الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحرام

ابراهيم العزب

2015 / 9 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


بسم الله الرحمن الرحيم

الحــــــــــــــــــــــــرام
مع انتهاء خريف هذا العام قد يكون لدينا مجلسا للنواب جاهزا للانعقاد ومباشرة مهامه ، ومع بداية الشتاء القادم ستكون اولى مهام هذا المجلس العسيرة هى مراجعة ومناقشة كافة القوانين التى صدرت عن السلطة التنفيذية قبل تكوينه وخلال مدة دستورية محددة هى خمسة عشر يوما لا غير من تاريخ اول انعقاد له ، ومع تضخم اعداد هذه القوانين تصبح المهمة المنوطة بالمجلس فى عداد المستحيلة وليس فقط العسيرة ، وامام هذا الوضع السريالى الذى يبدو فيه هذا العدد الضخم من القوانين – الا قليلا – مرشحا للسقوط فان هناك خطورة داهمة لا شك تستدعى تحفزا وتدبرا عقلانيين من الجميع ، وامام ذلك فقد بادر البعض بالفعل الى تناول المسألة بالبحث فنظر الي مدى قدرة المجلس على مناقشة هذه القوانين خلال المدة الدستورية المحددة ، واذ ذاك اقر بان حجمها قد خرج بالفعل عن نطاق القدرة والاستطاعة ، وحيث التمس هؤلاء حلولا لهذه المعضلة الدستورية فقد وجدوا ضالتهم فى مجرد توصية للمجلس بأن يقرر ادخال تعديلات ولو طفيفة على كل هذه القوانين ومن ثم ينفتح امامه الميعاد الدستورى لمناقشة هذه التعديلات حتى ينتهى يوما ما الى اعتمادها دون أى بطلان متعلق بالمواعيد ، والحقيقة أن هذا النظر محل نظر وان الامر اكثر خطورة وابعد مدى من ان يعالج بمثل هذا الاحتيال القانونى المغرق فى سذاجته ، ذلك ان براءة تلك القوانين من العوار الدستورى انما تتعلق ببنيتها الذاتية فى لحظة صدورها وليس بمناقشتها فى المجلس والموافقة عليها خلال مدة معينة فقط ، فالدستور القائم فى المادة 156 منه قد قصر سلطة التشريع على مجلس النواب حصريا ، حتى انه كلف رئيس الجمهورية اذا ما حدث ما يوجب الاسراع باتخاذ تدابير لا تحتمل التاخير فى غير ادوار انعقاد المجلس العادية ان يدعوه الى انعقاد طارىء ليمارس سلطته التشريعية حيال الظروف المستجدة التى لا تحتمل الارجاء ، فاذا لم يكن المجلس قائما فقد اسند للرئيس فى هذه الحالة فقط – استثناءا - سلطة اصدار قرارات بقوانين لمواجهة المستجدات المتسارعة بشرط عرضها على المجلس ومناقشتها لديه والموافقة عليها خلال المدة القصيرة المقررة والا زال ما لها من قوة بأثر رجعى ، ولعل هذا الحكم هو تقنين دستورى للمبدأ القضائى الذى كانت المحكمة الدستورية قد قررته واعتمدته فى احكامها المتواترة والمعروف بنظرية الضرورة ومقتضاه انه ينبغى ان يكون القرار الرئاسى بقانون قد صدر فى حدود هذه السلطة الاستثنائية أى استجابة لضرورة لافكاك منها حتى يتمتع بالمعية الدستورية ، ومثال ذلك قوانين الانتخابات أو قوانين الميزانية أوما الى ذلك من حالات الضرورة التى لا تحتمل ارجاءا ، اما اذا افتقد القانون الى هذه الخاصية فان مناقشته باستفاضة فى المجلس والموافقة عليه وان باجماع الاعضاء وخلال المواعيد المقررة لا يطهره من البطلان الدستورى ويظل قانونا غير دستورى على الرغم من ذلك جميعه ، ولعل هذه المدة القصيرة التى حددها الدستور لمناقشة تلك القوانين انما تؤكد هذا النظر اذ قدر المشرع الدستورى ان تلك الحالات الطارئة التى لا تحتمل الارجاء لايمكن ان تتجاوز عدد اصابع اليد الواحدة فى أقصى حالاتها ومن ثم يكون ميسورا مناقشتها باستفاضة خلال تلك المدة القصيرة ، وازاء ذلك المازق الدستورى الذى يبدو انه قد صنع بدقة فقد اندفع البعض ممن ساهم فى صنع المازق الى الافتاء بانه لا حاجة أساسا ومن حيث المبدأ الى عرض هذا الكم