الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مشروع قانون للمصالحة ام للقمع في تونس ؟

هيثم بن محمد شطورو

2015 / 9 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


الى غاية اليوم الفاتح من سبتمبر، كان بالإمكان التواصل في اطار الجدل حول قانون المصالحة مع ناهبي تونس من رجال الاعمال و كبار الموظفين في الدولة التونسية. فاليوم تمت عملية قمع بوليسية لوقفة احتجاجية ضد مشروع قانون المصالحة الرئاسي المزمع عرضه على مجلس النواب، و الذي دعت الجبهة الشعبية الى التحرك ضده لمنع وصوله الى المجلس الذي تسيطر عليه حركة نداء تونس و حركة النهضة المتحمستين لتمرير المشروع. هذا المشروع الذي يتلخص عند الرأي العام الرافض له، و هو الذي يعبر عن الطبقة الوسطى و المفقرين، في الشعار الذي رفع اليوم في احتجاج جماهيري في شارع الحبيب بورقيبة بتونس العاصمة ضد قانون المصالحة و الذي يقول:
راس المال يطلع السياسي و السياسي يحمي راس المال و الاثنين جبناء.
و قد وصف الامين العام المساعد للاتحاد العام التونسي للشغل السيد "سامي الطاهري"، المشهد اليوم بكونه :"وصمة عار في سجل الديمقراطية في تونس. شباب يتـظاهر سلميا من اجل موقف جوبه بالعصي و بأمن متخفي في الزي المدني".
و ان الحس العام كان منذ بزوغ المشروع الرئاسي لقانون المصالحة قد استـنـفر ضده لعدة أسباب ربما اولها الشكل الحكومي الذي جاء في اطاره و هو ما يعيد الى الاذهان الصورة الدكتاتورية. فبرغم ان الدستور و الصلاحيات الجديدة في النظام السياسي الجديد تركز السلطة التـنـفيذية بين يدي رئيس الحكومة، إلا ان مشروع قانون المصالحة تم بين يدي رئيس الجمهورية الذي اجتمع بالحكومة و رئيسها ليتم الاتـفاق او المباشرة في المضي في اتجاه اقرار المشروع الرئاسي. فترؤس رئيس الجمهورية للحكومة عوض رئيس الحكومة هو مشهد نوفمبري خالص. فنحن هنا امام سلطة تـنـفيذية يسطرها رئيس الجمهورية.
و يقدم مشروع قانون المصالحة نفسه في كونه يهدف الى استرجاع اموال الدولة المنهوبة لتحريك الدورة الاقتصادية ومجابهة المشاكل الجوهرية للبلاد. إلا انه يحيل الى الحكومة من خلال اللجنة المزمع انشاؤها الحلول محل السلطة القضائية، حيث ان اعمال اللجنة توقف جريان القضايا المتعلقة بالفساد المالي على انظار السلط القضائية، كما ان قرارات اللجنة باتة و نهائية و هي ما تقطع الطريق نهائيا امام أي شكل من اشكال الطعن فيها لدى أي درجة من المحاكم. و نستـقي هذه القرة من مشروع القانون المذكور:
يتوقـف نظر الهيئات القضائية في النزاعات المنشورة أمامها مع اتخاذ الإجراءات والتـدابير اللازمة لضمان عدم الإفلات من العقاب طيلة فترة تـنفيذ الصلح
ويعتبر القرار التحكيمي نهائيا غير قابل لأي وجه من أوجه الطعن أو الإبطال أو دعوى تجاوز السلطة.
ويترتب عن تـنـفيذ بنود المصالحة انـقراض الدعوى العمومية أو إيقاف المحاكمة أو إيقاف تـنـفيذ العقوبة.
و من جهة اخرى فان اعمال اللجنة تـفـتك صلاحية منوطة الى هيئة دستورية مختصة بالعدالة الانـتـقالية هي "هيئة الحقيقة و الكرامة" التي بعثـت لأجل المحاسبة و المكاشفة للانـتهاكات التي تعرض لها الشعب في امواله و حقوقه في الفترة الاستبدادية.
و معلوم ان الرأي العام له حساسية من كلمة لجنة، فهي ليست ذات دلالة على ايجاد الحلول بل على طمس القضايا. فالسلطة السياسية الجديدة لم تـقدم خطابا سياسيا و انجازات سياسية تـشيع مناخ الثـقة في السلطة. و بالتالي فان ما سيحدث ينظر اليه في كونه لن يبتعد عن تحويل المصالحة التي من المفـترض ان تـقـتـرن بالمكاشفة و المحاسبة و الاعتـذار للشعب، الى مسح الصفة الجنائية عن نهب الاموال العامة و عن اختراق القوانين، و بالتالي الرجوع القهقري الى انـتهاك القانون باسم القانون، مع عـدم تـلمس الرأي العام الى الان أي مشهد بارز لتطبـيق القانون على الاقوياء و محاسبتهم، سواء من رجالات النظام النوفمبري او من الترويكا النهضوية او حتى من الارهابـيـيـن اللذين تم ايقافهم في السجون و اطلاق سراح بعضهم، و هم من الناحية القانونية يعتبرون ابرياء ما ان لم تـتم ادانـتهم قضائيا، لكن الرأي العام لم يسحب التهم عنهم و هو غارق في لخبطة الاعتبارات و اتهام الجميع. انها فوضى الدلالات الناقصة، و انها تضخم الاحساس بالتـنافر الاجتماعي، و تضخم الاحساس بعودة السلطة القامعة التي يلاحظ الجميع سيرها الحثيث نحو دعم اصحاب الاموال على حساب الطبقة الوسطى و الفقيرة.
ففي الوقت الذي دعمت فيه الحكومة اصحاب النزل لخسارتهم الفادحة في المجال السياحي نتيجة العمليتين الارهابيتين في باردو و سوسة، فانه بعد اربع سنوات من الثورة لم نلمح أي اجراء فعلي نحو دعم حقيقي و كافي و شامل للفلاحة برغم الامكانات الزراعية الهائلة في تونس.
و معلوم ان السلطة الحالية لم تضع امامها إلا الاستـثمار الخاص كترياق نجاة، بينما تـتجه المعارضة الى نقدها من هذه الزاوية أساسا، فبحيث ان المناطق المهمشة التي انطلقت منها الثورة لا يمكن ان يستـثمر فيها الخواص لأنها مهمشة بالكامل، و بالتالي فهي تـتطلب استـثمار الدولة المباشر لإحداث حركية اقـتصادية و التي تجذب بدورها فيما بعد الاستـثمار الخاص. لكن مقولة استـثمار الدولة يعتبرونها اشتراكية و هناك موقـف ايديولوجي من الاشتراكية و رفض أي شكل من اشكالها تحت دعوى رفض الإيديولوجيات و هو بدوره موقف ايديولوجي ليـبرالوي من الايديولوجية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الهولندية تعتدي على نساء ورجال أثناء دعمهم غزة في لاه


.. بسبب سقوط شظايا على المبنى.. جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني ت




.. وزارة الصحة في غزة: ما تبقى من مستشفيات ومحطات أوكسجين سيتوق


.. مسلمو بريطانيا.. هل يؤثرون على الانتخابات العامة في البلاد؟




.. رئيس وزراء فرنسا: أقصى اليمين على أبواب السلطة ولم يحدث في د