الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مطر القامشلي- مقطع من رواية همسات المدن البعيدة

حسين سليمان- هيوستن

2005 / 10 / 19
الادب والفن


يهبط المطر على مزارع "أصفر نجار". يهبط المطر الأمريكي على "الخط العاشر"، المطر الصاغ الكبير، يهبط على قرية "حلكو". حيث أن سور المزرعة طويل وممتد: "طلع ياهو نظل بالسيارة وهي تمشي شي ربع ساعة وما يخلص سور مزرعة حلكو". السيارة نحو بلدة "عامودة" التي الطريق إليها بفعل الشمس والحرارة كان قد تميع فأمسى محدودبا في الوسط. يطرق الطريق بدنة السيارة والشاسية فتكاد تميل.
مطر وشمس.
لقد تبللنا. نزل في ذلك العام المطر. في ذلك الصيف. كان تموز- ويونيو، وقرية. "الهلالية" الصاعدة نحو السماء اختفت بين البخار والضباب، صارت ندى. ينضح على مدينة القامشلي من الغرب.
يقف المطر. فتهبط عند الصباح نسوة قرية "الهلالية" فوق رؤوسهن قصعات اللبن. يتمايلن بالنزول قبل أن تصعد الشمس ينزلن نحو السوق الذي نصفه من تجار حلب حتى أن "أصفر نجار" راح يفكر بأن يترك ويهرب منهم بزرعه إلى الربع الخالي كي يعمره.
لكن الزراعة غطت المنطقة حتى أن في موقع ال http://virtualearth.msn.com/
فيه نرى من ارتفاع 20 ميلا كيف الأرض المختلفة عامرة، مازالت عامرة.
هي أرض Al Qamishli التي كان اسمها في الأول " القاميش".
لذلك توقف الطريق واستقر تحت قدمي. لقد ارتخى الكابح يا عم، لم تكن صدفة أبدا. وكانوا يمشون أمامي.
نسمع في الطريق إلى بيتنا اللهجات التي أصلها هجرة عذاب.
الكردية والأرمنية والشركسية والمردلية وأنا بينهم: "ورك" وحق الله مافي احلى منك "ياهو" ثم الأغاني الآن: وإزا قالوا مين هو، قولي بن عمتكِ دلالي دلال.
تصيح شابة أسمها "سينما" تنزل وتحمل قصعة لبن فوق رأسها، تصيح ابنتها التي أفلتت من يدها: "كتشي!". ذلك البنت كي تعود.
لماذا تأخذينها معك يا "سينما"؟ فترد: "إنها جلقة وما أقدر عليها ياهو. غير الله أنا قربانه، ما يقدر عليها!"
اللبن. تطرق علينا الباب.
الأم التي تستيقظ، ليست الأم، لكن الأب. أحدهما يرفع صوته: "هذه سينما بالباب أين طاسة "الخاثر" فهناك لبن".
"بكرا بدنا حليب "زي" مو لبن بس".
فتهز رأسها كي تجلب حليبا أيضا. ذلك لأن عندنا ضيوفا جلبهم أبننا معه من البستان.
ثم تظهر الشمس من بين الغيوم التي تفرقت، تسطع من النافذة فيقف عندها الرجل، عمي، الذي جلبتـُه مع أسرته من البستان، عمي المجنون يقف أمام النافذة ويغني: طلعت الشميسة على قرعة عيسى، عيسى بالمدينة عنده حبة وتينة.
ثم ينزل المطر. "تنشر الأرض رائحة فظيعة". تقول أمي، رائحة فظيعة.
تقصدين رائحة زكية؟ يرد أبي.
تأتي سينما مع ابنتها، الذي الله أنا قربانه، هو وحده الذي يقدر عليها. الابنة بين فخذي أمها وهي تمد يدها نحو الأعلى وتصيح: "أنا سوف أحمل طاسة الحليب لهم ياماما". فتزجرها الأم: "ورك يا بنت يا سفيهة ستسفحينه". لكنها تقفز وتمسك بيديها الحليب وتركض نحونا. وتميل.
وجهها الآن وصدرها الآن- والحليب في كل مكان، البنت تخرج من الحليب!
فتعض الأم على أصابع يدها: "ورك آيش قلتو لك- آين تا أودي وجهي الأسود منك".
