الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إيديولوجيو اقتصاد السوق يحذرون من الديمقراطية !

قاسيون

2005 / 10 / 19
الادارة و الاقتصاد


ثمة انطباع سائد على نطاق واسع أن هناك علاقة سببية بين الرأسمالية والديمقراطية، وإذا ما جرى تعريف الديمقراطية بالمفهوم الذي ساد في الدول الغربية المتقدمة، فإن هذا الانطباع صحيح إلى حد كبير لدرجة أن جميع الأنظمة التي حاولت تقديم نفسها كبديل للرأسمالية حاولت إعطاء تعريف للديمقراطية مختلف عما هو عليه في الدول الغربية، فتارة سموها الديمقراطية الاشتراكية وأخرى الديمقراطية الشعبية لتمييزها عن الديمقراطية الليبرالية.

يبدو أن الرأسمالية في طورها الجديد، وبالتحديد بعد عودتها إلى المفاهيم الكلاسيكية، ومفاهيم آدم سميث التي تراهن على اليد الخفية للسوق في تسوية الاختلالات، وكف يد الدولة عن التدخل، وأيضاً اتساع نطاق العولمة، أنتجت دينامية جديدة في العلاقة بين الديمقراطية والرأسمالية. ‏

برزت هذه الدينامية عبر وجود تعارض بات ملحوظاً بين رغبة الحكومات الغربية التي عادة ما تعبر عن مصالح الرأسمالية بالعمل من أجل إزالة القيود، مهما كانت طبيعتها، التي تحد من عمل الرأسمالية سواء في نطاقها الوطني أو في إطارها العالمي، مقابل اعتراض من قبل غالبية المواطنين، أولاً على إزالة القيود، وثانياً على نقل فروع الشركات من وطنها الأم إلى البلدان حيث المواد الأولية والأيدي العاملة الرخيصة، وهذا التناقض بين سياسات الحكومة وإرادة المواطنين بدأ ينعكس على العلاقة بين الطرفين ويبرز بقوة إلى السطح عند الانتخابات، إذ إن المواطنين غالباً ما يعاقبون المرشحين الذين يسيرون وفقاً لمتطلبات الرأسمالية، وينتخبون الزعماء والأحزاب الأقل اندفاعاً بهذا الاتجاه، وقد بدأت الانتخابات تثبط عزيمة الحكومات وتجعلها أكثر حذراً وتردداً في الاندفاع بالاصلاحات، ولعل ما جرى في اليابان وألمانيا في السنوات الست الماضية دليل قاطع على وجود هذه الإشكالية الجديدة. ‏

وإذا كان من السابق لأوانه الجزم بوجود تناقض حاد بين الرأسمالية والديمقراطية بصورة مطلقة ودائمة، إلا أن هذا المعطى الجديد بدأ يفرض وجوده على الباحثين والمتابعين لهذه المسألة. ‏

مجلة «نيوزويك»، في عددها الذي يحمل تاريخ 4 تشرين الأول الحالي تطرقت إلى هذه الإشكالية في مقال افتتاحي كتبه محررها الاقتصادي المعروف «روبرت جيه صامويلسون» الذي استنتج في افتتاحيته التي حملت عنوان «الرأسمالية مقابل الديمقراطية» أن هناك معادلة صعبة تحكم العلاقة بين الرأسمالية والديمقراطية تتلخص هذه المعادلة في أن الرأسمالية «تتسبب في رفع مستوى المعيشة» والديمقراطية «تخمد مظالم الرأسمالية وترسي بالتالي دعائم التأييد العام» ولكنه يقول «هذا الاعتماد المشترك خادع لأن الديمقراطية تخنق الرأسمالية لو أفرط في استغلال امتيازاتها». ‏

ويعتقد صامويلسون أن نتائج الانتخابات اليابانية والألمانية، وخاصة الألمانية، جاءت مخيبة للآمال، لأنها لم تمنح حزب المحافظين (أي الحزب الديمقراطي المسيحي) التفويض الكامل الذي يؤهله لإجراء إصلاحات جذرية باتجاه اقتصاد السوق وتقليص البعد الاجتماعي للاقتصاد الألماني الذي ارتكز أساساً إلى اقتصاد السوق الاجتماعي، ولهذا يؤكد «أن احتمالات التجديد الاقتصادي في البلدين ما زالت غير مؤكدة». ‏

ويحذر صامويلسون من أن «الديمقراطية الناجحة تمنح الشعوب فرصة لحماية مصالحها وأسلوب حياتها، ولكن عندما تحاول هذه الحمايات إنكار واقع اقتصادي لا يمكن تغييره، فإنها تصبح عاملاً للهزيمة الذاتية». ‏

ولكن السؤال المطروح هو هل أن الرأسمالية باتت بحاجة إلى تقييد الحق الديمقراطي، وهل تقبل الشعوب المتحضرة التنازل عن هذا الحق، وإلى أين سيقود التنازع بين الرأسمالية والشعب حول حقه في المساءلة، وإذا كانت الرأسمالية واثقة من أن أداءها المتطرف سيقود إلى رفع مستوى المعيشة فلماذا لا تثق بموافقة الشعوب على الإصلاحات الاقتصادية التي تطالب بها؟ ‏

لاشك أن تجارب الإصلاح الاقتصادي المتطرفة، وخصوصاً في الدول المتقدمة، برهنت على أن الشعوب منحت الرأسمالية الفرصة لتحقيق ادعاءاتها بأن الإصلاح يقود إلى رفع مستوى المعيشة وتوسيع نطاق الخدمات وتقليل أكلافها، ولهذا مُنحت مارغريت تاتشر فرصة لحكم بريطانيا لأكثر من دورة انتخابية ولم تُعارَض الإصلاحات الاقتصادية التي نفذتها طيلة حوالي عقد ونصف، ولكن التجربة في النهاية لم تقنع البريطانيين بصحة ادعاءات منظري اقتصاد السوق، ولهذا تفكك حزب المحافظين ونهض على أنقاضه حزب العمال الذي عانى من التفكك في عقد الثمانينيات، وعندما مالت قيادة حزب العمال بزعامة طوني بلير إلى إصلاحات السوق المتطرفة عانى الحزب أيضاً من أزمات وانقسامات داخلية، وتعاظم نفوذ حزب الديمقراطيين الأحرار الذي يمثل تياراً ثالثاً أكثر التزاماً بما بات يعرف في أوروبا والعالم بدولة الرعاية الاجتماعية. ‏

وهكذا يمكن القول إن الرأسمالية المتقدمة بلغت طوراً جديداً أدخلها في نزاع مع ذاتها وقيمها التي نادت بها أكثر من مئتي عام. ‏

إلى أين سيقود هذا النزاع؟ سؤال نتركه برسم المستقبل. ‏








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الألعاب الأولمبية في باريس: ما التغيرات في سوق العقارات الفر


.. عيار 21 الآن وسعر الذهب اليوم الإثنين 1 يوليو 2024 بالصاغة




.. -مشهد اتعودنا عليه من حياة كريمة-حفل تسليم أجهزة كهربائية لـ


.. تقديرات تظهر بأن مدى صواريخ حزب الله يهدد بتعطل إنتاج نحو 90




.. كيف تطورت مؤشرات الاقتصاد المصري بعد ثورة 30 يونيو؟