الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يوسف عبدلكي

متعب أنزو

2005 / 10 / 19
الادب والفن


عندما يكون الوطن مزاجة ألوان خضراء
الغرافيك ......... على مذهب الأبيض والأسود
متعب أنزو
دمشق-باريس- ثم دمشق مرة أخرى، ذلك ليس اختصاراً للمنفى بأي حالٍ من الأحوال لكنه بمعنى ما الزمن القائم على الحقيقة والموثق بالعمل.
المثال المهم في الالتزام بالحياة وإعادة ترتيب ما تبعثر من صفاتها الذهنية، لاستصدار فن إنساني رفيع، مهذب وأثيري يعرفه السوريون جيداً، بذات الدرجة التي عرفوا فيها يوسف عبد لكي.
الإشارة إلى بدايات الدخول إلى العصر ، الذي يفترض الاندماج والمثاقفة ، الآخذ والعطاء ، وكل ثنائيات الجدل المفضية إلى أتساق هارموني مع ذات العصر .
المكان من حيث كونه ما نحب، وما نحب هو ارثنا الحقيقي، ما نحبه جيداً هو الذي لن ينتزع منا بسهولة.
ولأن التساؤل يبدو وكأنه عادياً ومفاجئاً في جو إشاعة الانكسار والترويج له ومن ثم الخضوع لنتائجه "بعيدة كانت أم قريبة" وكذلك ضمن نسيج عربي يقنع نفسه باليأس في ظل سيطرة واضحة لثقافة استهلاكية عابرة.
ما معناه أن الحرية تكوين هاجسي متراكم ، مناور المواربة والترجمات المسبقة في التلقي ، كذلك هو الفعل المسؤول المؤسس على المصداقية .
المنفى … ذلك "السوبر ماركت" العملاق الذي يتجاوز بحجمه كل استعارات التسوق الحضاري والغير حضاري، المنزل المؤثث بحقوق الإنسان، وحق الطبيعة وحق الحدس والهواء والأمنيات.
لنتخيل من الزاوية التي كان فيها "يوسف عبد لكي" أننا نرى العربة ، بحجم سيارة التاكسي العادية التي يمكن أن نشاهدها في دمشق ، لكنها بلا أبواب ونوافذ وسائق ، وربما بلا عجلات "منطق السكون والرتابة" الذي يغلف كل شيء حتى المشاعر والأحاسيس كذلك رائحة الليمون الممزوج بالماء ، والذي تحرص بلدية باريس على غسل الشوارع به مساء كل يوم .
ليس في هذا السوبر ماركت طعام أو مواد للطبخ، أو أي شيء للاستهلاك، سوى ما تحتاجه لدماغك وروحك.
مكان يختص بالفن والفنانين، ولكل شيء فيه مكان محدد، هناك مثلاً فترينة ضخمة للألوان وأخرى للكتب والأوراق والمجلات والأقلام، وهناك حيّز مخصص للتسكع وتحضير الذاكرة والحقائب.
كذلك المقاعد المنتشرة على طريق الوصول إلى" مونمارتر" والتي من عليها تقسم الحياة على ورق "الكانسون" الفرنسي أيضاً- إلى الأبيض والأسود ، إلى منطق اللعبة التي يستمتع به ويجيدها عبد كلي ، وكما هي بكل ولعها بالدقائق والتفاصيل .
الحفار الذي ظل مصراً على سلوك الغرافيك الأخاذ المبرمج في استمالة الوطن مع إمكانية الفن والحياة .
بعد مضي أكثر من عقدين من الزمن يحضر يوسف من جديد في دمشق في غفلة من الذين أبعدوه ، وهو الذي غادرها مرغماً ولم يكن في خزانته الأكاديمية سوى إجازة من كلية الفنون الجميلة بدمشق ، قادماً إلى مدينة النور التي "يحب ويخشى ويكره في آن معاً" حيث الخوف من الأحياء الكبيرة ، التي تترتب فيها الحياة كل يوم على نحو مختلف ، وتعصف في بيوتها تيارات الاختلاف بكل ما هو ثابت ويقيني .
هياكل وأسماك، وأحذية للأقدام التي وجدت نفسها بلا ثورة – بلا طرق وشوارع وأزقة، وأرصفة، مع حتمية قدرية بامتياز.
مغامرة شديدة التشعب تلك التي يتناولها يوسف في لوحاته، معززاً حضورها بالصوت والرائحة وموسيقى الخطوط ، وبثلاث زوايا حادّة :
الموضوع الموزع بين التسميات الثلاث الآنفة ، والفحم تلك المساحة السوداء المسحوبة على الأرض والمكان والاختزال على سطح العمل ، والحجم ، فيوسف يعزز فضاء العمل براحة بصرية مشففة ومترامية لاحتواء العين والمتلقي في اللحظة ذاتها .
