الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


(الحب والعشق في الشعر القديم (4-4

صاحب الربيعي

2005 / 10 / 19
الادب والفن


-6-
(عشق الشباب)

لايقتصر العشق على محطة واحدة من محطات العمر لكنه يكون أكثر إشراقاً في محطة الشباب حيث الحيوية والتمرد على التقاليد والأعراف الاجتماعية لإثبات الذات الباحثة عن موقع قدم لها في أرضية المجتمع. مضافاً إليه فيض العواطف والأحاسيس المنفلته عن سيطرة منظومة العقل، فالشباب يعني الجمال والحب والحرية التي لاتؤطرها حدود المجتمع الساعي لفرض أحكامه على مسالك العنفوان والعواطف المنفتلة والخارجة عن إرادة الشباب.
إنها أحلى مراحل العمر، فسلوك وحركة المرء فيها يخضع إلى الفطرية أكثر منها لأحكام المجتمع. فهي مدفوعة غريزياً للإعلان عن الكينونة وتفرض أحكام جيل جديد يسعى لفرض قيمه وتوجهاته على الجيل الذي سبقه!. فالأسير للنزعة الفطرية يسعى للإعلان عن الكينونة الباحثة عن روح أخرى لتعقد معها علاقة عشق لتوحيد طاقات الشباب وفرضها بقوة على الواقع، فتلك العلاقة غالباً ما تكون عنيفة العواطف والأحاسيس لأنها لاتخضع لسيطرة منظومة العقل وأنما لسيطرة منظومة القلب التي تحكمها آليات العاطفة والإحساس للتوحد مع الآخر.
العشق في مرحلة الشباب، يعني تحقيق الذات وتصريف الطاقة الفائضة من العواطف والأحاسيس الكامنة في القلب لتحرير الذات من عنفوانها وصخبها اللذان يوقدان النار في كل أرجاء الجسد ويمتد لهيبها إلى الروح الباحثة عن بحر من العواطف والأحاسيس لإطفاء لهيبها. يصف ((عمر الخيام)) العشق في مرحلة الشباب قائلاً:
"إنما العشق في الشباب جلاء..............لحياة الفتـيان والفتـيات
أيها الغافل البعيد عـن العشق..............تعشق، فالعشق كل الحياة".
لاقيمة لمرحلة الشباب إن لم تتخللها تجارب العشق والهوى، فكما أن النحلة تنتقل من زهرة إلى أخرى لتمتص رحيقها، كذلك الشباب تتقاذفه أمواج العواطف فكل ساعة على موجة وكل يوم في بحر متلاطم الأمواج، مرة يغرق ومرة أخرى ينجو. وهكذا تتقاذفه أمواج العشق لتقذف به عند شواطئ إحدى جزر العشق ومن ثم تقوده إلى ميناء الحب الذي يستقر فيه أبدى!. لكن هناك من تأسره أمواج العواطف، فيبقى أبداً يصارع الموج فيغلبها تارة وتارة أخرى تغلبه حتى تنقذه إحدى المراكب العابرة عبر بحار العشق وتقرر مصير عشقه. يربط ((عمر الخيام)) عشق الشباب بمعنى الحياة قائلاً:
"أول دفتر المعاني الهوى...........وإنـه بيـت قصـيد الشباب
يا جاهلاً معنى الهوى إنما..........معنى الحياة الحب والانجذاب".
قلب الشاب الذي لايمسه داء الهوى تبقى عواطفه وأحاسيسه أسيرة القلب، ومع الزمن تشيخ وتضمر وتفقد مذاق الهوى وطعم الحب وعذابات العشق. فلا يبالي الشباب بقانون العيب الذي يفرضه المجتمع ولا حتى بأحكامه الدينية التي تأسر العواطف والأحاسيس وتضعها بين الجنة والنار في العالم الآخر، فتحجب الحاضر بأحكامها وتغلق منافذ العواطف والأحاسيس وتصادر إحدى أجمل مراحل العمر التي فرضتها أحكام الطبيعة.
يشخص ((عمر الخيام)) تلك الحالة قائلاً:
"دع كل قلب لم يمازحه الهوى..............أحواه دير أم حواه مسجد
وبدفتر العشاق من خط أسمه.................لم يعنه خـلد ونار توقد".
-7-
(عشق حتى العبادة)

حين تسمو العواطف والأحاسيس عن غرائز الجسد لتنهل مكوناتها من الروح تصبح علاقة الحب، علاقة روحية أكثر منها جسدية فتضفي عليها سمة القدسية لأنها عقد لتوحد بين مكونات روحين في روح واحدة تأسر جسدين وتتحكم بهما منظومة عواطف وأحاسيس واحدة تفرض نمطاً محدداً من الحياة عليهما.
علاقة الحب هي أسر لمنظومة الوجدان عبر سحر الجمال الذي يأسر المشاعر والأحاسيس فتصبح عشقاً ليس فقط لمنظومة الجمال ذاته وأنما للكينونة الحاضنة لسمات الجمال وتفاصيله التي لايدركها عشاق الجمال كلهم وإنما المدركين لتفاصيله وصوره الخفية في الذات. حينئذ يصبح الحب، عشقاً وعبادة لمدلولات وصور لايراها غير العاشق لمعشوقه، وتلك الحالة من العشق لايمكن أن يدركها إلا من أبتلى بداء العشق في حياته!.
يصف ((ابن زيدون)) العبادة في الحب قائلاً:
"سلني حياتي أهبها..........فلسـت أمـلك ردك
الدهـر عبـدي لما.........أصبحت في الحب عبدك".
حين تسمو حالة الحب لحالة عبادة الحبيب وعشقه تنهار منظومة التحكم في الذات، فتنطلق المشاعر وفياض الأحاسيس متحديةً قانون العيب في المجتمع وغير مبالية بأحكامه الجائرة التي تأسر العواطف والأحاسيس في تجاويف القلب وتحذر على العاشق إعلانها على الملأ!. حينها لايجد العاشق خياراً أمامه، إما إعلان عشقه على الملأ للتقليل من آثار احتقان العواطف والأحاسيس الناخرة لذاته وإما تحمل آثارها المدمرة للنفس، فتصاب النفس بداء جنون العشق. يعلن ((أبو دهبل)) عن حبه قائلاً:
"فلا خير في حب يخاف وباله..........ولا فـي حبيب لايكون له وصل
ويـا عجباً أنـي أكاتـم حبها..........وقد شاع حتى قطعت دونها السُبل".
حين يطول الفراق بين الحبيب وحبيبه، يفرض العشق أحكامه على القلوب فيصبح ولهاً لينقلب إلى عبادة المعشوق وملتمساً رجاء اللقاء لإطفاء نار العشق ولهيبه الذي يشعل حرائق في منظومة الروح. فتقذف بحممها شعراً يصف جمال المعشوق فتأسر النفس بصور وتفاصيل جمال المعشوق.
يعبر ((بشار بن برد)) عنها قائلاً:
"عبـد أنـي إليك بالأشواق...........لتلاقي وكيف لي بالتلاقي
أنا والله أشتهي سحر عينيك...........وأخشى مصارع العشاق".













التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عمري ما هسيبها??.. تصريح جرئ من الفنان الفلسطيني كامل الباشا


.. مهرجان وهران للفيلم العربي يكرم المخرج الحاصل على الأوسكار ك




.. محمود حميدة يحمل الوهر الذهبي من مهرجان وهران للفيلم العربي


.. تفاصيل أول زيارة لمصر من الفنان العالمي كامل الباشا?? #معكم_




.. خطبة باللغة العربية.. ما الرسائل التي أراد المرشد الإيراني إ