الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حرب البؤساء العادلة

بدر الدين شنن

2015 / 8 / 31
مواضيع وابحاث سياسية


إن أكثر الذين يعبرون عن تعاطفهم ، وتضامنهم الإنساني ، مع اللاجئين السوريين ، الذين يكابدون التشرد ، والذل ، في بحثهم عن ملا ذات أكثر أمناً .. وأكثر ضماناً لحق الحياة ، ويتعرضون خلال ذلك ، للتآمر ، والنفاق ، والغدر بهم حتى الموت ، هم صادقون . غير أن غضبهم لا ينصب على القوى الدولية ، والإقليمية ، والإرهابية الدولية ،المجرمة ، التي اعتدت على سوريا ، ومارست فيها شتى أشكال القتل والتدمير ، والتشريد ، وصار الشعب السوري كله ، نتيجة لذلك ضحايا حرب في الداخل والخارج ، وصار الأمان وحق الحياة هو الهدف الأوحد ، وإنما ينصب ، أو هكذا يصور الإعلام المخادع ، على تلك العصابات " المافيات " التي تتلاعب بخياراتهم ، ومصائرهم ، ومقتنياتهم المتواضعة .

إن الشرفاء الذين يتابعون العدوان على سوريا ، ويتابعون الحقائق والمعطيات بموضوعية وشرف ، يعرفون المجرمين ، ويشيرون بأصبع الاتهام إليهم فرداً فرداً ، ودولة دولة . ويعرفون كيف جرى التلاعب ، في بداية الأحداث " 2011 " بالأزمة السورية واستغلال المهمشين اقتصادياً وسياسياً ، وخداع ، وإرهاب ، ملايين السوريين ، ليهاجروا إلى الخارج ، لاستخدامهم في العدوان على بلادهم ، سياسياً ، وإعلامياً ، ونفسياً ، وقتالياً . ويعرفون كيف يجري الآن ، بعد انتهاء مرحلة استخدامهم وفقد تهجيرهم بريقه وصلاحياته .. ومسوغاته ، لدفعهم إلى ما يسمى " مناطق عازلة " ، لمنعهم من التفاعل الحر مع مجتمعات البلدان المقيمين فيها ، لتوظيفهم في أنشطة مريبة سورية ، أو غير سورية لاحقا ، أو إلى التشرد في مختلف بقاع الأرض .

لقد سقطت ، لدى معظم اللاجئين السوريين ، ومعظم الشعب السوري ، كذبة اللجوء من أجل الحرية لدى أعداء الحرية ..
سقط تمويه أنظمة الخليج العربية القبلية المتخلفة ، التي تستعبد شعوبها ، في عدوانها على سوريا ، باسم تمكين السوريين من الحرية والديمقراطية والعدالة ..
سقط ادعاء أرد وغان ، وآل سعود ، وآل ثاني ، وسيد البيت الأبيض ، ودول أوربية استعمارية عريقة ، وإسرائيل ، الداعمين للعدوان ، والقتل ن والتدمير ، أنهم أصدقاء سوريا ..
ولم تعد فتاوى حاملي اللحى والعمائم المنافقة ، باسم الدين ، تقنع أحداً ، بأن تدمير المساجد والكنائس ، والقيم والمعالم الحضارية الإنسانية ، وقطع رؤوس الأسرى ، وسبي واغتصاب الحرائر ، إنما يتم برضى الله وأمره ..
ولم تعد الفضائيات المأجور ، باستقبالها مشوهي السياسة والفكر ، ونشرها الأخبار المقلوبة ، لم تعد كما كانت ترمي أن تكون منابر حرية ..

وإذا قرأنا مشاهد انتشار مراكب اللاجئين ، وهي تترنح بين أمواج البحر ، مهددة بين لحظة وأخرى بالغرق ، وعرفنا أن ألفاً إثر ألف يغرقون .. ورغم ذلك تستمر بعدها المراكب تحمل ألوفاً أخرى معرضة لاحتمال الموت ..
وإذا قرأنا مشاهد اقتحام الأسلاك الشائكة ، والانحشار كالحيوانات في الشاحنات الخانقة ، وكيف يتابعون اقتحاماتهم إن فشلت من جهة ، ليعبروا من جهة أخرى ، ليصلوا إلى البلدان الأوربية الغنية ، لابد أن نثق أن هؤلاء البؤساء لديهم القناعة ، بشكل أو بآخر ، أن هذه البلدان التي شاركت بفعاليات سياسية ، ومالية ، وإعلامية ، وفنية ، وعسكرية ، لتوفير مقومات العدوان على بلادهم ، هي التي تتحمل الكثير من المسؤوليات عما حدث لوطنهم .. ولهم .. ولأطفالهم ، وتتحمل مسؤولية عدم إنهاء الحرب ، وهي قادرة على ذلك إن تخلت عن مطامعها ، وهي مسؤولية عن استمرار تشردهم ..

إن ما يجري الآن في حرب اللجوء .. من هجوم البؤساء .. ومن تصدي اللئام لهذا الهجوم .. وبترك البؤساء لمصير الغرق بالآلاف ، هي حرب حقيقية ، إنها بالنسبة للاجئين وللشرفاء في العالم ، حرب عادلة من وجهة إنسانية وواقعية وتاريخية .
إنها الحرب بين الفقراء والأغنياء .. إنها الحرب السورية في الجبهات الخارجية .. بين دعاة ودواعي الحرب على سوريا .. وبين ضحايا الحرب على سوريا .
إن القول ، أن ما يجري بحق اللاجئين السوريين ، هو عار عربي .. أو عار دولي .. هو أقل مما يجب أن يقال . إنها جريمة .. إنها مجزرة .. بكل معايير الجرائم والمجازر ، لأنها تجري عن سابق تخطيط وإصرار .

