الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صراع السيسي وأردوغان على المنطقة

عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

2015 / 9 / 4
مواضيع وابحاث سياسية


إن ما تشهده المنطقة في هذه الآونة هو نتيجة كانت متوقعة لما قد شهدته خلال العقد الأخير من القرن الماضي والأول من الحالي. فمنذ بداية التسعينيات، بات جلياً أن مركز الثقل والقيادة وصنع القرار العربي قد تحول شرقاً إلى شبه الجزيرة العربية في مجلس التعاون الخليجي، والمملكة العربية السعودية بشكل خاص. منذ ذلك الحين والمنطقة تصطبغ أكثر فأكثر بالطابع الخليجي في مقاربة السياسة محلياً وإقليمياً ودولياً، وهو نوع من المقاربة يقوم بالأساس على استغلال الدين، وبالمحصلة إذكاء الطائفية المذهبية، أكثر من أي شيء آخر. فكما لا يشكك أحد في أن الجزيرة العربية كانت ولا تزال طوال نحو 1500 سنة مهد ومنطلق الدين الإسلامي، لا يستطيع أحد بالمقابل أن يشكك في أن مهد ومنطلق الحضارة الإسلامية أتى من مكان آخر خارج الجزيرة، تحديداً من دمشق وبغداد والقاهرة. هذا الوضع كان جلياً منذ بداية التاريخ الإسلامي ذاته. إذ بمقدار نجاح الجزيرة في بلورة وتدشين الدين، كان فشلها في إرساء أسس الدولة الإسلامية الجديدة، التي لم تقم على أرضية صلبة إلا بدمشق على يد الأمويين. فلم تتوفر قط، منذ الأيام الأولى لظهور الإسلام، مقومات بناء دولة في أي من صحراوات شبه الجزيرة العربية القاحلة وشحيحة الموارد ومبعثرة السكان، بينما كانت متوفرة وقائمة بالفعل في مراكز حضارية قديمة شمالاً بالعراق والشام، وغرباً في مصر. بحكم شروطها الفيزيقية والديموغرافية كانت ولا تزال الجزيرة، والسعودية تحديداً، تستطيع إنتاج وتصدير الدين الخام، من دون أي تصنيع حضاري، ولم تستطع يوماً أن تصنع حضارة موازية.

علاوة على الثروة النفطية، كانت الثورة الإسلامية في إيران عاملاً محفزاً آخر لذيوع السطوة الدينية والمذهبية على المنطقة بقيادة وتوجيه السعودية على الضفة المقابلة من الخليج. إذا كلما انحسرت وخفت وانحطت الأدوار والموازين النسبية لمراكز الحضارة التقليدية في بغداد ودمشق والقاهرة، كلما زادت وثقلت وعلت بالمقابل هيمنة وتأجج المشاعر الدينية والمذهبية على المنطقة. ومع بدء انهيار المحور الحضاري فعلاً بسقوط بغداد مطلع العقد الماضي، أصبح واضحاً أن المنطقة كلها متجهة في النهاية لا محال نحو صراع طائفي ومذهبي متعدد الطبقات، على محورين رئيسيين الأول سني بقيادة سعودية والآخر شيعي بقيادة إيرانية.

من هذه الثغرة، الصراع السني-الشيعي، استطاعت تركيا بقيادة أردوغان أن تتغلغل إلى المنطقة ثانية بعد نحو قرن من الزمان على الخروج منها. وعلى ما يبدو هذا الاصطفاف المذهبي قد أيقظ حنيناً سلطانياً لدى أردوغان والأتراك، لاسيما في ظل استعصاء الولوج من الباب الأوروبي والمباركة الأمريكية الصريحة لهذا التوجه التركي الجديد. في هذا السياق الواسع، كانت دولة قطر وجماعة الإخوان المسلمين وبعض جماعات الإسلام السياسي، حتى العنيفة منها، هي مجرد لسان حال أردوغان وبوابته ورافعته الأساسية إلى شعوب المنطقة. هكذا، وبالإضافة إلى إيران والسعودية، أصبحت تركيا أردوغان كذلك لاعباً محورياً في سياسة المنطقة. ومباشرة عقب ما سميت آنذاك بثورات الربيع العربي، بدا كما لو أن الحلم الأردوغاني قد تحقق فعلاً وبسرعة ودراما مشهودة، لاسيما عندما استقبلته الجماهير استقبال السلطان الظافر بالتهليل والتكبير أسفل سلم طائرته بمطار القاهرة، أثناء سيطرة الإخوان المسلمين على الحكم بمصر. ومن مصر، ربما كان يفكر أردوغان، سوف تهلل وتكبر له أيضاً عما قريب جماهير دمشق، حيث كانت معارك الثورة المسلحة ضد نظام بشار الأسد لم تؤتي ثمارها بعد.

