الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العنف والفوضى المنظمة في مسرح شكسبير

ناهدة جابر جاسم
(Nahda Jaber Jassem)

2015 / 9 / 4
الادب والفن


قال سقراط ( أيها الإنسان اعرف نفسك) ولكن الفيلسوف الدنماركي سورن كيركغارد عدلها الى ( أيها الأنسان اختر نفسك)
وهذا يعني ان اختار ذاتي بوعي وهي في شرعيتها الأزلية من أجل ان تصل الى خلاصها وسعادتها الابدية عند اعتمادها الكلي على المطلق وهذا هو الاختيار الايجابي في حياة الذات.
كتاب (العنف والفوضى المنظمة في مسرح شكسبير)
دراسات مسرحية للدكتور فاضل سوداني الصادر هذا العام 2015 ضمن اصدارات دائرة الثقافة والإعلام في الشارقة.
الكتاب يقع في 388 صفحة من القطع المتوسط يتضمن ثلاثة أبواب بصرية ومقدمة والهوامش.
الإبواب البصرية هي كالتالي:
*بصريات الباب الأول: سقطة البطل الشكسبيري في الفوضى المنظمة لعصرنا، الفوضى المنظمة في مسرح شكسبير، معمارية البناء الشعري والدرامى، التصوير الشعري الشكسبيري للحدث الدرامي، شعرية الطبيعة في تراجيديات شكسبير، هاملت وحرية الجنون في الفوضى المنظمة، أوفيليا نور الماء، الحرية والجنون على ضفة نهر الأوفيليات.

* بصريات الباب الثاني: أحلام شكسبيرية في الفضاء البصري، العنف الهاملتي ضد أوفيليا وأحلام القمر، عالمية هاملت والرائحة النتنة في قلعة هلسنيور، أوفيليا الجميلة!تذكري في صلواتك خطاياي كلها(عرض هاملت اللتواني)، الى فراش موتك اذهبي، مشهد الصلاة، جنون أوفيليا، حفارة القبور والجماجم الملونة،هاملت(فرقة Birmingham) الإنكليزية، الطاوس الزنيم(هاملت في المسرح الصغير)، الملكة وجثة بولونيوس، اغتيال هاملت.

* بصريات الباب الثالث: رؤى ىشعرية-بصرية عن أبطال شكسبير، المسرح القادم من الشرق يقلق أوربا، كورديليا..يانور الدنيا الحالم، يوليوس قيصر..السلطة والحرب، العنف وهستيريا الروح في النص الشكسبيري( ريتشارد الثالث أنموذجاً)، ماكبث..تاريخ شكسبيري للعنف والفوضى،الليدي ماكبث، يطرقون درب الزهور ليحترقوا في الأبدية، مجد الدنيا…فكاهتها ولغزها، الجحيم والقيامة الشكسبيرية.
تناول الكاتب في بحثه هذا تحليل الجوانب الإنسانية التي عالجها شكسبير في أعماله وبرؤية تحليلية سيمائية-بصرية متيقناً أنها أعمالا مسرحية حملت مستقبلا وصورا واحداثا عنيفة بين سطورها والتي اجتازت زمنها وبنفس الوقت انها اعمالاً قادرة على تشخيص العديد من جوانب مستقبل الإنسانية الغامض ومن هذا المنطلق فإن هذه الرؤيا تحتاج الى بصيرة بحثية متمكنة من الكشف عن الأبعاد الخفية في الذات البشرية التي عالجها شكسبير في اعماله المسرحية المختلفة.
ومن الامثلة للتحليل وبرؤية بصرية في مسرح شكسبير:
- السقطة والشعور بالكآبة
-السقطة من أجل تكامل ذات البطل الترجيدي( ماكبث..السقطة الذاتية- الوجودية)
-القناع والمرآة المرائية
-الأسلبة والاختزال في الحدث وذات البطل
-شيزوفرنيا الذات في أنثى الأنثى
-الإيمان المطلق بخراب الوجود( الملك لير)
-العبث أو التغريب
-الغروتسك الشكسبيري المتفرد
-العنف وهستيريا الروح
- ماكبث ورؤيا الخراب المنظم لعالمنا المعاصر
-بوابة جهنم
يبدأ الكاتب في طرح اسئلة متعددة في مقدمة الكتاب ومنها :
ـ هل مازال بالإمكان إنقاذ إنسانيتنا وحضارتنا؟ ام إنهما محكومتان بالخراب والتحلل بصورة لا يمكن إصلاحهما بعدها؟
- هل مازال العنف والفوضى المنظمة من شهود الدمار الحقيقي هو الذي يتحكم فينا؟
- وهل يمكن أن يكون للفن والإبداع عموما والمسرح خصوصا دور في أنقاذنا من هذا العنف والفوضى التي يقودهما العقل البشري الشرير وأن يجعلا من عالمنا أكثر إنسانية وأقل عنفاً؟

