الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عار على سوريا ان تنتظر التقرير

سلطان الرفاعي

2005 / 10 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


تقول الفلسفة الآرامية القديمة: العالم الصغير يشبه العالم الكبير ( الإنسان يشبه الكون، ويكمن الكل داخل نفسه). وعندما ننجز أي عمل، فان أصداءه تصل إلى ابعد زاوية من الكون، الذي يعيد إلينا مكافئ ما تلقاه منا وهكذا، تتخذ العبارة (( من يعمل عملا، يلق جزاءه )) بعدا كونيا غير مشكوك فيه.

يقول ابن العبري الفيلسوف السرياني الكبير: (الفكرة) يمكن أن تصل إلى كافة زوايا الكون) والخالق لا يزعج نفسه بمعاقبتنا على آثامنا --- بل نحن الذين نعاقب أنفسنا على انتهاك شرائعه وهكذا، فان الأخلاقية الحقيقية والعدالة الحقيقية تقعان خارج نطاق معرفة الجنس البشري، ولا أنهما تعتمدان على مجموعات القوانين التي يشرعها ومن الثابت، في مستوى الطبيعة، أن الشخص المذنب سيلقى عقابه في النهاية، وأن الشخص المستقيم والبريء سيكافأ في النهاية.
وبما إن عدالة الإنسان لا يمكن إن ترقى إلى مستوى العدالة الإلهية، ويسهل عليه إنكار وجودها، وما يحدث في الواقع، هو إن العقاب الكوني يتخطى عادة إدراكنا البشري، إلى حد انه إذا استطعنا إن ندركه، فانه يمكن إن نخلط بينه وبين المكافأة. وهو، علاوة على ذلك، خاص تماما، ويؤثر حصرا في العالم الخاص للمذنب وعليه.
جميع المسئولين السوريين تناولوا طعام الإفطار مع الوزير المنتحر قبل يوم، بعضهم لاحظ انه مكتئب، وبعضهم لاحظ انه فرح، وبعضهم لاحظ انه أقوى من إن ينتحر، وبعضهم لاحظ انه كان في طريقه إلى الانتحار. وتبارى الجميع في إطلاق الأحكام المختلفة، وليتهم صمتوا جميعا، فالحدث اكبر من كل التصريحات، وزير داخلية دولة على رأس عمله ينتحر!

لم يقل احد أن هناك خطأ ما جعله ينتحر، لم يقل احد إن من يزرع الريح يحصد العاصفة.

الغموض يلف السياسة السورية، وكذلك الاقتصاد، والزراعة والصناعة، كل مرفق من مرافق الحياة السورية يلفه الغموض ، وكثرة التأويلات ، والتصريحات المتضاربة، الأكاذيب ، والقصص الملفقة.

الشارع السوري، وبسبب غموض السياسة وكذبها المستمر ونفاقها، تأخذه إشاعة، وتعيده إشاعة، وتلقي به إشاعة. يصدق كل ما يسمع، ويسمع كل ما لا يصدق، وهو معذور، فلم يتعود الصدق أبدا من ساسته. أصبح متأكدا، إن كل ما يقوله ساسته، ليس أكثر من مجموعة أكاذيب، لا تلبث إن تتضح بعد حين، وهكذا بنى كل قناعا ته وآراءه على ما تقوله الجزيرة والعربية وغيرها من الفضائيات.

من يسمع خطاب المعارضة اليوم، أو يتابع احد البرامج التي يشترك فيها احد المعارضين، يقول في نفسه: غدا ستسقط الحكومة، لا بل الليلة، ولن يطلع الصبح عليها. ومن يسمع ردود الحكومة، أو من يمثلها في أي برنامج تلفزيوني، يقول: انه خطاب الثمانينات، خطاب القمع والاستبداد وخنق الحريات، خطب التهديد والوعيد.

إنها قصة الراعي الكاذب، الذي كان يصرخ دائما: لقد أتى الذئب، وعندما أتى الذئب لم يعد يصدقه احد، ولم يحضر احد لنجدته، فهو كاذب، لم يتعلم إلا الصراخ عند الصمت، والصمت عند صراخ ميلتس.

امن المعقول إن دولة عظيمة ذات رسالة خالدة، يتعلق مصيرها بتقرير قاض أجنبي، عار على سوريا، عار على شعب سوريا، إن تصل إلى هذا الدرك من الانحطاط.

تُرى لو كان الشعب يقف مع سلطته في هذا الوقت؟ أكنا نخشى التقرير، وما بداخل التقرير؟ ولكن الشعب أدار ظهره اليوم، لمن سلخوا ظهره يوما ما، لمن أجاعوه، وأفقروه، وسرقوه وتركوه كاليتيم على مائدة اللئام.

متى يمكن أن نعتبر أن سياسيا ما أصبح فاسدا؟- يكون هذا عندما يقوده انحطاطه الخلقي إلى ممارسة نفوذه على نحو آثم، وعندما تتحول الرغبة في الخدمة العامة إلى ستار يحجب الصفقات المالية والطموح إلى النفوذ الشخصي؛ وعندما تقدم القوى السياسية قوة أحزابها على سعادة الناس، وعندما لا يكون هدف رسائلها وتصرفاتها هو الدفاع عن حقوق المواطنين بل إبقاء مواقع السلطة منفصلة عن مصالح الشعب.

شآ آم أهلك أحبابنا ---موعدنا أواخر العام---آن الكرم يُعتصر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ترامب يؤيد قصف منشآت إيران النووية: أليس هذا ما يفترض أن يُض


.. عاجل | المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي: هذا ما سنفعله مع إيران




.. عاجل | نتنياهو: لم نستكمل تدمير حزب الله وهذا ما سنقوم به ضد


.. قصف مدفعي إسرائيلي وإطلاق للصواريخ أثناء مداخلة مراسلة الجزي




.. نائب عن حزب الله للجزيرة: الأولوية لدينا حاليا هي لوقف إطلاق