فتدخل سينما وسط الصالون وتبحث عن ممسحة، يجب تنظيف بقع الحليب. تنحني ثم ترفع رأسها وتعدل شعرها وتضع الخصلات المنفلتة تحت الشال: "لا أريد ثمنه، الله يعرف كم هو خجلي". فنسمع البنت تبكي. تجلس نحو الأرض وترفس، تضرب نحو الجدار بقدميها. "كان يجب أن انتبه نحوه. لم انتبه نحوه. قفزت ومالت الطاسة أكثر من اللازم".
تركض وراء الإوز والبط. لقد سمعت صوت الحظيرة في الخارج. لا أعرف لماذا صارت تركض خلف الدجاج.
متى سمعتِ صوت البط؟
حين صار رأسي يحكي معهم. تصور، لم أنم؟ كانوا يحكون. دخلوا مثل قبيلة. تصيح الديكة في الصباح. فأفهم ما يجري. علي أن أعجل وأسرع كي أنمو. فالحياة كما ترى ناقصة. الرجال والنساء في الحظيرة يثيرون مغصا في بطني. إنني كما ترى أتألم، دوما أتألم، هناك حاجة في بطني يا حسين وعلي أن أعرف ما هي. انحني والتقط أنفاسي المبعثرة فوق، والألم يزداد مثل شيطان لا ينتهي. لكن بالفعل لماذا أركض؟ هل ترى سببا للركض؟
ثم تقول أيضا: أنظر، المسألة هي مسألة دجاج. والمعنى هو عن حظيرة كاملة مسورة بسياج، دجاج وألم في البطن وركض، هل تجد معنى من كل هذا؟
لكنها للحظات وقفت واستردت عافيتها ونظرت نحوي. كأنها تريد أن تقول أريد أن أبيض.
فترفع خصلات شعرها المتساقط وتدفعها تحت الشال. "قلت لك "كتشي" انتبهي فكان يجب أن تنتبهي". فتجلس في أرض الصالون محبطة مكتئبة، تبكي قليلا، بكاء فلسفيا: "أن الله حين خلقها كردية خلق عذابها أيضا معها". من يوم ولادتها لم تر إلا القهر والعذاب. هي الدنيا "هيجذ " تريد أن تقلدنا، تقلد لكنة الفرات ودير الزور: "كلها قحر وعزاب ياهو"؟!
"سوف أعطيك ثمنه يا سينما. لا تهتمي كثيرا. احضري غدا الحليب أيضا". يقول أبي.
أراها الآن من النافذة وابنتها مرة تصبح وراءها ومرة تتقدمها تلف الريح بثوبها الكردي الأحمر.
تأتي الآن "تاج". لقد دهمنا الليل فجأة وأرضنا الخلفية في الحوش حشائشها مرتفعة. جاءت ابنة الآغا وهي تغني.
كان وجهها مثل جبل، حين يصبح الجبل آدميا. الجبل التركي الذي من بعيد يبدو لنا وجه سماء.
ماذا يفعل الناس خلفه؟ يمر القطار عند سفحه يصفر ويبعث الدخان. إلى أين تذهب أيها الحديد؟ يتحرك الحديد وتتحرك في داخلي تاج.
لكنها تركض. دوما تركض.
انت ياهو لما تروح على دير الزور بتقدر تسبح بالفرات؟
فيطوف النهر. هو. شواطئه. النهر الذي بلل الأرض. ينزل من آرارات. كم هو واسع ومتحد مع الأرض. إلى نحو أرض العراق التي أغانيها تذهب بعقلي يا تاج إلى نحو بعيد وعميق. من يغني الآن في رأسي دوامات ونهايات حلم لكنها تريد أن تطفئ النور تعال سوف نلعب "غميضة" عسكرا وحرامية ليس عسكرا وحرامية بل عسكر ومهربون تعال نعبر حدود الطقطاق الذي عمره الأتراك عند حد نصيبين كلما يعبره المهربون نسمع في الليالي صوت انفجارات فتقول زوجة الأغا التي تزورنا كل ليلة وتحكي عن سفر برلك "إنها ألغام تنفجر تحت أقدام المهربين المساكين الذين يريدون أن يأكلوا".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفلسطينيين بيستعملوا المياه خمس مرات ! فيلم حقيقي -إعادة تد


.. تفتح الشباك ترجع 100 سنة لورا?? فيلم قرابين من مشروع رشيد مش




.. 22 فيلم من داخل غزة?? بالفن رشيد مشهراوي وصل الصوت??


.. فيلم كارتون لأطفال غزة معجزة صنعت تحت القصف??




.. فنانة تشكيلية فلسطينية قصفولها المرسم??