيقها.
النظام السياسي في الحقيقة يخاف من مقاطعة فئات واسعة من الشعب المغربي للاتنخابات! ويرى أن مقاطعة الانتخابات وعدم المشاركة يفتحان الطريق إلى احتمال انجرار المواطنين والمواطنات إلى التطرف والأرهاب. وفي نفس الوقت يعتبر المقاطعة موقفا سلبيا وعقابا ضد الأحزاب ونخبها السياسية وليست موقفا سلبيا من النظام السياسي الذي ينتج هذه الاحزاب والنخب السياسية ويروضها. وبالتالي يعتبر خطاب المؤسسة الملكية أن الخلل والمشكل السياسي والانتخابي لا يكمنان في طبيعة النظام السياسي الذي يستمر منذ بداية الاستقلال الشكلي بنفس المنهج السياسي المتحكم في آليات ومؤسسات الحكم السياسية والإيديولوجية والاقتصادية والثقافية وهو المنهج السياسي الذي أنتج هذه الأحزاب المفصولة عن هموم والمصالح الديمقراطي للشعب المغربي ن كما انتج ترويض معارضات إصلاحية وكيفها وفق رؤية مخزنية للممارسة السياسة وللانتخابات! وفي المقابل مارس سلطويته على المعارضات الراديكالية التي تطرح تغييرا ديمقراطيا جذريا والانتقال على نظام سياسي ديمقراطي يجسد سلطة الشعب ويمكنه من تقرير مصيره السياسي ليحقق الحرية والعدالة الاجتماعية والمساواة.
وبالتالي فالنظام السياسي السائد لا زال يبرر تحكم وسيطرة المؤسسة المخزنية على القرار السياسي بالنظر لفساد النخب السياسية والاجتماعية وعدم كفاءتها لتحمل مسئولية القرار السياسي ولممارسة السلطة. لذلك ينتقد الملك في خطاباته العديدة أداء وممارسة البرلمانيين والبرلمانيات وأعضاء وعضوات الجماعات المحلية ولم يخرج آخر خطاب الملك يوم 20 غشت الأخير عن توجيه النقد للمُنْتَخَبِين وتحميل المسئولية للمواطنين على فساد ولا مسئولية المُنـْتَـخَبين.
النخب السياسية الديمقراطية واليسارية التي تشارك في الانتخابات لا زالت تعتقد ضرورة تجميع القوى الديمقراطية واليسارية والحداثية لخلق شروط وإمكانية إصلاح للنظام السياسي بالضغط عليه من داخل مؤسساته الدستورية والسياسية للتمكن من عزل قوى مقاومة التغيير داخله وتغيير ميزان القوى لصالح التغيير الديمقراطي مما يهيئ واقع جديد يفرض تنازلات على السلطة السياسية تجعلها تتخذ إجراءات إصلاحية جديدة تحقق انتقال النظام السياسي إلى الديمقراطية. إن هذا التصور والموقف السياسي يغرق في وهم سياسي ظلت القوى الوطنية الإصلاحية منذ بداية الاستقلال الشكلي تتشبث به وتؤسس نضالها الاإصلاحي أو الجذري على أساسه ، أي التوافق مع النظام المخزني للوصول إلى السلطة! وكانت تجربة توافق القوى الوطنية الإصلاحية (الاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية والاشتراكي الديمقراطي...) التي مكنت عبد الرحمان اليوسفي من تشكيل ما سمي بـ"حكومة التناوب التوافقي" تجربة دالة عن فشل إمكانية إصلاح النظام السياسي من داخل مؤسساته الدستورية والسياسية وفشل تصور الانتقال من التوافق إلى الديمقراطية.
مقاطعة الانتخابات المخزنية البرجوازية الكمبرادورية تعيد النظام السياسي إلى "معادلة التغيير" وتحاصر قوى الاستبداد وتنزع عنهم خطابهم المزيف حول الديمقراطية وحقوق الانسان المصداقية وتفضحه وتعيد الاعتبار إلى انتفاضة حركة 20 فبراير التي امتد نضالها الجماهيري طيلة سنة 2011 وتعيد الاعتبار لأهدافها الدستورية السياسية والاجتماعية المتضمنة في بيانها التأسيسي (14 يناير 2011) في المرحلة الراهنة من النضال الديمقراطي. ونعتبر ان موقف وممارسة المقاطعة تتطلب برنامجا وتعبئة نضاليين أهم محاوره تتبلور كما يلي :
