الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاستغناء والانعتاق من العبودية

نوال السعداوي
(Nawal El Saadawi)

2015 / 9 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


تستحق الحملة الشعبية «بلاها لحمة» التأييد والتدعيم من الجميع، وقد نجحت فى ضرب سوق اللحوم والجزارين، بنسبة 40٪ فى بعض المحافظات، إنها

الوسيلة الناجزة الحاسمة لأن يحكم الشعب نفسه بنفسه، أو يحقق ما يسمونه الديمقراطية، أو الشعار العريق: الحق فوق القوة والشعب فوق الحكومة.


إن عجز حكوماتنا عن تطبيق الدستور والقانون معهود فى كل العهود، وتظل الدساتير والقوانين حبرا على ورق مالم تصاحبها قوة شعبية تحولها الى واقع، منذ سبعة أعوام صدر قانون منع ختان الإناث فى مصر، ولم تنخفض ممارسته بل زادت عما كانت، وأكدت البيانات العالمية والمحلية الشهر الماضى، أن مصر هى الأخيرة بين الدول، تتقدم عليها إثيوبيا ونيجيريا والصومال، وأن هناك تطورا الى الأسوأ، فى الأحياء الفقيرة بالقاهرة والأقاليم، فقد انتشر الأكشاك لعمليات الختان، وقوافل وحدات متنقلة تحمل الأطباء بمشارطهم ومصاحفهم وفتاويهم، وأغلب من يخرقون القانون هم الأطباء، من ذوى التقوى والمسابح والأموال، وليس من الممرضات الفقيرات والدايات المقهورات.



فى خمسينيات القرن الماضى، لم ندرس بكلية الطب أضرار ختان الإناث أو الذكور، بل انتشرت المعلومات عن أنه طهارة وتقوى ويحمى من أمراض عديدة، لكنى بالبحث المستمر ومتابعة التطور الطبى فى العالم، أدركت خطأ هذه المعلومات، وبدأت فى الستينيات والسبعينيات، أكشف عن خطورة هذه العمليات ، وطرحت الموضوع بنقابة الأطباء ووزارة الصحة، وفى مقالاتى وكتبى المنشورة، وفى مجلة الصحة التى أنشأتها مع مجموعة من زملائى الشباب، إلا أن الحكومة المصرية بكل دعائمها فى وزارة الصحة ونقابة الأطباء والمؤسسات الدينية والإعلامية، تكاتفوا جميعا لضرب هذه الأفكار العلمية الجديدة، وتم مصادرة كتبى وإغلاق مجلة الصحة وعزلى من منصبى، وإسقاطى فى انتخابات نقابة الأطباء بعد نجاحى بأغلبية الأصوات الشابة الجديدة، بالإضافة الى تشويه سمعتى فى كل مكان، أشاع الأطباء أننى ناقصة العقل، وأشاع رجال الدين أننى ناقصة الدين، وأشاع رجال السياسة أننى ناقصة الوطنية والهوية والخصوصية الثقافية .



ثم انتشرت المعلومات الطبية الصحيحة فى أوائل القرن الحادى والعشرين، واضطرت الحكومة المصرية لإصدار القانون بمنع الختان، وتم تكريم زوجة رئيس الدولة محليا وعالميا، وحظى المحيطون بها بلقب رواد ورائدات منع الختان فى مصر، وكنت أنا بالمنفى خارج الوطن تطاردنى قضايا الحسبة والألسنة كالأحصنة.



واليوم نحن فى حاجة الى حملة شعبية ترفع شعار «بلاها ختان» على غرار «بلاها لحوم» من أجل مقاطعة «سوق الختان» التى يتربح منها الأطباء كالجزارين فى السوق، كما نريد حملة شعبية شعارها «بلاها أحزاب دينية» تقاطع مرشحى الأحزاب الدينية فى الانتخابات وتسقطهم، بدلا من اللهاث اللامجدى وراء الحكومة لإصدار قانون جديد يدعم الدستور الجديد الذى يمنع تكوين أحزاب دينية، وعندنا مثل شعبى يسخر من الاستعانة بعبد المعين الذى يحتاج للعون: الاستعانة بالدستور على القانون؟ أم الاستعانة بالقانون على الدستور؟ والقانون والدستور والدولة والحكومة جميعهم، لا يستطيعون تنفيذ أعلى القرارت، ما لم توجد قوة شعبية منظمة واعية بفائدة هذا القرار للشعب بجميع فئاته نساء ورجالا وأطفالا، وليس فقط للشريحة العليا من رجال الأعمال وأصحاب النفوذ، وهل فى التاريخ البشرى حكومة خدمت شعبها الذى لا يخدم نفسه؟ وهل تستطيع معونات العالم، شرقا وغربا، معاونة شعب لا يعين نفسه؟



ونريد حملة شعبية ترفع شعار «بلاها انتخابات بالفلوس» فتقاطع أى مرشح يشترى أى صوت، وحملة ترفع شعار «بلاها فساد وإرهاب» تكشف الفاسدين والمرتشين والإرهابيين فى أى مكان داخل الحكومة وخارجها بالخلايا النائمة والصاحية، ويمكننا هزيمة إسرائيل وأمريكا أيضا دون حاجة لقنبلة نووية، يكفينا حملة شعبية واعية تعلن: بلاها جميع البضائع الأمريكية والإسرائيلية، بما فيها البيرة واللبان ومعجون الأسنان، فتضرب السوق المحلية والعالمية كما ضربت سوق اللحوم.