أن العقل الشكسبيري الرؤيوي ــ المركب يشخص الخراب المنظم لعالمنا المعاصر و يحلل تلك النفس البشرية التي عالجها في مسرحياته وفي زمانه وكأنه يحلل ويتحدث عنا نحن بالذات.
هل يمكن تأسيس إنسانيتنا من جديد على ضوء تشخيص شكسبير ــ والذي يعد ُواحداً من أهم من عالجوا جماليات الفن والجوانب الاجتماعية وسايكولجية الإنسان ــ وعلى ضوء تحليله لشخصيات مأزومة سواء كانت ما زوخية ـ سادية عاشت مأساتها والتي أطلق عليها بسقطة البطل وليس سقوطه، أي تلك المفارقة الملتبسة والغامضة التي تفاجئ وتغري البطل وتشوش عقله وتحوله إلى كائن مهووس لتحقيق سقطته حتى نهايتها (أو حتى تكامله الذاتي) بعد أن تتلبسه الأوهام فيظل مأخوذاً بالنبوءات ومدفوعاً بالقدرة السحرية لتعاويذ رسل الإنتقام أو ملائكة الرحمة، أو مدفوعاً بأوهامه وطموحاته الشريرة أو قراراته التي تبدو أبدية أو تردده الوجودي في اتخاذ أي قرار.
السقطة: هي ليست(سقوطاً) بالمفهوم الأخلاقي المتعارف عليه وأنما هي سقطة تحقق وتكشف الجوهر الحقيقي للذات الأنسانية. فالسقطة ليست الفعل أو النتيجة وأنما هي السلوك والممارسة لما قبل الفعل أي الاسباب التي أدت لذلك التصرف. وتعني المفارقة الغامضة التي تفاجئ وتشوّش عقل البطل في مسرحيات شكسبير وتحوله إلى كائن مهووس لتحقيق ذاته.
فتتحقق سقطة البطل لتتحول إلى لعنة نهائية تشله تماما، فيلتبس عليه الكون والعالم المحيط به ومن ثم يسقط وبهذه السقطة تتكامل ذاته وشخصيته. وهنا تكمن ميزة وديناميكية البحث في كتاب العنف والفوضى المنظمة في مسرح شكسبير. ومفهوم السقطة هنا ليست قدرية وإنما تفرضها الظروف الذاتية والنفسية للبطل فتدفعه إلى الشعور بتحقيق الذات .
ومن الضروري ألا نفهم السقطة كونها سقوط سلبي مفاجئ ومفروض وإنما يضطر البطل لممارستها من أجل أن يحقق تكامله التراجيدي والبطولي، إذن هي قدرة البطل على تحمل مسؤولية اختياره الذاتي والوجودي من أجل تحقيق ذاته، فتتجلى على حقيقتها كما في هاملت وماكبث وريتشارد الثالث أو الملك لير المهوس بتجلي ذاته حتى هوسها العنفي وفوضاها.
ومثل هذه الرؤيا تحتاج إلى بصيرة بحثية قادرة على الكشف عن الأبعاد الخفية في الذات الإنسانية التي عالجها شكسبير وبالتالي الكشف عن العنف والفوضى المنظمة في عالمنا، ولهذا اعتمد الكاتب هنا على التحليل البصري الذي أفترضه للنص والعرض المسرحي كرؤيا بصرية متكاملة. و تطلب هذا أن لا يقتصر التحليل على النص الشكسبيري فقط وإنما تحليل العرض المسرحي لذات النص اعتماداً على عروض عالمية حسب المشاهدة المباشرة والحية في مختلف مسارح العالم وخاصة في المهرجان السنوي الذي يقام سنوياً في قلعة (هاملت ) هلسنيور Helsingø-;-r الواقعة في شمال جزيرة شيلاند في الدنمارك.

ومن الأسس المنهجية التي استخدمها الكاتب في النقد والتأويل البصري في تحليل الحدث التراجيدي الشكسبيري المبني على سقطة البطل من داخل نص الأحداث وزمنها وليس من خارجها أي من واقعنا لأن منطقية وزمانية الحدث الشكسبيري العنيف يخضع لقانون الواقع سواء كان واقعا شكسبيرياً أو واقعنا المعاصر.

أن الأحداث التاريخية التي استقى منها شكسبير تيمة نصوصه أثارت الكثير من الأسئلة هي نفس الأحداث التاريخية التي استخدمها بعض المؤلفين ولكن نصوص شكسبير المسرحية وعلى سبيل المثال شخصية ماكبث التراجيدية هي التي عبرت وبدقة عن مشاكل الإنسان في مختلف العصور وكأنه ضمنّها متعمداً وواعياً لمشكلات الإنسان في المستقبل.

* أن طموح العرش الذهبي وعنف السلطة الوجودية الأبدية والفوضى المنظمة هي التي تؤدي ب ماكبث أن يفعل أي شئ بما فيها القتل أو قيام المجازر والمذابح الدموية الماكبيثية. اذن الطموح المبني على القتل هو حرية تؤدي بالنتيجة الى كأبة تدميرية وخوف من الذات اولا وهذا سيؤدي الى الخوف من الاخر وهذا يؤدي بالتالي الى التحرر من الالتزام الأخلاقي.
ص273
تعتبر مسرحية ماكبث من النصوص التي عمقت وكشفت العنف وهستيريا الروح والتي أكدت الفوضى المنظمة والخراب المنظم لعالمنا المعاصر ولهذا فإن شخصية ماكبث تتشابه مع شخصية ريتشارد الثالث في الكثير من جوانبها العنيفة والنفسية.
يختم الكاتب هنا دراسته الاكاديمية العميقة في تحليل شخوص شكسبير بقوله< استطاع شكسبير ومن خلال الجحيم الذي يستعر في دواخل شخصياته أن يعبر عن حرب كونية لا نوم فيها للجميع يقودها دكتاتور نذل بكل معنى النذالة الأخلاقية والسياسية قائد كان شريفًا فتحول الى نذل حسب توصيف الناقد كينث ميوار بجملته المهمة:
(ريتشارد هو النذل بطلاً، أما ماكبث فهو البطل الذي أصبح نذلاً) ص377

أهمية الكتاب تأتي من أنه مكرّس للمسرح والأعمال الشكسبيرية، ومن هنا فهذا الكتاب يُعد إضافة مهمة للمكتبة المسرحية والجامعات العربية ..أنصح بدراسته سواء للمختصين بالمسرح عموما وأعمال شكسبير خصوصا وقرأته من قبل الأدباء والمثقفين.
3/9/2015








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب


.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع




.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة


.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟




.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا