الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السيسى والسفر عبر الزمن

محمد السعدنى

2015 / 9 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


أصعب مايمكن أن يواجهه الكاتب هو أن تضطره الظروف لمعالجة الأحداث السيارة والأخبار المتداولة بما يجعله كما كتبة المناسبات اللاهثين وراء مايموج به محيطنا السياسى العام، والذى يأتى فى معظمه مكرساً للنميمة السياسية والكلام فارغ المضمون محدود الأثر، إذ للكاتب المفكر وظيفة أخرى تتجاوز ظواهر الأشياء إلى جوهرها، وتفاصيل الأحداث إلى مضامينها، وعليه أن يعالج فيما يكتبه تحولات الفكر والسياسة فى بلاده بما يفصح عما وراء الأحداث قبل تفاصيلها، وأن يقدم قراءة مغايرة لما يمكن أن يأخذه البعض بخفة وسطحية وتسرع، فإذا به يتوقف معهم على محطات توقد الذهن وتؤصل للوعى وتقدم فكراً مستنيراً يحمل إضاءات لايستقيم الضمير الجمعى العام ولا يستريح فى توجهاته دون فهم حقائقها. إن صناعة الرأى العام المستنير والوعى المتحفز لايأتى إلا من خلال معالجات منهجية تؤسس على العلم والمعرفة والدرس والتحليل واستخلاص النتائج فى رؤية نقدية تؤصل لمسارات الوطن وتناقش سياساته وتقدم للناس تحليل مضمون للخطاب العام، ولايمنع أن تكون الرؤية فى منطلقاتها مختلفة، بل أتصور أن هذا هو الفيصل والفارق فيما يقدمه العالم والمفكر عن غيره، إذ عليه أن يلمس قلب الأشياء، على غرار إسم ديوان ملك عبد العزيز " أن ألمس قلب الأشياء".
لما تقدم أراه عبئاً نفسياً وذهنياً يقع على عاتقى كلما سألتنا الرأى وكالات الأنباء أو المواقع والبوابات الإلكترونية النشطة فى بلادنا عن جدول زيارة الرئيس إلى روسيا أو سنغافورة والصين وإندونيسيا، أو فيما صرح به الفريق حمدى وهيبة بلا مسئولية أو حصافة عن السيسى، وخفة كلماته وضعف فهمه للرجل والظرف العام الذى تعيشه مصر والمنطقة.
ورغم أننى أكره وأرفض أن أكون من كتاب المناسبات، أو دراويش الزفة وأبواق البروباجاندا، فليس هناك مايستدعى رجل مثلى أن ينافق أحداً أو يتخذ كتاباته مطية لتملق أحد، فقد علمتنى مهنتى كأستاذ جامعى للعلوم والتكنولوجيا أن دور العالم أكبر وأهم ممايمكن إستهلاكه واستخدامه بما يسئ لما يمثله من قيمة ومايقدمه من فكر. بصراحة أكره ان أصنف أو أسمح للظروف والأحداث أن تقودنى لخندق يصح أن يرى فيه الآخرون مجاملة لأحد أو تقرباً إليه، حتى لو كان رئيس الجمهورية الذى صنعناه على أعيننا وقدمناه للوطن بما يليق به فيما تقتضيه الظروف وما تستوجبه التحديات، أقصد الوطن أكثر مما أقصد الرئيس.
كانت هذه مقدمة لابد منها، لعلها تهيؤ لى ولأفكارى خلفية ينبغى أن يعرفها الجميع، وتتيح لى قدراً من الحرية فى التحليل والدعم والنقد أحياناً أخرى، وهو لم تخل منه مقالاتى التى حافظت دائماً على توازن الرؤية والفكرة والمعالجة فيها. ولأن همنا العام يتوجه إلى مصلحة الوطن ويتغيا تثبيت أركان دولتنا ودعمها فيما يواجهها من تحديات خارجية وداخلية، فقد سمحت لنفسى مرات عديدة أن أكتب عن عبد الفتاح السيسى ورؤيته الاستراتيجية النابهة وتحركاته الدولية المدروسة، ومسارات سياساته التى فتحت لنا آفاقاً دولية مرموقة ومشروعاته النهضوية التى رأيت من خلالها أنه يأتى ضمن الآباء المؤسسين، لتجديد مشروعى النهضة الأول مع محمد على والثانى مع جمال عبدالناصر. وكلامنا ليس مجاملة فقد قدمت مسوغات علمية وأكاديمية لرؤيته الاستراتيجية التى أراها واحدة من مدارس إستراتيجيات المبادرة غير القادر عليها إلا أولى العزم من أصحاب القضايا الكبرى والطموح الذى يدعمه الفكر والتخطيط والإنضباط والعمل، وقد وصلت فى مقالاتى إلى قناعة أن السيسى يمثل للوطن ضمانة استقرار، ورصيد وطنى فى لحظة أزمة تساندت