الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الطارئون

صبري هاشم

2015 / 9 / 4
الادب والفن


**
الطارئون
**

هأنذا ـ ببرلين ـ أُرتِّبُ فوضى الأيامِ
استعداداً لرحيلٍ قادمٍ
وأعاقرُ عُزْلتي وكأسَ هُمُومي
وسَاعاتي تَمْضي مُتَعَثّرةً بأشياءَ لا أفهمُها
لَمْ أعرفْها مِن قَبْل
ولَمْ أَرَ ما يُشبهُها :
غيمةٌ بيضاءُ دَخَلتْ مِن فتحةِ التّهويةِ
وجثمتْ فوقَ السَّريرِ
أحصنةٌ غادرتِ العربةَ التي تعوّدْنا على مرورِها كلّ ضحًى
ووقفتْ صاهلةً بصدرِ الصالةِ
ومِنِ النافذةِ أَرَى حافلةً لنقلِ الرّكابِ تتنقّلُ بين أعالي الشَّجر
وغُراباً يسوقُ قطيعاً مِن فيلةٍ بيضٍ
وأنا عدوٌ للأوهامِ ولَمْ أدخلْ مَعْبَداً للهذيانِ
**
أياميَ تَمْضي
وأنا معَها أَتَعثّرُ بعيداً عن بلادٍ عَصَفتْ بها العَاصِفات
أسلَمَها للغُزاةِ جنرالاتٌ وحفنةٌ مِن بشرٍ خائنينَ
وربما جَحَدَ بأرضِها بعضُ الأبناءِ
ثمَّ فَتَكَ بأهلِها شُذّاذُ آفاقٍ
بِلادي تلك التي لَم تَعُدْ بلادي
***
" ..... هكذا يَحلُمُ بعضٌ مِن سكّانها بمصادرةِ الهويةِ
كما صودِرتْ أحلامٌ لنا باسمِ الدكتاتوريةِ تارةً
وباسمِ الديمقراطيةِ تارةً أخرى ..... "
"..... أو هكذا يَتَمَنّى مَن كان يَرعى بمزرعةِ الحكّام ..... "
" ..... أو ربّما تَمَنّى مَن تمكّنتْ مِن لُبّهِ الأحقادُ ..... "
" ..... لكنَّها بلادي إنْ غبتُ عنها أَو حضرتُ ..... "
" ..... إنْ عدتُ إليها أو عنها ارتحلتُ ..... "
" ..... إنْ مِنها اقتربتُ أو عنها ابتعدتُ ، فهي بلادي ..... "
***
بلادي وأيّ كونٍ مِن الأحزانِ يحتَلُّ مِسَاحاتي ؟
أنا هُنا بمكانٍ نائيٍّ جميلٍ
بأَقصى زاويةٍ مِن زوايا عُزلتي
أُمارسُ حُرّيةَ مَوْتِيَ البطيءَ وأَسْعَى إلى فَنَائي
مُذ خُلِقتْ برلينُ
أنا هُنا
ومُذْ خُلِقت الأشياءُ
وأنا لَسْتُ هُنا
وهأنذا أَتَخَوّضُ في جدليةٍ بلا قرارٍ
وتَشْتبكُ في أعماقِها المعاني
تقولُ امرأتي كأنَّنا ما وِجِدْنا
وكأنَّنا ما حَلُمْنا
وهي تعلَمُ أنَّنا مَنْ يُشارُ إليهم :
هؤلاء هُم الطّارِئون
**
البابُ يُطرقُ وأنا في شجون وشؤون
البابُ يَصْرخُ
وأنا أُرتِّبُ ما تَبقّى مِن فوضايَ
وأنا أحياناً أُغادرُ نَفْسيَ فلا أعلمُ إنْ كنتُ بالمكانِ
أو غادرتُ المكانَ
وتلكَ بلاديَ تَوغّلتْ في الضّبابِ
وأَوغلتْ في الجفاءِ
تلك بلادي
**
هأنذا ببرلينَ أَعْتَقُ آخرَ أحلاميَ المَحبوسةِ في قَفَصي
وأُنظّفُ المكانَ
والبابُ يُطرقُ
هل عادَ منذُ الآن النّازيون ؟
سيأتونَ يوماً وبِنا يَعْصفونَ
يهزّون كياني أو كياناتِ أَبْنائي
هُم قادمون ولو بعدَ حينٍ
تقولُ امرأتي : أنتَ مُتشائمٌ يا رَجُل
أَطلبُ مِنها أنْ تحرقَ جثتي حينَ أموتُ
وهي تُرددُ : أنتَ مُتشائمُ يا هذا
وأضيفُ :
لكي لا ينبشَ النّازيون لي قبراً في قابلِ الأيامِ
**
البابُ يُطرقُ
وأنا مازلتُ أُرتبُّ فوضى أياميَ
التي لَمْ يبقَ مِنها شيئٌ
هأنذا ببرلين
وتلك بلادي التي نأتْ

4 ـ 9 ـ 2015 برلين
***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف نجح الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحسن طوال نصف قرن في تخليد


.. عمرو يوسف: أحمد فهمي قدم شخصيته بشكل مميز واتمني يشارك في ا




.. رحيل -مهندس الكلمة-.. الشاعر السعودي الأمير بدر بن عبد المحس


.. وفاة الأمير والشاعر بدر بن عبد المحسن عن عمر ناهز الـ 75 عام




.. الفلسطينيين بيستعملوا المياه خمس مرات ! فيلم حقيقي -إعادة تد