لكن ظهور السيسي فجأة داخل المشهد السياسي المصري وإطاحته الخاطفة بحكم الإخوان كان الطامة الكبرى، وغير المتوقعة، لاستراتيجية العودة التركية الأردوغانية إلى المنطقة؛ لقد عقد كل حسابات أردوغان، وحول فعلاً الحلم إلى كابوس.

إن تحركات السيسي داخلياً وإقليمياً ودولياً منذ توليه الحكم تعطي مؤشرات واضحة عن المستقبل؛ فهي لا تقف عند تحويل وجهة الأحداث بالداخل المصري فقط، بل تتجاوزه يوماً بعد الآخر لتحولها إقليمياً ودولياً كذلك، وتحول القواعد الأساسية للعبة الكبرى إلى واقع جديد مختلف جوهرياً عما كان سائداً طوال العقدين الأخيرين. فيما يلي بعض المظاهر البارزة لهذا التحول الجديد:

- إحياء عصر الجيوش. منذ سادت الهيمنة الخليجية على المنطقة والجيوش العربية إما مهزومة أو مهملة أو منزوعة الشوكة داخل حدودها الوطنية في كل من العراق وسوريا ومصر. فطبيعة النظام السياسي في السعودية وبقية دول الخليج لا تستند في المقام الأول على ظهير من جيوش وطنية بقدر ما تقوم وتبقى بالأساس على أساس الأحلاف الأمنية، سواء مع قوة خارجية عظمى مثل الولايات المتحدة، أو اقليمية مثل تركية، أو فيما بينها كما في مجلس التعاون. وبدلاً من الجيوش، تعتمد النظم الخليجية في ضمان تماسكها الداخلي على الجماعات الدينية، التي بدورها توفر الحاضنة الطبيعية للجماعات المتطرفة والإرهابية في المناطق الساخنة، خاصة التي يشتم منها تهديداً للمصالح الخليجية. في قول آخر، دول الخليج تخوض حروبها الخاصة بالوكالة، إما عبر الجيوش الأجنبية أو الجماعات المسلحة أو كليهما معاً، وليس عبر جيوش نظامية من مواطنيها.

هذا الوضع كان يتطابق جيداً مع سياسة أردوغان، الذي أراد أن يحصد ويحشد لمصلحته ثمار الجهود السعودية والخليجية طوال عقدين من الزمن. فاختار أردوغان أن ينأ بالجيش التركي وأن يسير على نفس خطى الاستراتيجية السعودية في الاعتماد على قوة عظمى خارجية تساندها على الأرض جماعات مسلحة غير نظامية. لكن هذه الاستراتيجية تعرضت لاختبار قاسي يكاد يقضي على أي أمل في جدواها في حالتين مفصليتين: (1) في ليبيا، لاسيما بعد حادثة اغتيال السفير الأمريكي في بنغازي والتي كذبت الادعاء التركي بالسيطرة على مثل هذه المجموعات، ثم فشلها في التماسك والاحتفاظ بالحكم هناك؛ (2) في سوريا، حيث لا تزال نفس هذه المجموعات عاجزة بعد مرور أكثر من 4 أعوام من القتال عن تحقيق أي اختراق ضد نظام بشار.

وبينما تقف استراتيجية أردوغان أمام حائط سد بهذه الضخامة، كانت استراتيجية السيسي- إعادة تفعيل الجيوش كظهير سياسي- تحقق اختراقات مشهودة على الأرض، داخلياً وإقليمياً. هكذا، وربما لأول مرة، بدأت تسمع أطراف الحديث عن تأسيس جيش وطني نظامي سعودي، وعن تدخل الجيش السعودي لاستعادة السلطة من الحوثيين في اليمن. ولم تقف متلازمة السيسي عند هذا الحد، لكن عدواها انتقلت إلى أردوغان نفسه الذي اضطر أخيراً، بعدما خاب أمله في تحرك عسكري أمريكي وكذلك في تحقيق الجماعات المسلحة المدعومة منه أي نجاحات حقيقية على الأرض، إلى تحريك جيشه للمرة الأولى إلى الحدود السورية.