عليه مصر وراهنت على قدرته للعبور بالوطن من دوائر الحصار إلى رحابة التحقق والإنتصار. ولعلنا توصلنا معاً فى مقالات سابقة أنه مع قواتنا المسلحة والأجهزة الاستراتيجية فى الدولة يمثلون عقلاً استراتيجياً يعد استنساخه ضرورة وطنية تحتمها ظروفنا الملحة، وتحدياتنا القائمة، وضعف أداء حكومتنا ومفارقة بعض وزراءه ومستشاريه منطق العلم وكفاءة الإدارة والممارسة، وبعدهم عن مدارات ومفاهيم التقدم والنهضة فى الدول المتقدمة، ومن هنا طالبته بالتعجل فى تغيير الحكومة وعدم الاستسلام لمقولة أن مصر جرفت من الكفاءات والكوادر، بل طالبته أن يبدع طرقاً جديدة فى اختيار معاونيه ووزراءه ومتنفذيه حتى نضمن ألا يجيئوا من نفس المعين الذى تختار منه الأجهزة، فيأتوا على شاكلة معظم وزرائنا ومحافظينا. وكان هذا صدقاً مع النفس، وقبله خوفاً على، وحماية لتجربته الناهضة التى على كل الوطنيين حمايتها والإنطلاق بها معه إلى الآفاق المرجوة لتخرج مصر من مرحلة الكفاف إلى مجتمع الكفاية والعدل والتقدم. وإذا صح ماقاله الفريق حمدى وهيبة عما كتبه المفكر الكبير الدكتور مصطفى الفقى بأن السيسى يعتمد فى تحركاته الدولية على مشورة ورؤية المخابرات العامة أكثر مما يعتمد على وزارة الخارجية، فأرجوه أن يعتمد على المخابرات أيضاً فى اختيار الحكومة القادمة والمحافظين، مادامت رؤية المخابرات قد تم تجريب نجاحها خارجياً، فلعلنا نعيد الكرة داخلياً، ذلك رغم علمى أنه ليس عمل المخابرات العامة اختيارات المسئولين بقدر كونهم جهاز معلومات وأمن قومى، وفى تقديرى أن مشكلات الداخل المصرى شأن يعنى الأمن القومى كما تعنيه تحركاتنا الدولية الناجحة، التى استعادت لمصر بريقها ودورها وتأثيرها فى محيطها الأقليمى ودوائر السياسة العالمية فى ظرف نرى أن نظاماً عالمياً جديداً تتشكل ملامحه، ولايمكن أن يكون لمصر دور محورى فاعل فيه دون معالجة مشكلات الداخل بمثل ماعولجت به قضايا الخارج، وبذات العقل الاستراتيجى المؤسسى الفاعل والمنجز والطموح.
وفى تقديرى، فإن عبد الفتاح السيسى لم يذهب لروسيا للتعاون الإقتصادى والسلاح والمحطات النووية ومحاربة الإرهاب، ولا ذهب لسنغافورة لتحلية المياه، ولا للصين من أجل القطار الكهربائى والاستثمار ورفع كفاءة شبكة الكهرباء فى محطة عتاقة ولا طريق الحرير وغيرها فقط، وإنما تحرك بالأساس فى إطار رؤية استراتيجية تنقل خبرات الآخرين لنبدأ من حيث انتهوا وليس من أول السطر كما اعتدنا ان نفعل، ومن أجل شراكات استراتيجية مع الشرق المتقدم، وضمان أن تاتى معالم وخرائط النظام العالمى الجديد بما يحقق المصالح العربية ويحافظ على تماسك دولها، وبما يضمن لمصر دوراً إقليمياً فاعلاً يدفع بمشروعنا للتقدم والنهضة إلى صدارة المشهد، ويفتح روافداً جديدة للقوة المصرية مع منظمة الـ PRICS ومجموعة شنغهاى، على غرار مافعله عبدالناصر مع جواهر لال نهرو وجوزيف بروز تيتو فى مؤتمر باندونج وتأسيسه لحركة عدم الانحياز والمؤتمر الأفروأسيوى، ما مهد لمصر دوراً نهضوياً فاعلاً، ولعل السيسى تعلم من أخطاء سابقيه. وفى تقديرى أن السيسى لم يسافر إلى روسيا والصين وسنغافورة، إنما سافر إلى المستقبل، ولم يسافر بالطائرة، فقد سافر عبر الزمن، الذى أثبت العلم الحديث إمكانه وبرهن عليه بالتجربة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجيش الإسرائيلي يواصل عملياته في جباليا ورفح بينما ينسحب من


.. نتنياهو: القضاء على حماس ضروري لصعود حكم فلسطيني بديل




.. الفلسطينيون يحيون ذكرى النكبة بمسيرات حاشدة في المدن الفلسطي


.. شبكات | بالفيديو.. تكتيكات القسام الجديدة في العمليات المركب




.. شبكات | جزائري يحتجز جاره لـ 28 عاما في زريبة أغنام ويثير صد