الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سياستنا مريضة في حاجة إلى -طبيب الحضارة-.

الاعرج بوجمعة

2015 / 9 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


يظل التاريخ بدون روح، بدون معنى، ما لم يلامس واقع الشعوب، فلأفراد هم من يكتبون هذا التاريخ، فالعدائية (اهبطوا بعضكم لبعض عدو) والعبثية والفساد مفاهيم سابقة في التاريخ، بينما الحضارة ولدت متأخرة، بسبب وعي الشعوب وتحضرها (كما في الغرب)، وحال واقعنا لا يخلوا من فساد وعبثية لذا فنحن في حاجة إلى لحظة تاريخية لبناء واقع سياسي نزيه، وإعادة المعنى للمثقف بعدما تم شراؤه من طرف النظام، فتصحيح ما كان معوجا في تاريخنا السياسي والهروب من "الانحطاط" و"الفساد السياسي والأخلاقي.. راهنّ فيه على تجارب متعددة منذ حكومة التناوب على "الماركسي" بعدما قدم تاريخه للمخزن من أجل منصب زائل، لكن رغم ذلك ظلت سياستنا مريضة إلى أن جاء "المصلح النبي" مستغلا الحراك الشعبي، وسذاجة الشعب المغربي، واستغلال الدين.. لكن كل هذه التجارب وغيرها تصور رؤى معينة لمرجعيات مختلفة كل منها ترى الحقيقة من زاويتها، لكن السؤال يظل مطروحا هو كيف نربط عقد صلح مع التاريخ؟ وكيف نعالج سقم السياسة؟ هل بما قال به محمد عبده "أعوذ بالله من السياسية، ومن لفظ السياسة، ... ومن كل شخص يتكلم أو يتعلم أو يعقل السياسة..." أم بالبحث عن طبيب يعالج مكامن الخلل.
الجواب عن هذه الأسئلة نستشفه مما قدمه نتيشه باعتباره أقرب "أطباء" زمانه لنا، لن نعوّل على أخلاق أفلاطون وأرسطو في السياسة، ولا توفيق ابن رشد بين المدنية والدين، وإنما سنعوّل على أفكار نيتشه من خلال الوقوف على الحلول التي قدمها للحضارة. فميزة نيتشه تتجلى في كونه انتقد كل الآليات السابقة من (شك، ونقد..) ليصرح مباشرة بهدم الحضارة للبناء من جديد، لأن هذه الحضارة في نظره "مريضة" وفي حاجة إلى "طبيب الحضارة" قاصدا الشخص الذي يرى جمال الأشياء في ذاتها، شخص يمتلك معول لتهديم كل التجارب السياسية السابقة، بعدما استفاد منها، شخص يواجه حتى من علمُّوه (شوبنهاور وفاجنر)، ويواجه السلطة الحاكمة (القصر)، بتقديمه الحلول والأدلة التي تبين بأن زمن الفساد قد ولى. فطبيب الحضارة سياسي أقسم بقسم أبوقراط ليس من أجل الطب وإنما من أجل سياسة نزيهة، سياسة تخدم الأخر بغض النظر عن دينه أو لونه أو جنسه.. طبيب الحضارة (السياسي) يجب أن يرى في نفسه "زرادشت" الذي سيخلص الإنسانية من الشرور والفساد المنتشر في الأرض. فعملية المراجعة والتقويم هذه ليست سوى مرحلة للبناء من جديد، وإعادة تربية "الإنسان الأرقى" باعتباره إنسانا متحررا من كل عبودية، منتقدا لكل أشكال الحكم في التاريخ، هو الإنسان الذي يتحكم في أهوائه ورغباته، إنسان لا يمكن شراء مواقفه وصوته الانتخابي.
فسياستنا اليوم في حاجة إلى "مثقف عضوي" إلى جانب " طبيب الحضارة"، مثقف لا يمكن للسلطة السياسية أن تساومه، فهو من يحمي السياسة من الفساد، أو بلغة "بورديو" هو من تأتي الفضيحة على يده. فالمثقف هو من ينهض بالسياسة والثقافة من خلال دعواته المتكررة لإنتاج أفكار جديدة تجيب على إشكالات المواطن البسيط. كما يجيب على المثقف أن يقوم بأدوار طلائعية تتمثل في فضح تواطئ الأحزاب مع القصر، أي يمارس الرقابة إن لم يكن باستطاعته ممارسة السياسة داخل مؤسسات الدولة. فلا ننكر بأن سياستنا تنهل من مرجعية "قبلية" تؤمن بأحقية القبيلة الواحدة والحزب الواحد والمرجعية الواحدة. فمفهوم الانتخاب بناءا على الحنكة السياسية لم نصله بعد، لازلنا نقدم مرشحين دون المستوى "سياسيا" فلا وجود للعاطفة في النقد، قلتها في سطاتو سابق بأن سبب تراجع سياستنا هو غياب الرجل المناسب في المكان المناسب، فماذا تنتظر من رجل سياسي فاسد سوى إنتاج الفساد سواء في المؤسسات أو إنتاج قادة من داخل الحزب كلها فاسدة تفكر في مصالحها الشخصية فقط، دون مراعاة المصلحة العامة.
ختاما، يمكن القول بعد "التحول "الديمقراطي" الذي عرفه المغرب، نحن في حاجة إلى "طبيب الحضارة" الذي سيعمل على تشريح الجسد السياسي المغربي، وتشخيصه للبحث عن علاج له في الثقافة والتربية والوعي.. كما نشير كذلك أن المغرب لن يتقدم ما لم يراجع شروط الانتخاب، بحيث يكون هناك شرط يؤكد على الحنكة السياسة والشهادة التي تؤهل رجل السياسة لكي يكون سياسي بالمعنى الحقيقي للكلمة، وفي غياب من هو أصلح لممارسة السياسة فيجب على المواطن المغربي أن يمارس حق المقاطعة في الانتخابات، فهي حق مشروع، آنذاك سيفكر النظام الفاسد وأجهزته في الحلول للمشكل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السودان الآن مع عماد حسن.. دعم صريح للجيش ومساندة خفية للدعم


.. رياض منصور: تغمرنا السعادة بمظاهرات الجامعات الأمريكية.. ماذ




.. استمرار موجة الاحتجاجات الطلابية المؤيدة لفلسطين في الجامعات


.. هدنة غزة.. ما هو مقترح إسرائيل الذي أشاد به بلينكن؟




.. مراسل الجزيرة: استشهاد طفلين بقصف إسرائيلي على مخيم الشابورة