إن الحل فى يد الحملة الشعبية وليس فى يد المتنافسين والمتنافسات على الانتخابات، والمتقاتلين والمتقاتلات على مقاعد الحكم والأحزاب، واللاهثين بالرجوات والاستعطافات لرئيس الدولة ورئيس الحكومة والوزراء.



كان يمكننا التغلب على الاستعمار وبطش الحكومات منذ الملك مينا، لو أن الشعب المصرى بلغ من الوعى ما يؤهله لتنظيم حملات شعبية لمقاطعة ما يمكن الاستغناء عنه.



وتقوم آرباح السوق الرأسمالية (الشرسة وغير الشرسة) على كماليات تحولت بالخداع الى ضرورات، كمساحيق التجميل وأدوات الزينة والخمور والمخدرات وأفلام الجنس والجريمة والتجارة بالأسلحة والتجسس وأجساد النساء وتكنولوجيا الإعلام الخادع، يمكننا الاستغناء عن أشياء غير ضرورية كاللحوم والماكياج والانتخابات، تعيش أغلب النساء دون ماكياج، ويعيش أغلب الشعب المصرى على الفول وبه البروتين الأفضل من اللحم، ونصف سكان العالم من النساء والشباب الثائر يقاطعون اللحوم (نباتيون) وعاشت أغلب الشعوب الآسيوية على الأرز، وعاش الفلاحون المصريون على الخبز المقدد ومخلل الليمون آلاف السنين، وكان العالم أكثر إنسانية وديمقراطية قبل اكتشاف الانتخابات والسوق الحرة والقنبلة الذرية، تكمن الحرية فى الاستغناء، ولا يضعف فى السجن إلا سجناء التدخين وأكل اللحوم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - بأسم الدين
انتصار الأنصاري ( 2015 / 9 / 2 - 08:38 )
بأسم الدين سرقونا الحراميه هذا مايردده الشباب الثائر في ساحة التحرير في بغداد لكن بدلا من ان يخجل الحراميه المعممين والملتحين على انفسهم ويستقيلوا أو على الاقل يتجهون نحو الاصلاحات
ليعيدوا ماسرقوه اتجهوا نحو مكه لبسوا لباسهم الابيض ليلتقطوا الصور ويبعثوها الى الشباب الثائر كرساله تقول لهم لكم الله اما نحن فليس لدينا الوقت الكافي في تلبية مطالبكم لاننا مشغولون
بمناسك الحج
!!!!!!!!!!!


2 - تذوق طعم الحرية والأنعتاق من العبودية هو اجمل شعور
فؤاده العراقيه ( 2015 / 9 / 3 - 12:56 )

لا توجد حكومة في التاريخ تكمح وتريد خدمة شعب يستلذ بعبوديته ,كما لا يوجد رجل يتخلى عن الحقوق التي مُنحت له ما لم تنتفض وتنهض المرأة وتطالب بحقها في الحياة والمساواة الكاملة هذا ما تعلمناه منكِ و من الحياة’’
هذه الحملات التي اشرتِ لها في المقال هي اقوى من القنابل النووية حيث تختصر لنا الزمن والجهد وتضرب اسرائيل وامريكا وتكفي الشعوب وتجعلها مستقلة
ستبقى سمعتكِ صافية ونقية كنقاء وصفاء روحكِ وستبقين شعلة تنير لنا الدرب رغم انف الأطباء ورجال الدين ورجال السياسة الفاسدين
الف تحية وتقدير لنضالك ونحن متابعين لكِ دوما ونحن هنا ننتظر قراءة كتاباتكِ ورؤية لقائاتكِ وسماع ندواتكِ وكذك متابعة ملتقى نوال السعداوي

اخر الافلام

.. السودان الآن مع صلاح شرارة:


.. السودان الآن مع صلاح شرارة: جهود أفريقية لجمع البرهان وحميدت




.. اليمن.. عارضة أزياء في السجن بسبب الحجاب! • فرانس 24


.. سيناريوهات للحرب العالمية الثالثة فات الأوان على وقفها.. فأي




.. ارتفاع عدد ضحايا استهدف منزل في بيت لاهيا إلى 15 قتيلا| #الظ