ماذا عن "الميتافيزيك" والعودة إلى البدايات وكأنها عودة بوجه آخر إلى النهايات ، الجماجم التي سينتهي إليها الحلم ، رحلة أشبه ما تكون بما تبقى من الروح التي لا تهادن ولا تتردد .
في سلوك اللوحة لدى يوسف ، الأسئلة لا تقود إلى أجوبة لأنها تنفتح بصورة تلقائية على مشاريع أسئلة أخرى معلنة أو غير معلنة ، لكنها بشكلها ولونها الأوحد مشروعة مثلها مثل توصيفات الحرية والحدس والمطر والفن .
تلك المفردات المستعارة من جموح مخيّال وبحث منهجي مستديم الخطى في تعبيراته الفنية ، تبرز فيه مقدرته على تحريك عناصر ومكوناته في مساحات البياض ، إيقاعات ضوئية مرصوفة بالأفكار ومسالك الجدل ، وحوار سردي بصري مفتوح على فضاء اللوحة وفق نصوص فنية تشكيلية قابلة للفهم والمجادلة وتنوع الرؤى والاستنتاجات ، في أعماله شبه الجدارية ، والمنفذة بالفحم بمهارة فائقة وعين بصرية مقتدرة على التقاط "الرمزي والإيحائي" في مدلولات المعنى وكل تفصيلة من تفاصيل عرضه في خان أسعد باشا ، في المدينة القديمة .
يوسف يعطي الأشياء المصمتة والمهملة في حياتنا اليومية بعداً أجمالياً يدخل من نافذة الحساسية القابلة للتفاعل مع عقل المتلقي وعينه ، مع جوهر الفكرة المكنونة وذهن المشاهد في لحظة الصدق والإدهاش والفروق اللحظي .
المفردات ذاتها التي تتردد في تجربة عن لكي "الورود-الأحذية-الأسماك-الجماجم-العظام-الأواني" كلها تعكس واقعاً حافلاً بالمرئيات ومهارة حرفية تتجاذب ما تبقى من الأشياء التي تأخذ خير فراغها وأشكالها المبتورة عن سابق قصد وتصور في رسم معالم فلسفته وأفكاره وجودة تقنياته .
هي حالة أشبه بالتناص البصري واستعارة مقصودة ، فيها المجاز والمتخيل والمقارن وأساليب التعبير المساعدة على التكييف مع مكونات الطبيعة وتكثيف المعاني والرموز الدلالية الموحية ، والمكانة التي تشغلها مثل هذه المفردات في الطقس الفني والتشكيلي المختزل لدى الحفار السوري في مرجعاته اللونية في الأبيض والأسود .
هناك حيث نبض الحياة المتخيلة واللامرئية … العزف المنفرد على وصف حالة حلم هارب من التزوير ورؤية تكاد تشغل بحذاقة كل تفاصيل الهاجس .
هذا الهم الذي أدخله إلى سياق خصوصية متفردة ومثيرة في ذات الوقت مؤسساً بذلك مدرسة واتجاهاً فنياً يقوم على مفاعيل الرغبة الصادقة بتقديم شيء ما له قيمة فكرية وإنسانية ، مستندة في طبيعة الحال إلى مجموعة متكاملة من العوامل الفكرية والبواعث الأيديولوجية التي يؤمن بها ، وعمل من أجلها طوال حياته .
- من بين الأمثلة الكثيرة للغياب ، يحضر يوسف عبد لكي كما لو أنه من حرير الجريان الهادر ، الكثير من التجريب الذي كلما أمعن فيه اتفاقا مع الوقت بدا فناناً مؤثراً نادراً ، محيداً عن الأدعائية والعفن والترهل الذي أصاب كل شيء .
الكثير من الجاهزية والاستعداد ، الموهبة القديمة والمثقفة الماثلة في تنقله بين باريس والقاهرة تحديداً .
في الوقت والمكان المضاف في فكرة المدينة ، النائم في حدس الافتراضات … العمارة الساكنة التي تبدو مزاجه ألوان خضراء ، في اللحظة التي يستيقظ فيه الحقيقيون فقط ، بينما يذهب الكثيرون ومن تبقى إلى النوم .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وفاة زوجة الفنان أحمد عدوية


.. طارق الشناوي يحسم جدل عن أم كلثوم.. بشهادة عمه مأمون الشناوي




.. إزاي عبد الوهاب قدر يقنع أم كلثوم تغني بالطريقة اللي بتظهر ب


.. طارق الشناوي بيحكي أول أغنية تقولها أم كلثوم كلمات مش غنا ?




.. قصة غريبة عن أغنية أنساك لأم كلثوم.. لحنها محمد فوزي ولا بلي