إن ظهور السيسي، مدعوماً بالجيش، يضع نهاية لحقبة الجماعات المسلحة ويعيد جيوش المنطقة لدورها السابق كلاعب رئيسي على الساحة السياسية الداخلية والاقليمية. وما يحدث في الوقت الحاضر في مصر والسعودية وتركيا ربما يصبح في المستقبل القريب القاعدة السائدة في عموم المنطقة، خاصة سوريا والعراق واليمن وليبيا.

- استعادة التوازن الدولي. منذ ظهر السيسي، والميزان الدولي في المنطقة يتجه أكثر فأكثر نحو التوازن بين عدة قوى دولية، خاصة الولايات المتحدة وروسيا والصين وفرنسا، بعدما ظل مائلاً بشدة لصالح الولايات المتحدة طوال عقدي القيادة السعودية. وكمثال على مدى فاعلية القيادة المصرية الجديدة باتجاه الشرق، فقد تزامنت زيارة السيسي إلى روسيا مؤخراً مع زيارة ثلاثة زعماء عرب آخرين دفعة واحدة!

- الموقف من سوريا. على خلاف الموقف السعودي والتركي من سوريا والذي يسعى إسقاط النظام عسكرياً، تتمسك مصر السيسي بالحل السياسي الذي يحافظ على ما تبقى من مؤسسات الدولة ويمنع وقوعها في يد الجماعات المسلحة. في هذه الحالة أيضاً، الصراع محتدم ما بين مقاربة الجيوش النظامية التي يتبناها السيسي مهما كان الثمن، ومقاربة الجماعات المسلحة كما تتبناها تركيا والسعودية بأي ثمن في المقابل. ومن الملاحظ أن مقاربة السيسي لمنع انهيار الدولة في حجر الجماعات المسلحة تكتسب اعترافاً وزخماً يوماً بعد الآخر، سواء إقليمياً أو دولياً. وبات جلياً الآن أن الولايات المتحدة قد تقبل بأي شيء عدا أن تتحول سوريا إلى ملاذ آمن لجماعات إرهابية مثل القاعدة وداعش والنصرة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تحليل جيد
السير جالاهاد ( 2015 / 9 / 4 - 07:34 )
تحليل جيد ورصين حتي وان شابه الاعجاب بشخصية السيسي .. لكن لا بأس فالرجل يستحقه !! المقال في مجمله يسلط الضوء علي احداث المنطقة بجدية ووضوح ويقدم تفسيرات منطقية

السؤال الذي قد يطرح نفسه كنتيجة لهذه الرؤيا هو

هل الصدام بين السعودية ومصر ( إذا أخذ في الاعتبار الفرق الواضح بين الملك سلمان وشقيقه الراحل عبد الله سياسيا وعقائديا بمعني تعاطف سلمان مع جماعة الاخوان بعد تباعد عبد الله عنهم) مجرد مسألة وقت متي تعافت مصر إقتصاديا؟

ما أظنه هو ان السيسي سيتجنب هذا الصراع لسببين الاول هو الشخصية المصرية عامة ومفهوم حفظ الجميل والثاني هو السيسي نفسه الذي يعتمد كثيرا علي كاريزمته الشخصية في كسب الاخر الي وجهة نظرة

لكن الامر قد يختلف تماما مع من سيخلف السيسي

اخر الافلام

.. إسرائيل مستعدة لتوسيع عملياتها العسكرية في غزة إذا فشلت المف


.. واشنطن متفائلة وإسرائيل تبدي تشاؤما بشأن محادثات هدنة غزة




.. التصعيد العسكري الإسرائيلي مستمر في رفح .. فماذا ستفعل واشنط


.. الصفدي: نتنياهو يتجاهل حتى داعمه الأول.. ومواصلة اجتياح رفح




.. الجيش الأميركي: الحوثيون أطلقوا 3 مسيرات من اليمن دون خسائر