مقاطعة الانتخابات تندرج ضمن تحرر الجماهير الشعبية من سيطرة سياسة وثقافة وسلطوية النسق السياسي المخزني وفتح وعي هذه الجماهير وممارستها على نسق سياسي ديمقراطي بديل يحقق لها الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية والمساواة. كما تحرر مقاطعة الانتخابات إرادة النساء لتجاوز سيطرة الثقافة المخزنية والثقافة التقليدية والسلفية التي تعتقل وعي وممارسة فئات عريضة من النساء في التقاليد والثقافة والممارسة الاجتماعية المتخلفة التي تحجز تحرر المرأة وتمتعها بحقوق المساواة والمناصفة.
مقاطعة الانتخابات تندرج ضمن النضال من أجل نزع الشرعية على أحزاب مخزنية أسستها نخب صنعها النظام السياسي لإضفاء الشرعية على النظام المخزني لأن هذه الأحزاب كانت ولا زالت وظيفتها هي مواجهة وإضعاف القوى الديمقراطية واليسارية الحقيقية المطالبة بتجاوز النظام والنسق السياسي المخزني .
مقاطعة الانتخابات هي فضح وإدانة لتراجعات النظام السياسي وحكومة يسيرها عبد الإله بن كيران جماعة العدالة والتنمية وحلفائها على المكتسبات الجزئية في مجال الحريات العامة وحقوق الإنسان وما يشهده الواقع السياسي اليوم من إجراء العديد من المحاكمات والأحكام الجائرة ضد مناضلين سياسيين ونقابيين وجمعويين وشباب حركة 20 فبراير والمعطلين وطلبة وضرب وحصار الصحافة المستقلة والقمع الموجه ضد الاضرابات العمالية والحركات الاجتماعية.
مقاطعة الانتخابات تندرج كذلك في صيرورة النضال من اجل تحرر الشعب المغربي من التبعية العمياء الكاملة السياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية للامبريالية والرأسمالية المعولمة المتوحشة، ونعرف أن هذه التبعية هي سبب من الاسباب الرئيسية لانتشار التخلف الاجتماعي والفقر والجهل والتهميش وتفشي الأمراض الاجتماعية (الدعارة والإجرام والاتجار وتناول المخدرات والهجرة السرية...).
ولكل ما سلف وموضوعيا نعتبر أن الانتخابات الجماعية والجهوية وقانون الجماعات المحلية والجهوية لا يعطيان للأحزاب السياسية صلاحيات القرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي وبالتالي لن تستطيع الأحزاب التي ستسير هذه الجماعات المحلية والجهوية تطبيق برنامجها السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي في الجماعة المحلية أو في الجهة... وبالتالي لا تساهم الانتخابات في تعميق الوعي الديمقراطي ولا تبني المجتمع علاقات اجتماعية مواطِنة وديمقراطي... والخلاصة هي أن الديمقراطية المحلية والجهوية لا يمكن تطبيقها إلا في أنظمة سياسية ديمقراطية...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مكافآت سخية للمنتخب العراقي بعد تأهله لأولمبياد باريس 2024|


.. عقاب غير متوقع من محمود لجلال بعد خسارة التحدي ????




.. مرسيليا تستقبل الشعلة الأولمبية لألعاب باريس 2024 قادمة من ا


.. الجيش الأمريكي يعلن إنجاز بناء الميناء العائم قبالة غزة.. وب




.. البرجوازية والبساطة في مجموعة ديور لخريف وشتاء 2024-2025