من القوانين على المجلس قولا بانها لا تخضع لحكم المادة 156 من الدستور باعتبارها قوانين عادية اصدرتها الحكومة فى غير وجود المجلس اصلا ومن ثم فهى من اختصاص الحكومة وحدها دون حاجة الى مراجعة أو اقرار من المجلس ، والحق انه راى بادى البطلان اذ يجعل من السلطة التنفيذية سلطة تشريعية بالاصالة عن نفسها وليس بالنيابة عن المجلس فى حالات عدم قيامه ، وهو ماينافى كافة المبادىء الدستورية التى عرفها العالم أجمع وينافى صحيح النص الذى يفسره وظاهر لفظه وعبارته وهو رأى يستهدف فقط فيما يبدو عقد قران تلك القوانين دون رغبة فى تطهرها بالعدة أونظر الى ضرورة توثيقها على يد مأذون شرعى وذلك اهتداءا منه بمقولة شيخ الطريقة وامامها ( الورق ورقنا والدفاتر دفاترنا ياعمدة ) ، ولكن ازاء الشك فى ذمة مفتى العمدة ذهب أحد رؤساء الاحزاب السياسية فى بيان له الى مطالبة رئيس المحكمة الدستورية ان يصدار قرارا بتفسير النص يوضح فيه حقيقة المقصود منه ، ولا شك ان لصاحب هذا الطلب عذره لانه رجل سياسة لا قانون وهو تاكيدا يجهل ان لطلب التفسير قواعده واجراءاته الغير متحققة فى حالتنا ومن ثم فطلبه وان كان مجرد طلقة طائشة الا انها كاشفة بالتاكيد عن شك عميق فى صدقية رجال العمدة فضلا عن دلالتها البالغة على عمق المازق الذى نحن بصدده ، واذا فما العمل حيال هذه الازمة الدستورية الطاحنة التى سيكون على المجلس الوليد معالجتها منذ اليوم الاول لولادته ؟ الواقع انه لن يكون امام هذا المجلس سوى واحد من خيارين كلاهما بعيد المرارة ، اولهما هو الموافقة على تلك القوانين بعد مناقشتها ، وثانيهما هو اسقاطها بدون مناقشة ، وبادىء ذى بدء فانه سيكون مشهدا عبثيا ذلك الاستغراق فى مناقشات لا اثر لها فى تصحيح تلك القوانين أو اقالتها من عثرتها الدستورية ، فهى ذاهبة الى حتفها متى طعن عليها رغم أى قدر من المناقشات ستحظى به ، الا ان الموافقة عليها ستكون عسيرة لانها تعنى ان يختان المجلس نفسه اذ سيكون هو الاول فى التاريخ الذى يصدر قانونا وهو يعلم مقدما أنه باطل وغير دستورى ، كما أنه يعنى خيانة واضحة لناخبيه اذ بدلا من أن يكون نائبا عنهم فى التصدى للبطلان اذ به يكبدهم عنت عدم استقرار مراكزهم القانونية التى ستظل مهددة بالزوال فى أى وقت عند الطعن على القانون والغائه ، فضلا عن اهدار اموال وطاقات وأوقات الناس فى السعى وراء الطعون وشغل منصات القضاء بعدد ضخم من الطعون المعلوم مالها سلفا ومن ثم فانه يعنى فى المحصلة النهائية تقنين الحرام الدستورى باضفاء شرعية زائفة على علاقات محرمة ، وهكذا ايضا سيكون القرار باسقاطها قرارا عسيرا ومريرا ولكنه سيكون أخف وطأة فيما نرى ونقدر ، اذ سيكون من شأنه اعادة شرعنة العلاقات القانونية القلقة وتخفيض درجة التوتر الاجتماعى الناتجة عنها ، والتعجيل باستقرار الاوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية المتربصة للحل ، ويمكن ان يتم ذلك خلال فترة زمنية مقبولة وبثمن محتمل فى الغالب ، وذلك باعادة ادخال تلك القوانين الى المجلس فى صورة مشروعات قوانين جديدة بعد اصدار قرارمن المجلس باعتماد اثارها فى الفترة الماضية .
ابــراهيــم الـعــزب
محام بالنقض والدستورية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. متضامنون مع غزة في أمريكا يتصدون لمحاولة الشرطة فض الاعتصام


.. وسط خلافات متصاعدة.. بن غفير وسموتريتش يهاجمان وزير الدفاع ا




.. احتجاجات الطلاب تغلق جامعة للعلوم السياسية بفرنسا


.. الأمن اللبناني يوقف 7 أشخاص بتهمة اختطاف والاعتداء -المروع-




.. طلاب مؤيدون للفلسطينيين ينصبون خياما أمام أكبر جامعة في الم