إن الدول الأوربية ، وخاصة الاستعمارية العريقة ، المنخرطة غي العدوان على الشعب السوري ، تعد الآن الخطط والإجراءات لمواجهة تدفق " هجوم " اللاجئين الفقراء إلى بلدانها ، الذي يقدر أن يصل عددهم إلى نصف مليون بائس هذا العام . فيعززون قواهم الحربية والأمنية البحرية ، لمطاردة الزوارق " المهاجمة " الحاملة للعائلات البائسة السورية ، وغير السورية . ولردها على أعقابها بعيداً عن الشواطئ الأوربية ، أو لحجر من فيها في جزر اعتقال جماعي . ويعززون حدودهم البرية بالحراسات المكثفة ، وبالأسلاك الشائكة ، وبموانع التسلل الإلكترونية المتطورة .

ومعظم الدول العربية ، التي ما تزال تواصل دورها القذر في العدوان على سوريا ، تمتنع عن إيواء أخوي إنساني مؤقت للمشردين السوريين ، ريثما تنجح الجهود بإيجاد مخرج جدي ، يعيد لسوريا الأمان ، ويعود الذين ساعدوهم أخوياً ، وقت الحرب ، إلى بلادهم . بل وبعضها أعاد إلزام السوريين بالحصول على تأشير دخول مسبقاً إلى بلدانها ..

إن التجليات الموجعة لمشهد اللاجئين السوريين ، وبخاصة ، في تركيا ، والأردن ، ولبنان ، والآن عبر البحر ، والشاحنات الخانقة ، والأسلاك الشائكة ، هي انعكاس للتجليات الموجعة الداخلية ، بالنسبة للنازحين ، والمحاصرين .

لقد كشفت أزمة عبور اللاجئين السوريين إلى بلدان أخرى ، كحق من حقوقهم الإنسانية المعترف بها دولياً .. كشفت العمق الإنساني للحرب على سوريا ، كشفت عمق مأساتها ، وكارثيتها ، وقذارة استباحتها أرضاً وشعباً . وكشفت أولئك الذين اجتمعوا ، وخططوا .. قبل الحرب ، لنشر " الفظيع العربي " في البلدان العربية ، من أجل امتلاك مخزون الطاقة ومعابرها ، والجغرافيا المميزة ، وتقاسم الهيمنة على العالم . وكشفت حقيقة بشعة يتواطأ الإعلام والمثقفون في تغطيتها وتمويهها ، ما تزال تفتك بالمجتمع الإنساني ، مستهترة بقيم العلوم ، والأخلاق ، والحضارة ، وهي شريعة الغاب ، التي تستبيح استغلال الإنسان واضطهاد الشعوب ، من أجل تراكم وتكديس الثروات الأسطورية على حساب إفقار وتجويع وتهميش المليارات البشرية في القارات المفقرة ، التي يمارسها ويتمسك بها عتاة أصحاب الشركات الاحتكارية الكبرى ، ويترجم المؤمنون الأغبياء والسذج سلطانها ، بأنه أوامر إلهية مقدسة .

إن أزمة اللاجئين السوريين عبر البحار ، وعبر الحدود الدولية ، هي أزمة إنسانية كبيرة . إنها تدق إنذار الخطر ، إن الإنسانية مع انتشار ظواهر اللاجئين المشردين نتيجة الحروب العدوانية والعنصرية والدينية والمذهبية ، معرضة لما هو أسوأ مما هو حاصل الآن .. إن لم يوضع حد لسلطات شريعة الغاب .. التي تتلاعب وتتحكم بمصائر الشعوب .

إن أزمة اللاجئين السوريين .. وأزمة كل السوريين ، تستدعي محاسبة ، ومعاقبة ، الذين خططوا لها ونفذوها ، وارتكبوا مجازرها ، ومذابحها ، ودمروا عمرانها . وهم معروفون بالأسماء في الداخل ، وفي الجوار ، وفي البلدان الشقيقة ، وفي البلدان الأجنبية .

هل في العالم كله كلمة " تعزي " .. تعوض أماً ، فقدت رضيعها في أعماق البحر وهي تصارع الأمواج القاتلة .

هل في الوجود مشاعر تصف طفلاً يزحف مذعوراً ، فوق الحصى والتراب ليخترق حاجز الأسلاك الشائكة ، هرباً من التشرد .. والجوع .. والذل .. والموت .

هل هناك ضمائر حية .. تستطيع أن تتحمل رؤية جثث بشرية .. شباباً بعمر الزهور .. وأطفالاً كالملائكة .. ونساء شبه عاريات .. مقتولة غرقاً .. مرمية كجثث الحيوانات النافقة على شواطئ البحار .

لترتفع أصوات الشرفاء في العالم .. تضامناً مع اللاجئين السوريين .. لإنقاذهم من براثن اللجوء .. والموت .. غرقاً .. أو خنقاً .. وإنقاذ وطنهم من حرب الإرهاب الدولي .. الذي وحده يحتضنهم بالكرامة والأمان ، والاحترام الذي يستحقونه بجدارة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المكسيك: 100 مليون ناخب يختارون أول رئيسة في تاريخ البلاد


.. فاجأت العروس ونقر أحدها ضيفًا.. طيور بطريق تقتحم حفل زفاف أم




.. إليكم ما نعلمه عن ردود حماس وإسرائيل على الاتفاق المطروح لوق


.. عقبات قد تعترض مسار المقترح الذي أعلن عنه بايدن لوقف الحرب ف




.. حملات الدفاع عن ترامب تتزايد بعد إدانته في قضية شراء الصمت